مناورات واشنطن مع قوى دولية.. هل يشعل الوضع في بحر الصين الجنوبي
يزداد بحر الصين الجنوبي اشتعالاً بعد التحركات الأخيرة لواشنطن والقمة التي عقدتها مع اليابان والفلبين، مما يعقد الموقف مع الصين.
يزداد بحر الصين الجنوبي اشتعالاً بعد التحركات الأخيرة لواشنطن والقمة التي عقدتها مع اليابان والفلبين، مما يعقد الموقف مع الصين.
تتكثف التحركات التي تقودها الولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي على الصعيدين السياسي والعسكري من خلال المناورات مع الدول المحيطة عليه وإنشاء التحالف السياسي بين الفلبين وكوريا الجنوبية واليابان وأمريكا من أجل مواجهة التنين الصيني، ولكن كيف تنظر الصين لتلك التهديدات وما مستقبل الصراع في بحر الصين الجنوبي.
أوضحت الإعلامية والصحفية الصينية سعاد ياي تشين، أن الصين تتمتع بسيادة كاملة ولا تقبل الجدل على الجزر الواقعة في بحر الصين الجنوبي وكذلك المياه المحيطة بها. وأكدت الصين أنه ليس هناك أي نزاع بين الصين والفلبين بشأن سيادة الأراضي في بحر الصين الجنوبي. وبهذه التصريحات، يمكن أن نرى أنه ليس هناك أي مجال للتنازل أمام الجانب الصيني بشأن سيادتها الكاملة على الجزر والمياه ببحر الصين الجنوبي.
وأكدت سعاد تشين في تصريح خاص لوكالة فرات، أنه قد قدمت الصين مبادرتها أمام الجانب الفلبيني بشأن السيطرة على الوضع البحري وإجراء التعاون معه من أجل ضمان السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي، الأمر الذي يعكس بشكل واضح صدق الصين وحسن نيتها في إدارة الخلافات بينها وبين الفلبين في بحر الصين الجنوبي ومن خلال التفاوض والتشاور، ولكن من المؤسف أن الفلبين لم ترد على المبادرة الصينية بشكل إيجابي، واتخذت سلسلة من الإجراءات الاستفزازية في هذه المياه ضد الصين، مما ألحق ضرراً خطيراً بجو التواصل والتعاون بين الجانبين.
وأضافت الإعلامية والصحفية الصينية، أنه خلال السنوات الأخيرة، من أجل كبح نفوذ الصين المتنامي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، قامت الولايات المتحدة ببعض التحركات الاستفزازية في بحر الصين الجنوبي مثل إرسال طائرات عسكرية وسفن حربية إلى بحر الصين الجنوبي لإظهار قوتها العسكرية، وحاولت أيضاً تعزيز حلفائها مثل الفلبين واليابان وتشجيعهم على إثارة مشاكل بشأن قضية بحر الصين الجنوبي.
وبينت سعاد، أن الصين أكدت مراراً أن الولايات المتحدة هي ليست دولة من دول هذه المنطقة، وأن تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الإقليمية بهذه المياه غير مفيد في حل المشاكل بل أنه يؤدي إلى توسيع التناقضات.
كما أكدت الصين أن التعاون والتحالف بين الدول لا يمكنها أن يستهدف طرفا ثالثا أو يضر بمصالح طرف ثالث، وتلتزم الصين دائما بحل الخلافات بينها وبين الفلبين في هذه المياه عبر المفاوضات. لكن، إذا تدخلت دولة أخرى خارج المنطقة في هذا الشأن، فسيؤدي إلى أن تكون الأمر أكثر صعبة، الأمر الذي غير مفيد لحل المشاكل، بدلاً من أنه سيحدث إضرارا على أمن واستقرار المنطقة. ومن جانبها، ستتخذ الصين كل الإجراءات الضرورية لضمان سيادتها الوطنية وسلامة أراضيها في هذه المنطقة.
