قيّم جميل بايك، الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي لمنظومة المجتمع الكردستاني (KCK)، في الجزء الثاني من مقابلته مع وكالة فرات للأنباء (ANF)، الأحداث التي شهدها العام 2024 في الشرق الأوسط وإيران وتركيا وإسرائيل في سياق القضية الكردية وآفاق رؤيته للحل.
وجاء في الجزء الثاني من المقابلة التي أُجريت مع جميل بايك، الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي لمنظومة المجتمع الكردستاني (KCK)، ما يلي:
إن التوازنات القديمة في الشرق الأوسط آخذة في الانهيار، والوضع الراهن آخذ في التفكك، أي نوع من الشرق الأوسط، أي نوع من التصميم الجديد الذي تتصوره قوى الحداثة الرأسمالية في المستقبل؟ ومن ستكون القوى المهيمنة في الشرق الأوسط الجديد؟ وفي هذا الصدد، ما هو الهدف الرئيسي لحرب إسرائيل مع حماس وحزب الله وإيران والقوى الخاضعة لنفوذها؟ وأين تندرج التطورات التي بدأت في 27 تشرين الثاني وأسفرت عن سقوط الأسد من السلطة في هذه الحسابات؟
في بداية القرن العشرين، عندما كان يتم تشكيل الشرق الأوسط، كان هناك هدفان رئيسيان وتوقعات، حيث كان الهدف الأول هو تفكيك الإمبراطورية العثمانية وإقامة دول قوموية مكانها، أما الهدف الثاني، هو إنشاء دولة قومية يهودية في الشرق الأوسط وجعلها القوة المهيمنة في الشرق الأوسط في المستقبل، وكانت الدولة القومية اليهودية، التي ستُعرف فيما بعد باسم إسرائيل، مشروعاً طورته بريطانيا في الأساس، وعلى أساسها تمت محاولة تصميم الشرق الأوسط، ومع ذلك، حدثت بعض التطورات غير المتوقعة التي أدت إلى تغييرات جزئية في الخطة، كان أبرز هذه التطورات ثورة تشرين الأول في روسيا، فعندما قامت ثورة تشرين الأول، كانت الحرب العالمية الأولى مستمرة وكانت روسيا تقاتل إلى جانب بريطانيا وفرنسا، ولكن، عندما قامت الثورة، سحب لينين روسيا من الحرب، كما أفشى أيضاً عن معاهدة سايكس-بيكو بين روسيا وبريطانياً وفرنسا، والتي ظلت سرية، ومع إفشاء لينين عن هذه المعاهدة، أصبحت أسباب وأهداف الحرب العالمية الأولى معروفة للعالم أجمع، وقد حددت معاهدة سايكس-بيكو كيفية تصميم الشرق الأوسط ومناطق النفوذ فيه، ولهذه المعاهدة مكانة مهمة لأنها تظهر أن الحرب العالمية الأولى كانت بسبب الصراع على الهيمنة على الشرق الأوسط.
بعد انسحاب روسيا من الحرب، حدث فراغ بعد انسحابها، واستغلت الحركة الكمالية هذا الفراغ، فكما هو معروف، كانت روسيا قد احتلت منطقة ممتدة حتى بدليس أثناء الحرب، وعندما انسحبت روسيا من الحرب، تركت المناطق المحتلة، وتجمعت القوات الكردية هنا ووصلت إلى مستوى معين من التنظيم، ورأت الحركة الكمالية ذلك وحولت وجهتها إلى كردستان، واستمدت قوتها من هنا، أما الأمر الثاني، طورت علاقاتها مع ثورة تشرين الأول وحصلت على الدعم منها، واستناداً إلى هذين العنصرين، زادت الحركة الكمالية من فعاليتها السياسية والعسكرية، فانتصرت في الحرب مع اليونان وسيطرت على الأناضول، وعندما خسرت اليونان الحرب، لم يكن من الممكن تنفيذ معاهدة سيفر، وبناءً على ذلك، أجرت بريطانيا تغييراً جزئياً في خطتها للشرق الأوسط وأبرمت معاهدة لوزان مع الحركة الكمالية، وبهذه الطريقة، اكتمل تصميم الشرق الأوسط بضم تركيا إليه.
