اتخذت النيجر خطوة جديدة في مطالبة القوات الأمريكية في البلاد بالرحيل عن النيجر، بل وقامت بإدخال قوات روسية إلى القاعدة الأمريكية في البلاد، مما يجعل واشنطن تنضم لفرنسا في قائمة الراحلين من النيجر، وقبلها مالي وبوركينا فاسو، مما يثير التساؤلات حول مصير القوات الأمريكية والفرنسية بعد الخروج من تلك الدول.
كشف سنوسي حامد المليك، المحلل السياسي النيجري، أن الدول لها مصالح وهي ما تجعلها تتقارب وتتباعد أحياناً وفقاً للمصالح والحسابات السياسية، مبيّناً أن فرنسا دخلت النيجر منذ مائة سنة وأكثر، سواء كان الاحتلال المباشر في بداية القرن العشرين، وبعد الاستقلال عام ١٩٦٠، كان الاحتلال الفرنسي متجذر سياسياً، وثقافياً واقتصادياً، ولكن بطبيعة الحال الأمور تطورت وشعب النيجر عرف أن فرنسا جاءت لتستغل خيراته، وتحرمه من كل شيء في أرضه، ولذلك تم إخراجهم رغم أنفهم.
وأكد المليك في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء (ANF)، على أن أمريكا جاءت في عام ٢٠٠٠ وأصبحت في أرض الواقع لها قوات في الجهة الشمالية، توجد قوات عسكرية، بدعوى أنهم يحاربون الإرهاب، ولكن واشنطن لم تخطو خطوة جدية في محاربة الإرهاب في وجودهم والعمليات الإرهابية كثرت، ولم تحرك قواتها ساكناً تجاه هذا الهدف، ولم يقتلوا إرهابياً واحداً، وبطبيعة الحال لم يوفقوا في الغرض الذي جاءوا من أجله، ولم يوفوا بالشروط التي جاءوا من أجلها وهي محاربة الإرهاب.
وأضاف المحلل السياسي النيجري، أن الشعب النيجري يريد علاقات فعالة جدية تدفعه على الصعيد الوطني للأمام، وعلى الصعيد الخارجي، تكون له سياسة متزنة، مما جعله يرفض الغرب سواءً كان أمريكا أو الفرنسيين، مشيراً إلى أن ما حدث ليس عملية استبدال مستعمر بمستعمر، ولكن العملية جاءت وفقاً للمصالح، لأن روسيا ليس لديها تاريخ استعماري في المنطقة، ورأينا من خلال مساعدتها للدول دائماً من خلال العمليات الأمنية والتأمين الداخلي، لديها خطوات جدية رأيناها في دول كثيرة وعلاقاتها مع الدول الأخرى، وتكون شريك فعلي، ولذلك رأى المجلس العسكري أن يقوم معها بشراكة على الصعيد الأمني والعسكري.
وطالب المليك، روسيا أن تكون على قدر مسؤوليتها لأن شعوب الدول الصحراوية سواءً كانت مالي أو النيجر أو بوركينا فاسو تعاني من الإرهاب منذ عشر سنوات أو أكثر، فمنذ عام ٢٠٠٩ تعاني من المجموعات الإرهابية، سواء كانت في الجنوب، أو بحيرة تشاد كذلك القاعدة في المغرب الإسلامي وجبهة نصرة الإسلام والمسلمين والفوضى في جهة الشمال.
وتابع المحلل السياسي النيجري، أن النيجر تطمح إلى القضاء على الإرهاب بمساعدة دولة قوية في التسليح وقوية في سياساتها مثل روسيا، وترى أن موسكو تخطو خطوات جدية، في محاربة الإرهاب والقضاء على الجماعات الإرهابية، ويكون الاستقرار الأمني ثم التنمية لأن التنمية لا تحدث إلا في مكان آمن، والأمن لا يكون بوجود جماعات إرهابية، والأمر الأهم هو فرض هيبة الدولة والاستقرار السياسي والأمني.
وتطرق مليك للدور الأمريكي منذ الانقلاب في البلاد، مبيّناً أن أمريكا دائماً حذرة في تعاملها، فمنذ الأيام الأولى للانقلاب الذي حدث في النيجر، أخذت أمريكا زمام الأمور وأمسكت العصا من الوسط، وامتصت الغضب بعكس فرنسا التي استنكرت وأرادت التدخل عسكرياً، فكان الرد عليها قوياً، أما أمريكا عيّنت سفيرة جديدة تتعامل مع الأمر الواقع، كل هذا سعياً منها لقطع الطريق على روسيا، والتواجد الروسي والتحالف الروسي.
وبيّن المحلل السياسي النيجري أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، والنيجريين رأوا تعامل أمريكا مع من تتعامل وكيف أنها تدعم أوكرانيا ضد الروس، باعتبار أن أوكرانيا دولة مظلومة، وباعتبار أنها تدعم إسرائيل ضد الفلسطينيين وهي دولة معتدية على الفلسطينيين، وتقف معهم وتدعهم بالطائرات والأسلحة الثقيلة، بدون شرط، والشعب الإفريقي يعرف كيف توجه أمريكا، ولا يصدقها لو حتى رآها تطير في السماء.
وأوضح المحلل السياسي النيجري أن أمريكا اشترطت على النيجريين عدم التحالف مع إيران، وعدم التحالف مع روسيا، وهذا مخالف لسيادة الدولة، وأمريكا تجاوزت حدودها، ولذلك جاءت الرسالة، لا نريد وجودكم في أرضنا طالما تملّون علينا املاءات، والنيجر ليست خاضعة لسياساتكم، وهذه أرضنا ونحن أحرار فيها.
