جاء ذلك في مقال نشره الكاتب الأمريكي فريد زكريا، في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.
وقال زكريا “كان لدى الكثير منا آمال كبيرة في الانتخابات الأخيرة في تركيا، معتقدين أن فوزاً قاطعاً للمعارضة يمكن أن يمثل قطيعة مع الاتجاه العالمي نحو الديمقراطية غير الليبرالية المتمثلة بالرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان”، مضيفا “لكن ربما كنا جميعاً مضللين”.
وأضاف “في الواقع، ما حدث في تركيا في الانتخابات الأخيرة يسلط الضوء على أحدث الاتجاهات وأكثرها إثارة للقلق لناحية صعود الديمقراطية غير الليبرالية”، متابعاً “في حين أن الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان لم يفز بالانتخابات بشكل كامل، إلا أن النتائج كانت نوعاً من الانتصار بالنسبة له. لقد كان أداؤه أفضل مما توقعته استطلاعات الرأي وخرج متقدماً على خصمه الرئيسي كمال كيليجدار أوغلو، مما يرجح تفوقه في الجولة الثانية المقررة في 28 أيار/مايو الجاري”.
ورأى زكريا قائلا “هذا مذهل، بالنظر إلى أن تركيا بلد في كارثة اقتصادية، مع ارتفاع معدلات التضخم وبعد أشهر فقط من وقوع الزلزال، الذي كان أداء الحكومة فيه سيئاً”.
وتابع الكاتب “لنأخذ في الاعتبار، مع ذلك، خلفية هذه الانتخابات. كان أردوغان في مواجهة كمال كيليجدار أوغلو ، مرشح المعارضة، وهو بيروقراطي عديم اللون لا يتمتع بالكثير من الكاريزما أو البلاغة. لكن المعارضة لم يكن لديها بديل. كان الرئيس قد أقال بالفعل من الميدان ربما أقوى منافس له، أكرم إمام أوغلو، وهو سياسي يتمتع بشخصية كاريزمية من نفس الحزب مثل كيليجدار أوغلو، الذي كان في حالة انتصارات متتالية. في عام 2019 ، فاز إمام أوغلو بسهولة في انتخابات عمدة إسطنبول، وهو منصب محوري كان طريق أردوغان إلى السلطة. ولكن على أسس واهية، ادعى حزب أردوغان حدوث تزوير، وأمر المجلس الانتخابي بإجراء جولة جديدة من التصويت. فاز إمام أوغلو في الانتخابات الثانية بهامش أكبر. لذلك اتُهم إمام أوغلو بعد ذلك بإهانة المسؤولين الحكوميين بشأن الحادث وحوكم أمام هيئة قضائية وُصفت على نطاق واسع بأنها مليئة بالموالين للحزب الحاكم. من المؤكد أنه في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، منعت محكمة إمام أوغلو من ممارسة السياسة وحكمت عليه بالسجن لما يقرب من ثلاث سنوات. القرار قيد الاستئناف. في غضون ذلك، مُنع إمام أوغلو من الترشح للرئاسة".
واكد زكريا أن الدولة التركية “تصرف الأموال على أنصار أردوغان، ووسائل الإعلام في البلاد موالية للحكومة بشكل خبيث. تم شراء معظم الوسائل الإعلامية الرئيسية في تركيا من قبل رجال الأعمال الذين يدعمون أردوغان”.
وقال أن “التلفزيون الحكومي في تركيا يشيد بفضائل أردوغان وحزبه ويعلن عن إنجازات الحكومة، في أبريل، أمضى التلفزيون الحكومي 32 ساعة في تغطية أردوغان مقابل 32 دقيقة لخصمه. من بين جميع الديمقراطيات، في حين تسجن تركيا معظم الصحفيين و بدأت الحكومة التركية أكثر من 30 ألف قضية بجريمة "إهانة الرئيس" - في عام واحد فقط (2020).
وتابع زكريا “استولت حكومة أردوغان بشكل منهجي على مؤسسات مستقلة ظاهرياً، بما في ذلك المحاكم والهيئة التي تسيطر على الانتخابات. (إذا اتضح أن انتخابات الإعادة في 28 مايو / أيار كانت متقاربة وخرج مرشح المعارضة في المقدمة، فيمكنك التأكد من أن أردوغان سيستأنف - وأن سلطات الانتخابات ستحكم له، تماماً كما فعلوا في قضية رئيس بلدية اسطنبول) المنظمات غير الحكومية تواجه تحقيقات حكومية صارمة والتدقيق، مما يحد من قدرتها على العمل. أقرت الحكومة قوانين تمنحها سيطرة صارمة على وسائل التواصل الاجتماعي، وخلال عطلة نهاية الأسبوع، طلبت من تويتر حظر حسابات نحو 12 شخصية معارضة. بعد زلزال فبراير، عندما واجهت الحكومة انتقادات شديدة على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب سوء تعاملها مع الكارثة، قامت ببساطة بحجب موقع تويتر لفترة من الوقت".
وتابع متحدثاً عن أردوغان أنه “هو الابتكار التالي في الديمقراطية غير الليبرالية. يستخدم الرؤساء ورؤساء الوزراء المنتخبون أغلبيتهم لتمرير القوانين التي تمنحهم مزايا هيكلية مستدامة على خصومهم. يستخدمون الأموال الحكومية لإغراق مؤيديهم بالمزايا. إنهم يرفعون قضايا ضريبية وتنظيمية ضد مجموعات إعلامية مستقلة، ويحققون مع الصحفيين والمنظمات غير الحكومية، ويعيدون تشكيل الهيئات والمحاكم المستقلة إلى أذرع متوافقة مع الحزب الحاكم. ثم يجرون انتخابات "حرة"”.
وختم قائلا إن “الإشادة بمثل هذه الديمقراطيات (مثل تركيا) تلحق الضرر بالعالم. نحتاج إلى مفردات جديدة لوصف هذه الظاهرة. هل هذه الانتخابات حرة؟ من الناحية الفنية، نعم لكنها أيضاً غير عادلة بشكل كبير”.
وجدير بالذكر أن تركيا شهدت، يوم الأحد الماضي 14 أيار/مايو الجاري، انتخابات رئاسية وبرلمانية، في جو غير طبيعي من المنافسة الغير عادلة بسبب نوعية الحكم وتسلط حزب العدالة والتنمية على كل إمكانات الدولة واستخدامها لصالح أردوغان ومرشحي حزبه، ولقد تأجل الحسم في الانتخابات الرئاسية إلى الجولة الثانية المقررة داخل تركيا يوم 28 أيار/مايو الجاري، ويتنافس فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمرشح كمال كيليجدار أوغلو.
وأكدت الهيئة العليا للانتخابات التركية أن نسبة المشاركة في التصويت داخل تركيا بلغت 88.92%، فيما بلغت 52.69% في الخارج.
المصدر: صحيفة واشنطن بوست.
https://www.washingtonpost.com/opinions/2023/05/19/erdogan-turkey-autocrats-manipulation-elections/?utm_medium=social&utm_source=twitter&utm_campaign=wp_main