وعندما كان يتم تصميم الشرق الأوسط، كُلفت الدولة التركية بمهمتين رئيسيتين، الأولى هي أن تلعب دور ما قبل إسرائيل، وقد أُوكلت هذه المهمة إلى الدولة التركية إلى أن تأسست إسرائيل وأصبحت القوة المهيمنة في الشرق الأوسط، وهكذا، تم التخطيط لبناء الدولة التركية كنموذج للدولة القومية، حيث لعبت دور أمن إسرائيل وحماية مصالح الحداثة الرأسمالية في الشرق الأوسط وتطويرها على حد سواء، ولهذا السبب، وصف القائد آبو إقامة الدولة التركية بأنها إقامة دولة إسرائيل البدائية، أما الأمر الثاني، أُسندت إليها مهمة تطويق السوفييت من الجنوب، وكما هو معروف، تم قبول تركيا في وقت لاحق في حلف الناتو في هذا السياق، وهذا المشروع الذي طورته قوى الحداثة الرأسمالية يشكل أيضاً أساس الإبادة الجماعية بحق الكرد، فقد تم تحديد الكرد كعدو مطلق للدولة القومية التركية التي تأسست بطابع عنصري فاشي، وجعلوا الدولة التركية تسعى وراء هذا العداء، وحولها إلى القوة الأكثر تصرفاً وخدمة لمخططات الحداثة الرأسمالية، وقد استمرت هذه العجلة دون أن يلحقها أي ضرر، مع تعمق أثرها عبر التاريخ وصولاً إلى يومنا هذا.
والآن، يجري تطوير تصميم جديد في الشرق الأوسط، وبينما يجري إعادة تصميم الشرق الأوسط، يجري تجاوز شكل الدولة القومية، ومما لا شك فيه أن إعادة تصميم الشرق الأوسط ليست عملية بدأت اليوم، فهي مفهوم طرأت على جدول الأعمال مع انهيار الاشتراكية المشيدة، ومن ناحية أخرى، فإن هذه العملية مؤلمة للغاية، والسبب الرئيسي لذلك هو بالطبع تضارب المصالح، حيث هناك تضارب مصالح بين القوى الحداثة الرأسمالية، وكذلك بشكل رئيسي بين القوى العالمية وقوى الوضع الراهن، وهذا يؤدي إلى إطالة أمد العملية والصراع في آن واحد، وكما هو معروف، فإن أول تدخل في نطاق إعادة تصميم الشرق الأوسط كان في العراق وانهيار نظام البعث في العراق، وقد قال القائد آبو، إنه بسقوط صدام انهار نظام الدولة القومية في الشرق الأوسط، وقد أكدت التطورات ما قاله القائد آبو، فقد سقطت أنظمة الدولة القومية في الشرق الأوسط أو تحولت إلى بؤر صراع، والآن هذه العملية مستمرة، وكما هو معروف، فقد انهار أيضاً نظام البعث في سوريا الذي كان يمثل الدولة القومية.
وفي نطاق إعادة تصميم الشرق الأوسط، يجري تجاوز شكل الدولة القومية واستبدالها بنماذج تتماشى وتتوافق مع مصالح رأس المال العالمي، ففي بداية القرن العشرين، كان شكل الدولة القومية يتماشى مع مصالح الحداثة الرأسمالية من أجل تفكك الإمبراطوريات الألمانية والنمساوية والعثمانية، ولكنها الآن لم تعد في وضع يسمح لها بضمان مصالح الحداثة الرأسمالية التي تشهد عملية العولمة، والتي وصلت إلى بعدٍ مدمّر، ولذلك، وبدلاً من الدولة القومية، يُراد تطوير هياكل دول أصغر ومرنة وفيدرالية بدلاً من الدولة القومية، ويهدف ذلك إلى الحفاظ على التداول العالمي لرأس المال واستثماره وأرباحه، ومما لا شك فيه، كما هو الحال في بناء الدول القومية، فإن الأسلوب المستخدم في تجاوز الدولة القومية هو أيضاً سياسة فرق تسد، حيث أن سياسة فرق تسد هي واحدة من أكثر الأساليب المفضلة للإمبريالية.