وأشار مليك إلى أن إدخال قوات روسية إلى القاعدة الأمريكية في النيجر هي رسالة واضحة أن الوضع قد تغير، وأن النيجر حرة في علاقاتها ومع من تقيم علاقات ومع من لا تقيم، ولا يجوز التدخل في شؤون النيجر، لأن السيادة تعني أن تدير شؤونها الداخلية والخارجية بدون تدخل من طرف آخر، وهذه هي السياسة التي يمثلها القانون، والنيجر كدولة مستقلة لها سيادتها واستقلاليتها الكاملة ولها الحرية الكاملة في إدارة شؤونها وفي مع من تتحالف.
وتابع مليك، أن تشاد حالياً هي أكبر دولة فيها قواعد عسكرية فرنسية، ولكن أكثر الدول تأثيراً هي كوت ديفوار (ساحل العاج)، حيث تُعتبر من المعاقل الأساسية في فرنسا، خاصة بعد ما نراه من توجه سياسي للرئيس السنغالي وأن الرئاسة الجديدة لها توجه مخالف لسلفه.
وأردف المحلل السياسي النيجري، أن العقبة الكبيرة الآن هي كوت ديفوار وتشاد، بالتحديد الثقل العسكري الفرنسي، وتنفيذ الأجندات الفرنسية في المنطقة، والخوف من كوت ديفوار وتشاد، ولكن لا صديق قائم ولا عدو دائم، كل شيء قابل للتغيير وفقاً للمصالح، والأيام القادمة بعد السنتين المقبلتين سيتضح في كوت ديفوار هل يأتي الحسن واتارا الرئيس الكوت ديفواري ويحفظ مصالح فرنسا، أم ستأتي مجموعة جديدة تخالف النهج القديم؟ وكانت قد شهدت الانتخابات الأخيرة في تشاد عمليات تزوير واضحة.
بينما كشف أداما كوليبالي، المحلل السياسي والكاتب من بوركينا فاسو، أنه منذ العام 2012، والإرهاب يتفشى في مالي، وبعد سقوط العقيد معمر القذافي في ليبيا عام 2011، تحاول فرنسا مساعدة مالي على وقف الإرهاب بإرسال قوات سيرفال وبارخان، وقد ساعدت عملية سرفال وبرخان دول أخرى مثل نيجيريا وتشاد وبوركينا فاسو وكوت ديفوار وما إلى ذلك، وكان الهجوم الأول في بوركينا فاسو في كانون الثاني 2016 بقيادة روك مارك كريستيان كابوري.
وأكد المحلل السياسي والكاتب من بوركينا فاسو في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء (ANF)، على أنه بعد مرور عشر سنوات، لاحظنا أنه على الرغم من وجود قوات كثيرة في مالي تقترب من 20 ألف جندي في مالي، إلا أنه من المستحيل القضاء على الإرهاب في غرب أفريقيا.
وأضاف كوليبالي، أنه في العام 2020، حدث انقلاب في مالي مع عاصمي غويتا، وفي 24 كانون الثاني 2022 حدث انقلاب في بوركينا فاسو مع المقدم بول ساداوغو دميبا، وفي 30 أيلول 2022، حدث انقلاب آخر في بوركينا فاسو مع النقيب إبراهيم تراوري، وفي 26 تموز 2023، حدث انقلاب في النيجر مع الجنرال تياني.
وبيّن المحلل السياسي والكاتب من بوركينا فاسو، أن القوة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر لديها هدف متمثل في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل بشكل فعّال، ولم يفهموا أنه رغم وجود قوى كثيرة في غرب أفريقيا، إلا أنهم لا يستطيعون القضاء على الإرهاب، ولذلك قررت كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر مطاردة الإرهاب والقوات الأجنبية معاً مثل فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا وغيرها.
وأوضح كوليبالي، أن مالي كانت الدولة الأولى التي طردت جنود برخان الفرنسيين، بعد أن أقام الجنود الموجودين في السلطة في مالي علاقة مع القوات الروسية المسماة فاغنر، وبوركينا فاسو، كما اتخذت النيجر نفس القرار الذي اتخذته مالي باستدعاء القوات الروسية من فاغنر لمحاربة الإرهاب في بلدانها قبل بضعة أشهر.
وأشار المحلل السياسي والكاتب من بوركينا فاسو، إلى أنه على الرغم من أنه لم يتم القضاء على الإرهاب في البلاد سواءً في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، إلا أن الوضع أفضل، لأن مالي استعادت كيدال التي كانت محتلة سابقاً من قِبل الإرهابيين وأصبح لدى كل من النيجر وبوركينا فاسو حرية قيادة أسلحتهم وتنويع الشراء سواءً من تركيا أو روسيا وما إلى ذلك.
وأردف كوليبالي، أن الدول الكبرى موجودة في الساحل من أجل مصالحها، فهي تريد السيطرة على ثروات الساحل مثل الذهب والبترول والماس واليورانيوم وما إلى ذلك.
وأوضح أن القوات الأجنبية، تبحث بعد مالي وبوركينا فاسو والنيجر، عن بلدان أخرى لإعادة التوطين فيها، فاليوم يحاول الإرهاب السيطرة على كوت ديفوار، توغو، بنين، وما إلى ذلك. وهناك هدف متمثل في الوصول إلى السواحل.
يستمر مسلسل إخراج القوات الغربية من الغرب الأفريقي، وبعد خروج القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، بدأت القوات الأمريكية تلاقي نفس المصير بعد طلب سلطات النيجر بخروجها ودخول قوات روسية لإحدى قواعدها.