وتابعت الإعلامية والصحفية الصينية، أنه يمكن أن نرى أن الولايات المتحدة واليابان والفلبين تسعى إلى تعزيز التعاون العسكري بينها، ما يهدف بدرجة كبيرة إلى استهداف الصين، كما نعرف أن الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية قد شكلت التحالف الثلاثي، وبذلك، يمكن أن نقول إن حدة التطويق الأمريكي ضد الصين تشهد وضعاً شديدة أكثر فأكثر.
وأوضحت سعاد، أنه من جانبها، تهتم الصين بتطور مثل هذا الوضع، وأكدت أنها تعارض سعي بعض الدول إلى تشكيل دائرة صغيرة على بحر الصين الجنوبي وبالتحديد بعض الدول خارج هذا الإقليم، مثل الولايات المتحدة، بما يشكل المواجهة ضد الصين تحت ما يسمى بالتعاون الأمني وحماية السلام الإقليمي، وفي الواقع أن مثل هذه التحالفات تؤدي إلى الفوضى والمواجهة بين الدول الواقعة في هذه المنقطة، وإن ما تفعله الولايات المتحدة لتعزيز تحالفاتها مع بعض الدول بهذه المنطقة يهدف إلى بناء إنشاء نسخة من منظمة حلف شمال الأطلسي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ. وتسعى الولايات المتحدة إلى تمهيد الطريق أمام بناء حلف شمال الأطلسي الشامل في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وقد دأبت على القيام بذلك خطوة بخطوة.
وأردفت الإعلامية والصحفية الصينية، أنه خلال سنوات أخيرة، وبفضل جهود مشتركة تبذلها الصين ودول الآسيان، يشهد وضع بحر الصين الجنوبي المزيد من الاستقرار بشكل عام ويظهر اتجاه نمو إيجابي مستمر. وتلتزم الصين دائما بحل النزاعات في بحر الصين الجنوبي عبر الحوار والمفاوضات وعبر التسوية السلمية، لكن هذا لا يعني أن الصين تترك سيادتها على الجزر بهذه المنطقة البحرية، وما تفعله وتلتزم به الصين هو يهدف إلى تحقيق التنمية المشتركة لدول المنطقة وكذلك ضمان الاستقرار والسلم ببحر الصين الجنوبي حتى إيجاد حل سلمي للخلافات بين الدول ببحر الصين الجنوبي وعبر المفاوضات والحوار.
كما أشارت إلى أنه خلال السنوات الأخيرة، هناك التوافقات المشتركة العديدة بين الصين ودول الآسيان بهذا الشأن، بما فيها "إعلان تحركات الأطراف المختلفة ببحر الصين الجنوبي"، و"إطار تحركات لبحر الصين الجنوبي"، ما أسهم كثيرا في تعزيز السلم والاستقرار والأمن في هذه المنطقة، وهناك المصالح المشتركة الكبيرة بين الصين ودول الآسيان وبما فيه الفلبين.
ولفتت الإعلامية والصحفية الصينية، أنه في عام 2023، تجاوز إجمالي حجم التجارة بين الصين ودول الآسيان 900 مليار دولار أمريكي. وحافظت الآسيان على مكانتها كأكبر شريك تجاري للصين لمدة أربع سنوات متتالية، وتعتبر الصين أكبر شريك تجاري لدول الآسيان لسنوات عديدة متتالية. فإن الصين تثق بأن يكون هناك إمكانية لحل الخلافات بينها وبين بعض الدول في قضية بحر الصين الجنوبي في ظل تتعزز فيه التبادلات والتعاون بين الصين ودول الآسيان اقتصاديا وتجاريا وسياسيا. كما أن الصين تعتزم على حماية سيادتها الوطنية وسلامة أراضيها ومواجهة التحديات في بحر الصين الجنوبي.
