البحث عن الحقيقة.. الكريلا دجلة أحد وجوهها المضيئة
جبال مفتوحة على أمل وأمل تُطل منه مسارات قضية آثر مناصروها السير في طريق الحرية.. وأنا خلال تقصي أثر هؤلاء وجدت كثير من الحقائق والمعاني التي تحتاج لمجلدات لتُروى.
جبال مفتوحة على أمل وأمل تُطل منه مسارات قضية آثر مناصروها السير في طريق الحرية.. وأنا خلال تقصي أثر هؤلاء وجدت كثير من الحقائق والمعاني التي تحتاج لمجلدات لتُروى.
في يوم من الأيام ولأول مرة عندما كنتُ أبحثُ عن آراء الثوار، ومثل صحفية في إعلام سوريا رأيتُ مشهداً عن المجموعة من الثوار في الجبال الشامخة، أصبحَ لدي فضول للمعرفة على حياتهم، طريقة معيشتهم والتي كانوا يقولون عنهم الأنصار.
في الحقيقة لم أكن أعرفهم، لكنني أردتُ أن أتعرفَ على سبب مجيئهم إلى هذه الجبال، وما الذي أجبرهم بأن يختاروا هذا الطريق وما أهدافهم بهذا التجمع، وخاصة بقاءهم سنوات طويلة من دون أن يروا عائلتهم. كيف يستطيعون ذلك؟ نحن عندما ننقطع عن عائلتنا يومين فقط نشتاق إليهم ولا نستطيع أن نفارقهم. لكن هؤلاء ليسوا كذلك، ألا يهمهم هذا الفراق؟ ألا يشتاقون إلى عائلتهم؟ وهذا أعطاني فضول وحماس بأن أذهب وأتعرف على حياتهم.
بعد مرور الأيام على طلبي قررتُ أن أذهبَ إلى الجبال العالية وأبحثُ عن حقيقة هذه المعيشة، الشيء الذي شجعني على الذهاب هو أنهم رغم الظروف القاسية وعدم وجود الإمكانيات يستمرون في هذه الحياة.
عندما شاهدتُ هذا المشهد، الشيء الذي لفتَ نظري أن في هذه المجموعة يوجد النساء أيضاً وهذا المشهد أعطاني حماس كبير بأن أذهب وأقوم بالبحث عن سبب مجيئهم إلى هذه الجبال.
الجولة المليئة بالأحداث
بعد الوداع من العائلة، قمتُ بالجولة التي كنت أقولُ عنها بـ (المغامرة الجديدة). وبدأتُ بالذهاب عن طريق المشي بسبب عدم وجود المواصلات ولأن المنطقة التي كنتُ سأذهب إليها هي منطقة جبلية ويصعب وصول المواصلات إليها. كانوا يسمونها بـ منطقة بهدينان.
في أثناء سيرنا لأيام طويلة وبما أنني فضولية كثيراً للتعرف على حياة الأنصار وطريقة معيشتهم على رؤوس الجبال العالية رغم صعوبة الأوضاع، كنتُ أقوم بالتقاط الصور والفيديو لكي أنشرهم على التلفاز وأعرف العالم كلهم على هذه الحياة المقدسة المليئة بالمعنويات وأكتب قصص عن حياتهم لكي يبقى ذكرى في صفحات التاريخ.
وفي أثناء التقاطي للصور والمناظر كانت تُعطيني أحساس غريب وكنتُ أقول في نفسي بأنني أعيشُ خيالاً وليس واقعاً لأنني كنتُ أشاهد هذه المناظر على التلفاز واليوم أراها حقيقةً لذلك كنتُ متحمساً جداً.
بعد مرور 15 يوماً على سيرنا وصلنا إلى مكانهم. ولكنني لم أشعر بالتعب وظننتُ بأنم كانوا يومين فقط. وخاصة مع موقف الرفاق الذين كانوا يهتمون بي وطريقة تعاملهم التي كانت ملفتة للنظر كنت متأثراً جداً، رغم عمرهم الصغير لكن قوتهم وإرادتهم دفعني إلى التعرف على حياتهم. في أثناء نقاشنا كنتُ أسئلهم بعض الأسئلة وهم كانوا يجاوبوني بكل صراحة، عن طريق الأسئلة التي كنتُ أسئلهم تعرفتُ على سبب بقاءهم في هذه الجبال. لأنهم لا يفكرون سوى المعيشة على أساس الحرية، توحيد الشعب وخاصةً عندما رأيتُ بأنَّ كل واحد منهم كان من قسم مختلف من كردستان، البعض منهم كانوا من تركيا، البعض منهم كانوا من العراق، البعض من سوريا ومن إيران ولكنهم يعيشون مع بعضهم ضمن ظروف صعبة سنوات طويلة وروح الرفاقية بينهم قوياً جداً.