فالدولة التركية هي الأكثر قلقاً من هذه العملية، وهناك سببان رئيسيان لذلك، الأول، هو أنه مع إعادة التوازن في الشرق الأوسط من جديد دون مراعاة الدولة القومية، فهي تدرك أنها لا تستطيع تنفيذ الإبادة الجماعية بحق الكرد كما في السابق، فقد أصبح الكرد بالفعل قوة مهمة في المنطقة، أما الثاني، أصبح لإسرائيل الآن دور الفاعل الرئيسي في إعادة تصميم الشرق الأوسط، ومع ذلك، لم تكن إسرائيل بارزة ومتصدرة المشهد إلى هذا الحد من قبل، أما الآن، فإسرائيل هي التي تحتل الصدارة، ومرة أخرى، تحظى المملكة العربية السعودية بالأولوية إلى جانب إسرائيل، ومن ناحية أخرى، كانت تركيا تحظى بالأولوية في الماضي، ولكن الآن يتم إبعادها إلى الخلف، في الواقع، بطريقة ما، انتهى الدور الممنوح لتركيا، ومما لا شك فيه أن تركيا لم تُستبعد أو تُستهدف بالكامل من قبل النظام، فتركيا مشمولة بطريقة أو بأخرى أو مطلوب إدراجها في الخطة، لكن تركيا لم تُمنح دوراً رئيسياً كما كان الحال في السابق، فقد ألغى غياب الاتحاد السوفيتي ووجود إسرائيل الحاجة القديمة لتركيا، أما الآن، فالدولة التركية هي أكثر من مجرد قوة مستخدمة، ويتم استخدام طيب أردوغان على وجه الخصوص كنوع من الكبش الضارب، وقد أصبح من الواضح في الوضع في سوريا أن هذا الدور قد أُسند إليه وأن طيب أردوغان يلعب هذا الدور، ومما لا شك فيه أن الدولة التركية تهدف إلى تعزيز موقفها من خلال طرح استخدامها، وبناءً على ذلك، المضي قدماً في خطة الإبادة الجماعية بحق الكرد في المرحلة الجديدة، لأن إبادة الكرد هي الهدف الرئيسي للدولة التركية، وهي في وضع يسمح لها بالتخلي عن كل شيء آخر لتحقيق ذلك، وهي بالأساس عندما تعيش أوقات عصيبة، لا تترك أي تنازل إلا وتقدمة ولا أي خطة إلا وتنخرط فيها.
فعندما اضطلعت إسرائيل بدور الفاعل الرئيسي في المرحلة الجديدة، كان من الضروري القضاء على الهياكل التي من شأنها أن تمنع دور إسرائيل الجديد وتهدد أمنها، وعلى هذا الأساس، تم استهداف حماس أولاً، ثم حزب الله ومؤخراً سوريا، ولم تعد تشكل تهديداً لإسرائيل، وكما هو معروف، تقف إيران وراء هذه القوى كأساس، لذلك، فإن إيران هي المستهدفة في هذه الخطة، وكما رأينا بالفعل، يجري الآن الإعداد لحرب ستنتشر على شكل موجة تلو الأخرى باتجاه إيران، والآن تجري نقاشات عن أن هذه الموجة ستمتد إلى العراق أيضاً، إذا حدثت تطورات ضد إيران في العراق كما هو الحال في سوريا، فسوف تواجه إيران المزيد من الصعوبات.
وعندما كان يجري تصميم الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى، مُنحت إيران دوراً رئيسياً إلى جانب تركيا، وبطريقة ما، تم تطوير تصميم قائم على تركيا وإيران في الشرق الأوسط، لذلك، تم دعم نظام الشاه في إيران وحمايته على مدى 60 عاماً، ولكن في النهاية، لم يتمكن نظام الشاه من الصمود وانهار، وبعد ذلك، هدأت التناقضات نوعاً ما وحصل توافق مع النظام دون الدخول في مواجهة، واستغلت إيران ذلك وحاولت تعزيز مكانتها في المنطقة، خاصة بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق عام 2003، عززت إيران مكانتها أكثر فأكثر، وفي عام 2011، استغلت أيضاً الوضع في سوريا، وهكذا، أوجدت إيران قوى في الخارج موالية لها وتتصرف على أساس مصالحها، أما الآن، وفي الوقت الذي يتم فيه إعادة تصميم الشرق الأوسط، فقد أصبح القضاء على موقع إيران هذا على رأس الأولويات، لأنه طالما حافظت إيران على هذا الموقف، فمن غير الممكن إجراء هيكلة جديدة في الشرق الأوسط، لذلك، فإن إيران هي القوة الأولى المستهدفة، وعلى ما يبدو أنه، أولاً وقبل كل شيء، يُراد ضرب إيران من الخارج وإضعافها تماماً، وبعد تحقيق هذا الجزء من الخطة، ليس من الواضح بعد نوع التطورات التي ستحدث، هل سيكون هناك تدخل في إيران أم أن إيران ستقدم تنازلات كبيرة وتتصرف بما يتماشى مع النظام، ولكن، ما هو واضح هو أنه يتم إقصاء إيران من موقعها القوي الحالي، حيث فقدت إيران بالفعل موقعها القوي السابق، خاصة بعد الضربات الموجهة لحزب الله والضعف الذي اعتراها، كما أن خسارة سوريا تمثل خسارة استراتيجية لإيران.
