ويأتي رأي المدعي العام في القضية المعروضة حالياً أمام محكمة النقض بعد خمسة عشر شهراً من إدانة محكمة في إسطنبول لكافالا وسبعة آخرين بتهم لا أساس لها تتعلق بمحاولة الإطاحة بالحكومة التركية، لدورهم المزعوم في احتجاجات حديقة جيزي عام 2013، والتي بدأت بتظاهرات جماهيرية ضد خطة تنمية لوسط إسطنبول تطلبت قطع كميات كبيرة من الأشجار وانتشرت إلى مدن أخرى في تركيا.
تجاهل قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان
ويتجاهل رأي المدعي العام حكمين ملزمين من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان يأمران بالإفراج عن كافالا، وقال هيو ويليامسون، مدير قسم أوروبا وآسيا الوسطى في هيومن رايتس ووتش إن "محاكمة جيزي استهزاء بالعدالة وتجسد أزمة سيادة القانون وحقوق الإنسان في تركيا".
وأضاف "ويليامسون" أن سوء الاستخدام الجسيم للتهم الجنائية والاحتجاز المطول لمطاردة منتقدي حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أصبح هو الشكل الأول للاضطهاد السياسي في تركيا اليوم، في إشارة منه إلى حجم الانتهاكات التي ترتكب من قبل النظام التركي خلال السنوات الأخيرة.
تفاصيل الأحكام الصادرة
ويوصي الرأي الصادر في 7 يوليو 2023 لنائب المدعي العام لمحكمة النقض، ظافر شاهين، بأن تؤيد الغرفة الجنائية الثالثة التابعة لمحكمة النقض إدانة كافالا الصادرة في 25 أبريل 2022 من قبل محكمة الجنايات الثالثة عشرة بإسطنبول والحكم بالسجن المؤبد دون الإفراج المشروط.
ويوصي الرأي أيضا بتأييد الأحكام بالسجن 18 عامًا بحق كان أتالاي وهو محام وعضو برلمان، وطيفون كهرمان وهو مخطط وأكاديمي وسيجديم ماتر وهو مخرج سينمائي وماين أوزيردين وهي مدافعة عن حقوق الإنسان، وهاكان ألتناي وهو معلم ويغيت إكمكجي وهو مؤسس جامعة ورجل أعمال، كما أوصت بإلغاء عقوبة السجن 18 عاماً للمهندس المعماري موسيلا يابجي.
وستراجع الغرفة الجنائية الثالثة التابعة لمحكمة النقض القضية في الأشهر المقبلة وتصدر حكماً بشأن ما إذا كانت ستوافق على الإدانات أو تلغيها، على الرغم من أن توقيت هذا القرار غير معروف.
أدلة غير مؤكدة
ويعتمد رأي المدعي العام المؤلف من 77 صفحة، وفق "هيومن رايتس ووتش"، على فكرة نظرية المؤامرة وغياب الأدلة غير المؤكدة، والمعلومات المتعلقة بالمتهمين من لائحة الاتهام الأصلية المكونة من 657 صفحة في 19 فبراير 2019، والتي اعتبرتها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان غير ذات صلة بالأحكام الصادرة وغير كافية لإنشاء أسباب معقولة للمقاضاة.
وقالت "هيومن رايتس ووتش" إن المدعي العام يلخص عدداً هائلاً من محادثات التنصت على المكالمات الهاتفية بين المتهمين وآخرين، والتي لم يتم توضيح أهميتها أو ما تعنيه في القضية، وتتضمن كذلك الأوراق تأكيدات معممة حول حركات العصيان المدني في جميع أنحاء العالم التي تعتبر ذات صلة باحتجاجات حديقة جيزي، وبعض المعلومات حول كافالا ومشاركة الآخرين في مؤسسة المجتمع المفتوح وهي منظمة مدينة للفنون والثقافة.
ويقول تقرير "هيومن رايتس ووتش" إنه بالنسبة لهذه المواد الموجودة من لائحة الاتهام، يقدم المدعي العام مزيداً من الأفكار المجردة السطحية حول ما يشكل نية إجرامية ووجهات نظر لا أساس لها من الصحة ومجرد تخمينات حول منظمات المجتمع المدني، وطبيعة المجتمعات البشرية والدولة ومواضيع أخرى.
كما أن لائحة الاتهام تستشهد بكتب لكتاب متنوعين مثل فيلسوف القرن الرابع عشر ابن خلدون، ومؤسس تركيا مصطفى كمال أتاتورك، وعالم النفس الأمريكي أبراهام ماسلو، والكتاب الأتراك الذين كتبوا كتباً تروج لآراء تسعى الدول الغربية من خلالها إلى استغلال المجتمع المدني في خلق الانقسام في تركيا، وفق مزاعم المحكمة.
بالإضافة إلى ذلك، تتضمن لائحة الاتهام عناصر من أوامر المحكمة والنصوص القانونية مقتطعة من سياقها، وقد فشل المدعي العام في إظهار كيف ستكون هذه المصادر ذات صلة بالملاحقة الجنائية لكافالا والمتهمين الآخرين.
محاكمة سياسية
وقالت "هيومن رايتس ووتش" إن غياب أي دليل مهما كان نوعه على السلوك الإجرامي في لائحة الاتهام، يدعم بشكل أكبر النتيجة التي توصلت إليها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن الدافع الرئيسي في محاكمة جيزي كان سياسياً.
كما يعارض المدعي العام إطلاق سراح أتالاي، الذي انتخب عضوا في البرلمان عن حزب العمال التركي في الانتخابات البرلمانية في 14 مايو، وينص دستور تركيا والسوابق القضائية الصادرة عن المحكمة الدستورية بوضوح على أن أتالاي يجب أن يستفيد من حصانته البرلمانية ويتم وإطلاق سراحه من السجن لتولي مقعده البرلماني، لكن السلطات التركية منعت إطلاق سراحه.
وقال "ويليامسون" إنه عندما يعتمد المدعون العامون والمحاكم على نظرية المؤامرة والتأكيدات الواهية بدلاً من فحص الأدلة المتعلقة بالجريمة المزعومة، فإنهم ينتهكون أبسط مبادئ القانون الجنائي، مضيفاً أن محاكمة جيزي تحمل بصمات محاكمة استعراضية سياسية من البداية إلى النهاية.
وطالب المسؤول بمنظمة "هيومن رايتس ووتش" بتبرئة المتهمين من جميع التهم والإفراج عنهم فوراً، وبدون قيد أو شرط لإنهاء الظلم الهائل وتمهيد الطريق لمقاربة جديدة تكف الحكومة التركية من خلالها عن استخدام الاحتجاز والإجراءات الجنائية كأدوات للقمع.
ويكتسب تقرير "هيومن رايتس ووتش" أهمية كغيره من تقارير المنظمات الدولية في ظل تسليطها الضوء على عديد من القضايا في تركيا وفهم بعض الممارسات التركية، ولكنها تظل غير كافية وتحتاج لكثير من القواعد الإجرائية وتبنيها من قبل المنظومة الدولية.
وجدير بالذكر أن هناك عشرات الآلاف من المعارضين في تركيا بينهم سياسيين وصحفيين وبرلمانيين كرد وقادة ومنذ عشرات السنيين، بالإضافة إلى عثمان كافالا، ولكن المنظمات الدولية وبسبب تبعيتها السياسية وعدم حياديتها لدرجة كبيرة فإنها تركز على بعض القضايا والأشخاص دون الأخرى.