ورأيتُ أنَّه لا يوجد لديهم فرق بين الأديان والشعب، إن كان كردي أو عربي أو تركي جميعهم يعيشون تحت فكر واحد ويناضلون من أجل تحرير وطنهم ويقاومون من أجل أهدافهم.
حياة لن تُنسى
وصلنا إلى مقرهم الذين يعيشون فيه، في منتصف الليل وصلنا إلى مكانهم لذلك قمنا بالاستراحة حتى الصباح. وفي الصباح أثناء استيقاظي من النوم، خرجت إلى الخارج لكي أقوم بغسل وجهي، لكنني رأيتُ مناظر جميلة جداً في طبيعة جبال كردستان العالية: زقزقة العصافير وهدير الماء ومناظر الأشجار التي وصلت طولها للسماء وعطت جمالاً للطبيعة. فكرتُ في نفسي بأنني دخلتُ الجنة وأنا على قيد الحياة.
أثناء مجيء الرفاق تعرفنا على بعضنا البعض أتوا الرفاق وكانوا مجموعة من رفيقات البنات جلبن الخبز، الجُبن والشاي الذي كنتُ أراه في المشهد الذي شاهدتهُ. وهم كانوا يصنعون الشاي على النار لذلك كانت لذيذة جداً كان طعمه مختلف تماماً عن الشاي الذي كنتُ أشربه في البيت.
بعد الإفطار ذهبتُ إلى الغرفة المصنوعة تحت الأرض والتي كانت ملفتة للأنظار لجب الكاميرا للتقاط صور الرفاق بين هذه المناظر الخلابة، في أثناء دخولي للغرفة رأيتُ بعض الكتب عن الثورة قمتُ بتفقدها لكي أقرأ ما بداخلها فرأيتُ دفتراً عن يوميات الأنصار كان مكتوب عليه اسم (دجلة حازم) وهي كانت شهيدة مقدسة للوطن وكان موجود ضمن الدفتر البعض من صورها التي بعثت عائلتها إليها وهي في جبال كردستان. لذلك قمتُ بالبحث عن حياتها وبما أنها كانت شهيدة كردستان ورّوت أرض الوطن بدمها الطاهرة.
لذلك قررتُ بالبحث عن حياتها لكي أكتب قصتها وتظل في التاريخ ومن يقرأها يستفيد من حياتها. قرأت من يومياتها ورسائلها التي كانت بين اليوميات فتعرفت عليها قليلاً، كانت من الرقة وتاريخ ولادتها 15\5\1973. وتعرفها على حزب الكردستاني وفكر القائد الكردي عبد الله أوجلان في العام 1989 وبما أنها كانت من عائلة فقيرة من الناحية المادية وانقطاعها عن دراستها بسبب سوء وضع العائلة فهي كانت متحمسة جداً بأن تنضم إلى الفعاليات السياسية للحزب. وكانت خروجها من البيت بموافقة والديها، انضمت في عام1991 إلى الحزب وعملت سنة في فعاليات السياسية.
الشخصيات المعنوية والمتأثرة
للحزب في حلب، كانت محبوبة من قبل الرفاق وكانت تحب الأطفال كثيراً، كانت تقول دائماً الثورة تحيا في مرحلة الطفولة. وكان مجيئها إلى جبال كردستان في عام 1993.
عاشت على قمم جبال بوطان وجبال صاصون العالية. وبهذه المعلومات أردتُ أن أبحثُ عن حياتها ضمن هذه الحركة والشيء الذي تأثر عليها بعد مجيئها إلى الجبال والانضمام إلى حياة الأنصار. لذلك ذهبتُ إلى هؤلاء الرفيقات الثوريات وبدأتُ بسؤالهم عن حياة الشهيدة (دجلة) للتعرف عليها أكثر.
في البداية تعرفتُ على أسماءهم كانت اسم الواحدة منهم دجلة سألتها لماذا سميت نفسك بهذا الاسم؟ أجابت بعد استشهاد الرفيقة دجلة سميتُ اسمي على اسمها لكي أستمر بنضالها وأحقق حلمها الذي لم يتحقق ولأن روح الرفاقية بيننا قوية لذلك قمت بحمل اسمها.
الشيء الذي تأثرتُ منه هو حديثهن عن حياة الرفيقة الشهيدة دجلة رغم استشهادها منذ سنوات طويلة. كانوا يبحثون عنها وكأنها تعيش بينهم حالياً، كانوا يقولون رفيقة دجلة هي شهيدة الوطن ولكنها روحها تعيش بيننا كل يوم.