ما هي العلاقة بين هذه الحروب الساخنة التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، والصراع على الاستحواذ على خطوط الطاقة الجديدة ومواردها؟
بالطبع، العلاقة بين الحروب والمادية علاقة وثيقة للغاية، في الحضارة الدولتية لا توجد أي علاقة مستقلة عن المادية، ولا تهدف إلى المادية، ففي الحضارة الدولتية، كل شيء يتم من أجل المادية، لهذا السبب قال القائد آبو عن الحضارة الدولتية ”الحضارة المادية“، فكل الحروب منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا افتعلتها الحضارة الدولتية لأغراض مادية، والحداثة الرأسمالية هي النظام الحضاري الذي طور الفائدة والاستهلاك أكثر من غيره، ولهذا السبب، فإن أعظم الحروب في تاريخ البشرية قد دارت خلال فترة الحداثة الرأسمالية، بما في ذلك الحربين العالميتين الأولى والثانية، فإن جميع الحروب بين قوى الحداثة الرأسمالية دارت بين قوى الحداثة الرأسمالية من أجل الاستحواذ على طرق الطاقة وموارد الطاقة، وحقيقة أن منطقة الشرق الأوسط كانت مركزاً للحروب على مر الـ 150-200 سنة الماضية، ترجع إلى موارد الطاقة التي تمتلكها وموقعها الواقع على خطوط الطاقة.
ففي نظام الحداثة الرأسمالية، كان إنشاء وتأمين موارد الطاقة وخطوط الطاقة المشكلة الأساسية، حيث أن كل قوة تريد أن تكون مهيمنة حاولت امتلاك موارد الطاقة وخطوط الطاقة، وكان هذا هو السبب الرئيسي لاندلاع الحروب، ولم يتم حل هذه المشكلة حتى الآن، وهذه المشكلة أيضاً هي سبب الحروب الحالية.
ومنذ العصور الوسطى، كانت المشكلة الرئيسية بالنسبة لأوروبا هي امتلاك ثروات إفريقيا والشرق (الهند - إيران - الشرق الأوسط)، واستمرت هذه المشكلة في مرحلة الحداثة الرأسمالية، ولهذا الغرض، طورت بريطانيا طرقاً عبر البحر إلى الهند، وقد خاضت الصراع ضد القوى التي عرّضت أمن وسلامة هذه الطرق للخطر، فعلى سبيل المثال، عملت على حماية الإمبراطورية العثمانية لفترة طويلة فيما يتعلق بأمن الطريق الهندي، ولكن، عندما لم يتصرف العثمانيون بما يتماشى مع بريطانيا وتحالفوا مع ألمانيا ضد بريطانيا وعرّضوا طرق بريطانيا للخطر، غيّرت هذه السياسة ودمرت الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب مباشرة، لذا، وكما يمكن أن نفهم من هذه النقطة، بينما تم تصميم الشرق الأوسط كدول قومية عبر تدمير الإمبراطورية العثمانية، فإن وصول الحداثة الرأسمالية إلى المواد الخام وموارد الطاقة وأمن هذه الطرق كان أساساً.
وإذا جاز لي أن ألخص، مع انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية النظام العالمي ثنائي القطبية، عادت مسألة إعادة توزيع أو السيطرة على ثروات العالم إلى جدول الأعمال باعتبارها المشكلة الأساسية، وبالأساس، لم تكن هذه المشكلة خارج جدول الأعمال لأنها لم تُحل أبداً، ولم تستطع قوى الحداثة الرأسمالية التوصل إلى إجماع كامل في الآراء حول هذه المشكلة، في الواقع، بعد نهاية النظام العالمي ثنائي القطبية، ازداد البحث والتنافس على طرق جديدة للطاقة، وقامت العديد من القوى بتطوير مشاريع كلية وجزئية، وقد تحقق بعضها ودخلت حيز التنفيذ، ومع ذلك، كانت الصين هي القوة التي طورت أكثر المشاريع جدية على المستوى الكلي، وقد حاولت الصين حل هذه المشكلة من خلال تطوير علاقاتها مع العديد من القوى وتطوير مشاريع مشتركة، وكان أكثر هذه المشاريع جدية وواقعية هو خط الطاقة الشمالي الممتد من الشمال، والذي يربط بين الصين وأوروبا، بما في ذلك الهند وإيران ودول آسيا الوسطى على طول هذا الخط، ومرة أخرى، كان للصين مشاريع خط الوسط وخط الجنوب، ومع ذلك، فقد عرقلت الولايات المتحدة هذه المشاريع الصينية بشكل كبير، فمن خلال جر روسيا إلى حرب أوكرانيا، عرقلت الطريق الذي كان سيمر من الشمال، ومؤخراً، في اجتماع مجموعة العشرين الذي عُقد في الهند في أيلول 2023، تم الإعلان عن مشروع الطريق الجنوبي المسمى (الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا- IMEC)، حيث يربط خط الطاقة والتجارة هذا الهند والخليج والشرق الأوسط بأوروبا عبر قبرص، والآن التطورات التي يشهدها الشرق الأوسط، تقوم على أساس ضمان أمن هذا الخط وإزالة العوائق أمامه، وقد وصلت هذه الحرب إلى سوريا وأدت إلى سقوط نظام البعث في سوريا، ومع ذلك يمكن للمرء أن يوضح أن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد، وأنه سيتم استهداف ثلاث مناطق تشكل معضلة للنظام، وسيتم إزالتها من الوضع الإشكالي.