بينما يرى وانغ يي تشو، نائب عميد كلية العلاقات الدولية بجامعة بكين، أنه بالنظر إلى الأمر من زاوية العلاقات الدولية والدبلوماسية يمكن القول أن التقاط الرئيسة والتعقيدات الخاصة بـ قضية بحر الصين الجنوبي نجد أن بحر الصين الجنوبي هو أكبر مساحة متنازع عليها في العالم، حيث النزاعات السيادية الكبرى والمتعددة حول الحيد البحري، والجرف القاري، والمنطقة الاقتصادية الساحلية، والمياه الإقليمية ببحر الصين الجنوبي، بالإضافة إلى قضية ترسيم الحدود للجرف القاري الخارجي الخاص به، وتضم أطراف الصراع الصين ودول أخرى من الدول الأعضاء بمنظمة الآسيان، وقد تم تفعيل اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار خلال فترة تصل إلى عشرين عاماً، وقد انطلقت جولة جديدة من حركة ضم الدول للمساحات الزرقاء في العالم، وكان بحر الصين الجنوبي هو الأشهر والأشد في المساحات المائية المتنازع عليها.
وأكد تشو في كتابه "التوجهات الجديدة للدبلوماسية الصينية"، أنه بالنظر إلى الأمر من الناحية التاريخية، نجد أن كل دولة تمتلك حجج وأدلة قوية ومختلفة متى تحدثت عن حقوقها السيادية، بل يمكنها أيضاً أن تبحث في الحقب التاريخية المختلفة لتخرج بحجج وأدلة تاريخية تثبت ما تقوله، وهذا ما ينطبق عليه المثل القائل: كل منا له حجته، وما منا لا ينوي التنازل، ولندع المناطق الأخرى جانباً الآن، ونتحدث عن أطراف النزاع السيادي ببحر الصين الجنوبي، فقد دفع ما قدمته أطراف النزاع مؤخراً من مذكرات، وخطط لترسيم الحدود، وبيانات تستند إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المجتمع الدولي إلى إيجاد صعوبة في مناقشة هذا الأمر، حتى إن محكمة العدل الدولية وجدت صعوبة في إصدار حكم سريع واضح تجاه هذا الأمر.
وأضاف نائب عميد كلية العلاقات الدولية بجامعة بكين، إن النزاعات السيادية التي دامت طويلاً في بحر الصين الجنوبي قد أصبحت مؤخرا أكثر خطراً و تعقيدا و ارباكا بالتماشي مع تعزيز قوة الصين الشاملة في أوائل القرن الجديد، وبدء خروج القوات البحرية الصينية من السواحل الصينية، إذ إن بعض دول جنوب شرق آسيا التي تدعي امتلاك حقوق سيادية، والتي تحوي عددا كبيراً من الصينيين المغتربين، والتي كانت أيضاً قد حدث بينها وبين الصين مواجهات سياسية حادة واحتكاكات دبلوماسية في الثورة الثقافية وما بعدها، بعدما رأت النهضة الصينية السريعة وما تنتجه من تداعيات سلبية لديها تسرعت بإصدار الأحكام الخاطئة، كما أن نظريات سياسة القوة الصينية، والتوسع البحري الصيني، التي تندرج تحت ما يسمى بنظريات التهديد الصيني قد ظهرت تأثيراتها في كل دول منطقة بحر الصين الجنوبي.
وبيّن تشو، أنه في إطار ما تم ذكره سابقاً، أن الولايات المتحدة التي ترى نفسها بمنزلة الشرطة العالمية بالطبع لن تترك هذه الفرصة وتقحم نفسها في الأمر، وخصوصا في ظل الظروف الحالية، أي مع النمو السريع للقوة العسكرية والاقتصادية للصين، الذي أدى إلى حدوث بعض التأرجح في هيكل توازن القوي، الذي ظلت الولايات المتحدة تبنيه وتهيمن عليه طويلاً في منطقة آسيا المحيط الهادئ، مما شكل تهديدا على المصالح الأمنية والسياسية لهذه الدولة العظمى في منطقة جنوب شرق آسيا، لذلك كان يجب على الولايات المتحدة أن تتوجه إلى آسيا بلهجة سامية، معذرة من التوسع الصيني، وداعية إلى كف تأثيره، لتساعد دول جنوب شرق آسيا على مقاومة الضغوط الخارجية.