لذلك رأيتُ بأن الشهادة مقدسة جداً بين حياة الأنصار وهي التي تقوي روح الرفاقية الثورية. كانوا يتحدثون عن حياة الرفيقة الشهيدة دجلة وطريقة تعاملها بين الرفيقات ومحبتها للجبال، الشيء المهم كانوا يقولون بأن الشهيدة دجلة كانت تحب المطالعة وتثقيف الذات كثيراً. لذلك كانت مرتبطة جداً بفكر وفلسفة القائد الكردي عبد الله أوجلان وكانت مرتبطة جداً بحرية المرأة. في أثناء سماعي لقصتها شعرتُ بأنني أشاهدها على التلفاز بل كانت واقعية.
كان الشيء المهم بالنسبة لهم هي الرفاقية الأوجلانية وكانت معنى الرفيق بالنسبة لهم كل شيء، كانوا يقولون حياتنا من أجل رفاقنا وهم كل شيء بالنسبة لنا. كنتُ أقول في نفسي كيف يستطيعون أن يعيشوا من دون عائلتهم؟ لكنني رأيتُ حبهم وارتباطهم بهذه الحياة وإقناعهم بهذا الفكر وفلسفة القائد الكردي عبد الله أوجلان وعشقهم في الحياة تزداد يوماً وراء يوم. وحبهم الرفاقية لدرجة بأنهم يقومون بكل شيء بدون مقابل وليس على أساس المصلحة.
المرأة الثورية المحاربة
عندما تحدثن عن رفيقتهم دجلة وبأنها إمرأة محاربة وفي أصعب الأماكن قد قامت بثوريتها في جبال جودي في أقليم بوطان، وبعدها ذهبت إلى صدر جبال صاصون العالية الشامخة ووجهها كان يضحك مع الحياة ونضالها مستمر جعلها تصل إلى المرتبة العالية وحتى تاريخ استشهادها 15\12\2000 في قنديل(كاني جانكه)، في اشتباك مع قوات بشمركة الاتحاد الوطني الكردستاني. حاربت بكل إرادتها وجسارتها ووقفت أمام الذهنية المتخلفة والمتسلطة وكافحت بلا تردد، من خلال أحاديث الرفاق رأيت بأنها كم كانت قوية وحتى أنها وصلت نفسها إلى مستوى القيادة. وهذه الشخصيات نادراً ما نراها في حقيقة مجتمعنا والتي كانت ملفتة لأنظار، وقتها رأيتُ بأن قوة المرأة عندما تتفتح لها المجال تصبح متعلمة في جميع المجالات، ثقتهم بأنفسهم تجعلهم أن يكونوا من أمثال والأبطال في هذه الثورة.
وفي أثناء قرأتي في دفتر الشهيدة دجلة لفتت نظري إلى وعودها ومقولاتها تأثرتُ بها كثيراً وببعض مقولات الكريلا دجلة: "سأقاتل حتى آخر نقطة من دمي. وأنا مؤمنة بالنصر على القوى الإمبرالية والاستعمار التركي والرجعية المحلية، وبالتفوق عليهم في سبيل حرية واستقلال كردستان وتحرير الشعب الكردستاني ووحدة وتآخي جميع شعوب العالم. وأقسم بأنني مرتبطة حتى آخر نفس في حياتي بالجبهة والجيش والحزب والقائد والشهداء والثورة ورفاق السلاح".
وعن طريق أحاديثهم وقراءة كتبهم تعرفت على حياة الأنصار وكيف أنهم مرتبطين بأهدافهم من أجل تحرير الشعب المظلوم، يحاربون على أساس بناء حياة جديدة مليئة بالنصر ومن أجل مستقبل زاهي للجيل الجديد.
أستطيع أن أقول إن هذه المطالعة وجولتي التي قمتُ بها في جبال كردستان أثرت علي كثيراً من الناحية المعنوية والفكرية وتعلمتُ بأن ليست كل إمرأة تقول أنني ثورية تصل نفسها إلى مرتبة الثورة ولكن يجب أن تصل نفسها إلى حقيقة هذا السر حتى تصبح ثورية وتصل إلى المستوى العالية.
وصلتُ إلى نهاية المطالعة التي قمت بكتابتها من أجل التعرف على حياة الأنصار وبالأخص التعرف على حياة الشهيدة دجلة ومقاومتها. ومن خلال جولتي والنقاش مع الأنصار في جبال كردستان وصلتُ إلى هدفي وتعرفتُ على حياتهم عن قرب وبأنني إعلامية من سوريا والذهاب إلى جبال كردستان أصبح لدي فخراً واعتزازاً. لأن هذه الحياة ليست كل من يحب لن يستطيع أن يصل إليها غير الذين وصلوا أنفسهم إلى حياة الحرية وحقيقة الكون.