ما هو موقف إيران وتركيا في هذه الحرب المستمرة بين قوى الرأسمالية العالمية والوضع السياسي الراهن في المنطقة؟ ما هو تأثير حرب التصميم الجديد على هاتين الدولتين في الوقت الحالي وكيف ستؤثر عليهما مستقبلاً؟
بعد الحرب العالمية الأولى، عندما تم إعادة ترسيم خارطة الشرق الأوسط، كانت تركيا وإيران تحسبان على أنَّهما القوى الرئيسية في المنطقة، تاريخياً، كانت تركيا وإيران القوتين الرئيسيتين في الشرق الأوسط، لقد اعتمد كلاهما على الشعب الكردي وجغرافية كردستان، وحاولت كل منها أن تبني نفسها وتصبح قوية في المنطقة، وهذه المرة لعبت كل منهما الدور الذي تم تحديده لها ولكن على شكل الدول القومية المتحفظة ، وكلاهما اعتمد مرة أخرى على كردستان، لكن هذه المرة كان بشكل مغاير حيث اعتمدوا على سياسة الإنكار والسلطة المهيمنة المتعجرفة، واتفقوا على الإبادة الجماعية للشعب الكردي وأسسوا إدارة مشتركة لكردستان بعد ضم العراق إليها وبهذه الطريقة، قاموا دائمًا بقمع القضية الكردية.
وفي هذه المرحلة، كانت إسرائيل لا تزال في مرحلة التأسيس والتكوين وكانت معالم مستقبلها غير واضحة، وكان الصراع العربي الإسرائيلي بارزاً على الساحة السياسية والخلافات مستمرة ولجأت القومية العربية ونظام البعث إلى السوفييت والصين في صراعها مع إسرائيل.
لقد حدثت هزيمة القومية العربية والقضاء على مشكلة الوجود الإسرائيلي المتصارعين عليها منذ زمنٍ طويل، وكما هو معروف، فإن الضربة الأولى التي تلقتها القومية العربية جاءت عام 1967 مع حرب الأيام الستة، ثم توالت عليها الانقلابات في وقت لاحق وأخيرا، وصلت إلى سقوط نظام البعث وينبغي أن يكون واضحاً أنَّ الحركات الإخوانية –الدينية المتطرفة ، طورتها الولايات المتحدة وإنكلترا بهدف كسر وشل قوة القومية العربية.
في الوقت الحالي، تتم إعادة ترسيم خارطة الشرق الأوسط من جديد وتعيش كل من إيران وتركيا، وهما القوتان الرئيسيتان في المنطقة، في وضعٍ صعب للغاية وبسبب الوضع السياسي الراهن، فهي في صراع مع القوى الرأسمالية العالمية وعلى الرغم من أننا نعلم أن الوضع السياسي الراهن للدول لا يمكن أن يقف ضد مصالح نظام الرأس المال العالمي، فإما أن يتم تدميرها من خلال تدخلات مختلفة أو أنَّها ستتحول وتتصرف وفقًا للنظام العالمي.
وكما هو الحال في سوريا، فإن الوضع السياسي الراهن للدول لا يمكن أن تُغير نفسها ولم تتمكن سوريا من فعل ذلك ولم تتمكن الدول التي سبقتها، لهذا السبب فأنَّ الديمقراطية ضرورية وتفتقر الدول القومية هذا الأسلوب أو الشكل من الحكم في أيدولوجياتها ولذلك فإن أمامنا مرحلة من التدخلات والانهيارات.
الدور الرئيسي لإسرائيل والمملكة العربية السعودية في المرحلة الجديدة
ومع إعادة ترسيم خارطة الشرق الأوسط من جديد، فإنَّ الدور الريادي الذي كان في السابق قد تم منحه لتركيا وإيران، فقد أُعطي اليوم لإسرائيل والمملكة العربية السعودية وتم بناء خطوط جديدة للطاقة والتجارة وفقًا لذلك، وفي السياق نفسه تم التوقيع على الاتفاق الإبراهيمي الهادف إلى إنهاء الصراعات بين العرب واليهود.
