وفي 11 يوليو احتجزت السلطات الإندونيسية ناقلة النفط الإيرانية العملاقة "أرمان 114" في المياه الشمالية للبلاد وهي تنقل نحو مليوني برميل من النفط الخفيف غير المرخص والمقدّرة قيمته بنحو 300 مليون دولار أمريكي إلى إحدى السفن، في وقت أعلن قائد البحرية بالحرس الثوري الإيراني تحذيرات صارخة بشأن ما وصفه بتهديدات للسفن الإيرانية.
وتأتي واقعة السيطرة الإندونيسية على الناقلة الإيرانية ضمن سلسلة من الحوادث المشابهة في الفترة الأخيرة، حيث أعلن الأسطول الأمريكي الخامس إحباط محاولة إيرانية للسيطرة على ناقلتي نفقط جنوب شرق مضيق هرمز، ويثير هذا الوضع تساؤلات عدة حول سيناريوهات الوضع عند هذا المضيق، في ظل مخاوف بشأن حرب ناقلات تعيد ذكريات فترة الحرب بين العراق وإيران.
أهمية استراتيجية
في هذا السياق، يقول هاني سليمان الباحث المتخصص في الشأن الإيراني إن مضيق هرمز يعد أحد أهم المضائق البحرية والتجارة النفطية في العالم، حيث يمر منه حوالي ثلث تجارة النفط العالمية أي حوالي 15 مليون برميل يومياً علاوه على أهميته الاستراتيجية بالنسبة لعديد من الدول سواء على المستوى العسكري ومرور السفن الحربية والناقلات ومرور السفن التجارية سواء تجارة المواد الزراعية أو الصناعية أو المنسوجات أو الأدوات المنزلية وغيره.
وأضاف، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء، أنه أيضا أحد أهم الممرات الذي ينعكس من خلاله نفوذ وصراع جيو استراتيجي خلال السنوات الأخيرة بين عديد من القوى الإقليمية والدولية، وبالتالي تمثل السيطرة عليه أو وجود نفوذ وقوات عسكرية الحصول على أدوات ضغط ومصالح وتفوق نوعي بالنسبة للعديد من الفاعلين الدوليين.
ويرى الباحث في الشأن الإيراني أن مضيق هرمز اكتسب خلال السنوات الأخيرة أهمية نوعية إضافيه من خلال الصراعات الثنائية والإقليمية الموجودة بين عدد من الفاعلين الدوليين ومنها الصراع الأمريكي ـ الإيراني ومحاولة الحرس الثوري وفيلق القدس السيطرة على السفن البحرية وإعاقه حركة التجارة وتهديد المصالح الأمريكية فيما عرف بحرب الناقلات سواء ما بين طهران وواشنطن أو بين إيران وإسرائيل واستهداف بعض المصالح والسفن التابعة لبعض دول الخليج ومنها السعودية والإمارات.
وأضاف "سليمان" أنه بالتالي أضحت السيطرة على مضيق هرمز والتجارة الدولية العابرة منه أحد أهم أدوات الضغط والتهديد وتوازن القوى بالنسبه لبعض الفاعلين الدوليين مثل إيران وأيضاً تولد نوعاً من الصراع الإقليمي للسيطرة على المضيق، من أجل تحقيق أدوات ضغط مختلفة وحماية المصالح والسيطرة على العمليات الاقتصادية، نظراً لأن العلاقات الدولية باتت يتحكم فيها الاقتصاد والاقتصاد السياسي عن مسائل السياسية أو العسكرية البحتة، وأيضا في ظل الصراع الإيراني الخليجي أصبحت المناوشات الإيرانية تشكل تهديداً لهذه الدول ليس فقط لدول الإقليم ولكن للتجارة الدولية وللعالم أجمع والسفن الموجودة العابرة من خلال المضيق.
وقال "سليمان" إنه مع توتر الأجواء الأمريكية – الإيرانية ثم بعد ذلك الحرب الروسية – الأوكرانية أصبح هناك نوع من الصراع ونوع من المزاحمة بشأن السيطرة على المضيق لتأمين مرور السفن وحركه التجارة والقيام بالأنشطه التجارية في حاله استقطاب حتى ما بين المعسكر الغربي والولايات المتحدة الأمريكيه وبين روسيا من جانب وما بين إيران في صراعها مع الولايات المتحدة من جانب وأيضا النزاع التجاري والصراع التجاري ما بين الصين وأمريكا.
وأضاف: "وبالتالي باتت هذه المسؤولية وهذه الصراعات تترجم في خلال المزاحمة والاستقطاب الواقع في مضيق هرمز الذي يعد أحد أهم الروافد التجارية في العالم لما له من أهمية جيو استراتيجية وعسكرية ليس فقط اقتصادية".