وفي الشرق الأوسط، فإن إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي أمر مهم للغاية ولذلك، أُعطي الدور الرئيسي لإيران وتركيا من قبل، وكما أن القوى التي استفادت أكثر من هذه الخلافات والصراعات كانت إيران وتركيا، الآن اختفى هذا الشيء وعندما نأخذ ذلك بعين الاعتبار، لذلك نرى أن إيران وتركيا هما الأكثر تضرراً وتأثراً من هذه العملية.
ولذلك وقف كلاهما بالفعل ضد هذه العملية، لكن هذا الموقف لا يعني أنهما معارضان للنظام العالمي ومحاولة تطوير نظام بديل له، فمن ناحية، هناك مخاوف وتهديدات وردود أفعال، ومن ناحية أخرى، هناك الحماية، وإذا أمكن ذلك فهنالك تعزيز المواقف وإذا لم يكن ممكناً فإنهم يحاولون قبول أنفسهم كما هم.
وعندما نظرنا إلى الأمر وفق السياسة الإيرانية، في الحقيقة تبرز مشكلة حماية وجود النظام في الساحة السياسية، وكذلك بالنسبة إلى الآخرين وكمثاله؛ لبنان وسوريا والعراق وغيرها، وهذه الدول كانت لديهم أوراق للضغط وبالرغم من أنهم فقدوا تلك الأوراق في يدهم، إلا أن مستقبل النظام أصبح في خطر أيضًا، لقد فقدوا بالفعل بعض الأوراق في أيديهم وليس من الواضح ما إذا كان النظام الرأسمالي الحديث سيتعامل مع هذه الأوراق، أم أنه سيأخذ كل الأوراق واحدة تلو الأخرى ويمضي قدمًا مباشرة وفيما يبدو أنَّ إيران تبدي موقفاً توافقياً للتفاهم، ولكن لم يتبين بعد ما هو موقف الولايات المتحدة وإنجلترا وإسرائيل.
وعندما ننظر إلى الأمر وفق سياسة دولة الاحتلال التركي، يمكننا القول إنَّها تواجه على الأقل نفس القدر من الصعوبات والمخاطر التي تواجهها إيران، أنَّ مشكلة دولة الاحتلال التركي مع النظام العالمي وحمايته ليست بذلك القدر التي تعاني منها إيران، لأنَّ دولة الاحتلال التركي تستطيع أن تتوافق بين الدولة القومية العلمانية وبين الدولة القومية الدينية في آن واحد.
وبعد انقلاب 12 أيلول في تركيا، تم التحول من نهج الدولة القومية العلمانية إلى نهج الدولة القومية الدينية وعلى الرغم من القول أنَّ ذلك بمثابة تحول أو تغييرها للنظام العالمي، إلا أنه في الواقع ليس تغييرًا للنظام، كان هناك تعمق في عقلية وبنية الدولة القومية التعصبية و كما لم يطرأ أي تغيير في تركيا.
إنَّ ما جعل دولة الاحتلال التركي في مواجهة النظام العالمي ليست عوامل داخلية، بل تطورات خارجية وهذا بسبب القضية الكردية و الخوف الرئيسي لدولة الاحتلال التركي هي القضية الكردية ولأنهم يمتلكون مثل هذه العقلية المعادية للشعب الكردي، فإنهم يقعون في التوقع بأنهم يريدون كل التطورات والتغييرات الخارجية لخدمة الإبادة الجماعية للشعب الكردي وهي تتعارض كل التطورات التي ليست ضمن هذا السياق وتلزم بالتأكيد لأجل مصلحة ذلك ولذ فإنَّها القوة الأكثر بعداً عن التغيير.
لكن بشرط عدم الإضرار بسياسات الإبادة الجماعية للشعب الكردي، هناك هيكلية يمكنها الدخول في جميع أنواع العلاقات وهذا ما جعلت دولة الاحتلال التركي تستخدم كثيرًا من قبل الجميع، أنَّها مستبدة وليس لها مبادئ وفي الوضع الحالي، فإنَّ نهج دولة الاحتلال التركي تجاه التطورات في الشرق الأوسط هو بهذا الشكل، وهي تتعامل مع تطورات الشرق الأوسط بقلق كبير وتتعارض رياح التغير، لأنها تقول بإنَّ الشعب الكردي قد يستفيد من التطورات الجديدة ويكتسب القوة والإرادة والمكانة، ولهذا فهي قلقة جداً من ذلك.
ولهذا السبب فهي تتعارض مع رياح التغيير بشدة لكنه عندما ترى التغييرات تحدث، تعارض هذه المرة الخطة وتستخدم قوتها العسكرية والسياسية والدبلوماسية في نطاق مصالحها، وأخيرا، أظهرت ممارسة مماثلة في الشأن السوري ولذلك في الشأن السوري، دعمت مباشرة روسيا وإيران، التي كانت حليفتهما وكانت جزءاً من المخطط الأميركي ضدها وفي الوقت نفسه، فإنَّ مقاربة المسألة السورية مهمة من مقاربة دولة الاحتلال التركي لإعادة تصميم الشرق الأوسط من جديد.
ما هو موقف ودور حركة النضال التحرري الكردستاني التي تأسست وارتكزت على نهج الأمة الديمقراطية، ضد حرب المصالح هذه؟ وما هي المخاطر التي تهدد الكرد؟ وفي الشرق الأوسط الجديد، كيف سيكون وضع ومكانة الكرد وكردستان خلال عملية إعادة التصميم ؟
إنَّ السبيل الوحيد للخروج من أزمة الدولة القومية في الشرق الأوسط والحل الأمثل، هو طرح مفهوم الأمة الديمقراطية ونموذج الأمة الديمقراطية، فلا نماذج قوى الرأسمال العالمي ولا الدولة القومية قادرة على حل المشاكل، إنَّ الوضع الراهن للدولة القومية يشكل بالفعل مصدراً للمشاكل ولذلك لا يتأمل الشخص منه أي حل.
إنَّ النماذج التي تعزز قوى رأس المال العالمي لا تشكل حلاً لمشاكل الشرق الأوسط وقد تلعب دوراً في التجاوز على الدولة القومية ، لكنه ليس حلاً، لقد تم بالفعل تطوير نموذج الدولة القومية من قبل النظام الرأسمالي، حاليا، في ظروف الرأس مال العالمي، ظهر وضع يتعارض مع الدولة القومية والسبب في ذلك هو أن بناء الدولة القومية لا يتوافق مع مصالح الرأس مال العالمي.
لهذا السبب لم يعد مهماً وبهذه الطريقة، ما يتطلب هنا ليس التجاوز على الدولة القومية كعقلية، بل تتطلب الأمر تطوير نظام سياسي جديد وفقًا لمصالح الرأسمالية العالمية في الواقع، ولا يزال التمييز الجنسوي والتعصب والمادية والاستغلال في الدولة القومية مستمرًا وما لم يتم التغلب على هذه المشاكل، فإنَّ الحل الصحيح للمشاكل لن يكون ممكنا ومن وجهة النظر هذه، فإنَّ الصراع بين الوضع الراهن للدولة القومية وقوى الرأسمال العالمي لا يؤدي إلى نتيجة إيجابية للشعوب، من الممكن الاستفادة من هذا النضال، لكن لا يوجد حل من هنا وما سيدفع بالحل إلى الأمام هو النضال من أجل الحرية والديمقراطية للقوى الديمقراطية والثورية والمرأة والشعب وهذا الحل مفعم بالروح والحيوية مع نموذج الأمة الديمقراطية والكونفدرالية الديمقراطية.
الكونفدرالية الديمقراطية هي الحل الأصح لإحياء ودمج الشرائح والفئات الاجتماعية، عندما يفكر الإنسان في تعدد الأديان والطوائف والأعراق والثقافات في الشرق الأوسط، يمكن فهم قوة الكونفدرالية الديمقراطية ومفهوم الأمة الديمقراطية بشكل أفضل.
الآن الحرب العالمية الثالثة مستمرة، كل التطورات التي تحدث في يومنا هذا هي في سياق الحرب العالمية الثالثة وتستمد الحرب العالمية الثالثة مصدرها من أزمة الحداثة الرأسمالية، وأطراف هذه الحرب هي قوى الحداثة الرأسمالية، أي أنَّها بمثابة حرب داخلية للنظام العالمي ولا يوجد فرق أيديولوجي بينهما.