أزمة الطاقة والوضع في هرمز
وأوضح أنه مع الأزمة الاقتصادية وأزمة الطاقة التي واجهها الغرب وواجهتها دول العالم وأزمة سلال الغذاء والتوريد ثم أزمة الطاقة بالنسبه للدول الأوروبية ساهمت بشكل كبير في أهمية الحفاظ على تأمين مرور النفط والسفن، وأيضا كان هناك مساحة للصراع ما بين الولايات المتحدة وإيران حيث تريد الأولى فرض عقوبات والسيطرة على ناقلات النفط الإيرانية.
ولفت إلى أن هذه العوامل ساهمت في زيادة الأهمية الاستراتيجية لمضيق هرمز وأضافت إليه أهمية نوعيه أكبر من الأهمية الطبيعية والاستراتيجية العادية، وانتقل الصراع من مواجهة عسكرية عادية أو صراع اقتصادي وتجاري إلى مواجهة اقتصادية وجيو استراتيجية في مضيق هرمز وانتقلت المواجهة ما بين إسرائيل وإيران على سبيل المثال إلى حرب الناقلات، والاستهداف المتبادل بين واشنطن وطهران.
وأشار كذلك إلى الضغط الإيراني على دول الخليج وتهديد الغرب سواءً فيما يتعلق بملف النووي الإيراني أو فيما يتعلق بالسلوك الإيراني بتهديد الغرب بالسيطرة على ناقلات النفط وتهديد وصولها وتهديد المصالح الغربية، وبالتالي هناك مصالح متعاظمة وأهميه مركّبة ومعقّدة بالنسبة للمضيق في الفترة الأخيرة.
استراتيجية إيران
وتتكرر هذه الأحداث رغم الاتجاه السائد في الإقليم خلال الفترة الأخيرة لتهدئة وتبريد الصراعات وهو ما تم ملاحظته على سبيل المثال من خلال اتفاق عودة العلاقات بين السعودية وإيران، وحديث عن مرحلة جديدة من العلاقات في المنطقة، لكن يبدو أن توترات هرمز ومضايقات طهران للسفن في المضيق متواصلة.
من جهته، يقول محمد عبادي الباحث في العلاقات الدولية، لوكالة فرات للأنباء، إن إيران اتجهت إلى التهدئة في الفترة الأخيرة، لكن هذه التهدئة أتت وليدة ظروف داخلية من خلال الضغط الشعبي والطعن في شرعية النظام بسبب المظاهرات المستمرة منذ شهور بعد مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني، إلى جانب تصاعد قوة المملكة العربية السعودية ونفوذها داخل الإقليم وحتى على الصعيد الدولي.
وأضاف "عبادي" في ضوء هذا يتكشف أن خيار إيران للتهدئة في الإقليم ليس استراتيجياً، لأن الجوهر والأسس الإيديولوجية للنظام الإيراني قائمة على فكرة تصدير الثورة والتوسع والتدخل في شؤون الدول الأخرى، مشيراً إلى أن إثارة التوترات الإقليمية من الأساس نصوص دستورية قبل أن تكون قناعات لدى بعض قيادات الدولة.
ولفت الباحث في العلاقات الدولية إلى أنه على المستوى المتوسط ستبقى بعض التصرفات التي تعبر عن ذهنية صانع القرار في إيران وكيف يفكر التي أشرنا لها، وأن خيار السلام والتهدئة ليس خياراً استراتيجياً، وبالتالي تبقى الممارسات الإيرانية مثل التحرش بالسفن مستمرة في مضيق هرمز وفي العراق وسوريا واليمن.
وفيما يتعلق بسيناريوهات المستقبل، فيمكن الاستدلال عليها من خلال واقعة حقل الدرة النفطي الذي تأتي ثرواته كحق كويتي سعودي خالص، ومع ذلك تعلن إيران أن لها الحلق في القيام بالتنقيب فيه، ولولا الرد السعودي الكويتي العربي الصارم ضد طهران لما ارتدعت.
ويرى "عبادي" أن هذا التصرف يشير إلى أن النظام الإيراني لن يتوقف عن ممارساته التي اعتاد عليها، فقد يخفف حدة تلك الممارسات على نحو لا يكسر التهدئة الإقليمية التي تتبعها حالياً، لكن على المدي البعيد لن تتخلى عن استراتجيتها الأساسية القائمة على تعظيم نفوذ الميليشيت والتدخل في شؤون الدول.
دعوات لردع أمريكي
في هذا السياق، ترى دراسة حديثة لمعهد واشنطن أنه سيكون من الحكمة لدى الولايات المتحدة الأمريكية أن تكثف دورياتها البحرية والجوية حول مضيق هرمز، والعمل على توفير غطاء للسفن التي تمر عبر مضيق هرمز، محذرة من خطورة اندلاع حرب سفن في تلك المنطقة.
وأكدت الدراسة ضرورة التأكد من فعالية القوات التي دفعت بها واشنطن إلى منطقة الخليج، لكن في الوقت ذاته فإنه يجب إرسال رسالة دبلوماسية قوية لإيران بأن الولايات المتحدة مستعدة إذا لزم الأمر لاستخدام القوة من أجل حماية السفن.