وكلها تتخذ أيديولوجية الحداثة الرأسمالية أساساً لها ، هناك أيديولوجيتان في يومنا هذا، وهي الحداثة الرأسمالية والحداثة الديمقراطية، إنَّ الأطراف التي تتقاتل في سياق الحرب العالمية الثالثة هي القوى التي تؤسس أيديولوجية الحداثة الرأسمالية والصراع بينهما هو صراع المصالح، إنَّهم في طبيعتهم يتصارعون ضد المجتمع والطبيعة و للسيطرة على المجتمع والطبيعة ولذلك فإنَّ المكان الذي تقف فيه القوى الثورية والديمقراطية مختلف تماماً، فخطنا هو خط الحداثة الديمقراطية، وهذا اختلاف أيديولوجي، و لذلك فمن الناحية الأيديولوجية، خطنا هو الخط الثاني، نحن لسنا مع القوى التي تناضل من أجل مصالحها الخاصة وتهدف إلى السيطرة على المجتمع والطبيعة ،ونستطيع القول بإنَّ القوى الثورية والديمقراطية ليست مع هذه الحرب وفي الوقت نفسه، تخوض القوى الثورية والديمقراطية صراعًا أيديولوجيًا وسياسيًا وعسكريًا ضد قوى الحداثة الرأسمالية.
وعند التطرق إلى هذه الأمور ينبغي تمثيل خط الصراع الأيديولوجي وخط الحل السياسي بطريقة مفهومة ومن الناحية الأيديولوجية، نحن نمثل الخط الثاني وكما أوضحنا منذ قليل لا يوجد طريق أو خط أيديولوجي ثالث بعيداً عن الخطين الأيديولوجيين وبهذا، وبينما نخوض صراعًا أيديولوجيًا ضد الحداثة الرأسمالية، فإنَّنا نعمل أيضًا على تطوير سياسة بديلة.
وبهذا نهدف إلى إيجاد البديل الذي يقوم على الحياة المجتمعية والديمقراطية ويمكن أن نحدد هذا الخط بالخط السياسي الثالث، ولذلك فإنَّ الخط السياسي الثالث هو السياسة البديلة، التي تستمد قوتها من المجتمع والنضال وخاصة، من الممكن الاستفادة من الحرب بين قوى الرأسمال العالمي والوضع الراهن وأنَّ التطور والتقدم ممكن على أساس الخط السياسي الثالث ،لقد طرح القائد آبو نموذج الدولة -الديمقراطية ومعنى ذلك أنَّ الدولة ستقبل المجتمع (المجتمع المنظم)، وفي هذه الحالة يمكن التوصل إلى توافق مع الدولة ويُنظر إلى صيغة الدولة - الديمقراطية على أنها الحل الأكثر إمكاناً وتطبيقاً.
وإذا تطرقنا على وضع الشعب الكردي، ففي الوقت الذي يتحدد فيه مصير الشعب الكردي بين الوجود واللاوجود، وفيه خاض صراعاً كبيراً بقيادة حركتنا، لقد أعاد بناء نفسه من خلال هذا النضال من جديد، وشهد تحولاً عظيماً واكتسبت الوعي والإرادة والهوية الوطنية، لقد عاش ثورة النهضة والانبعاث، لقد اكتسب النموذج الديمقراطي الوطني، وتجسد معه مفهوم الحماية الذاتية ومع النموذج الجديد الذي طوره القائد آبو، ظهر عصراً تنويراً جديداً.
لقد قام بتدريب نفسه على أساس الخط الديمقراطي والبيئي وتحرير المرأة ولذلك نستطيع القول بأنَّها القوة الأكثر سياسية وتنظيماً وديناميكية في الشرق الأوسط، وهذا صحيح ،ونحن كشعب يتطلع إلى المستقبل بكل أمل وضياء، كحركة، نحن أقوى من أي وقت مضى وبطبيعة الحال، وهناك خطرٌ يحدق بِنا، أنَّ دولة الاحتلال التركي الفاشية والمستبدة لم تتخل عن أهدافها في الإبادة الجماعية من ناحية، فهي قلقة بشأن التطورات في الشرق الأوسط، ومن ناحية أخرى فهي تستغل الفرص وتخطط لأجل القضاء على الكرد وممارسة سياسة الإبادة الجماعية لهم.
ونحن نرى كيف تحاول الاستفادة من التطورات الجديدة المتسارعة التي حصلت في سوريا وكيف حشدت قوتها العسكرية والسياسية والدبلوماسية في روج آفا لتحويل هذه العملية إلى عملية إبادة وإمحاء، وهذا هو الخطر الأساسي والطريقة الوحيدة لمنع وإفشال تلك المخططات هي المقاومة الشاملة على أساس استراتيجية حرب الشعب الثورية، والطريق إلى النصر يمر من هنا، وسيكون عام 2025 عاماً لانتصار شعبنا على هذا الأساس، والشعب الكردي لا يتبع أي سلطة و في البلدان التي يتواجد فيها، يناضل من أجل الحرية والمساواة وتعزيز الحياة المشتركة ، هذا النضال المشروع والديمقراطي لشعبنا سوف ينتصر بكل تأكيد.