انتهت اليوم المهلة التي منحتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" لقادة الانقلاب العسكري في النيجر من أجل إعادة الرئيس المخلوع محمد بازوم، والتي كانت أشارت إلى تدخل عسكري محتمل وسط دعم دولي لتوجهات "إيكواس" بشأن التعامل مع تطورات الأزمة في هذا البلد. الذي يحتل مكانة متميزة على صعيد ثروات اليورانيوم وأيضاً المواجهة مع التنظيمات الإرهابية.
وقد أخذت الأوضاع في النيجر منحى ربما يحولها إلى "أوكرانيا أفريقية"، مع دعوة الرئيس المنقلب عليه محمد بازوم في مقال بصحيفة "واشنطن بوست" الولايات المتحدة الأمريكية إلى التدخل لردع الانقلابيين وإنقاذ منطقة الساحل الأفريقي من السقوط في براثن النفوذ الروسي على حد قوله، في وقت دعا قادة الانقلاب قوات فاجنر الروسية إلى الوقوف معهم ومساندتهم ضد هذا التحالف الغربي الذي يعادي روسيا كذلك.
مصالح غربية وترقب روسي
في هذا السياق، يقول السفير صلاح حليمة نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، في تصريح لوكالة فرات للأنباء، إن هناك شبه إجماع دولي على رفض الانقلاب العسكري في النيجر، وضرورة العودة إلى النظام الدستوري مرة أخرى، في ظل المخاوف من عدوى تكرار الانقلابات خصوصاً في منطقة الساحل الأفريقي التي يوجد فيها الكثير من المصالح الغربية.
وأوضح السفير صلاح حليمة أن الانقلاب العسكري الذي وقع في النيجر لا يتفق مع مصالح دول الإيكواس والدول المتحالفة معها مثل فرنسا التي يكن له قادة الانقلاب عداء كبيراً، في وقت تعتمد باريس على النيجر في الحصول على 70% من احتياجاتها من اليورانيوم والذي تستخدمه في الفترة الأخيرة لإنتاج الكهرباء في إطار تعاملها مع أزمة الطاقة التي أفرزتها الحرب الروسية – الأوكرانية.
أما عن الموقف الروسي، يقول السفير صلاح حليمة إن روسيا لديها موقف تكتيكي في الوقت الحالي، إذ تعلن وتؤكد ضرورة العودة إلى نظام الدستوري وهو نفس موقف الاتحاد الأفريقي، وهذا مرتبط بأن موسكو استضافت مؤخراً قمة "روسيا – أفريقيا" وهي تخطب ود الاتحاد الأفريقي في ظل المنافسة مع الدول الغربية، وبالتالي لا يمكن أن تعلن عن موقف مغاير له وتدعم قادة الانقلاب حتى لو كان هؤلاء ضد النفوذ الغربي.
ولفت "حليمة" إلى أن العودة للنظام الدستوري الذي تدعمه روسيا لا يعني بالضرورة عودة الرئيس محمد بازوم، لكن ربما إجراء انتخابات لاحقأ وهكذا، مؤكداً أن روسيا تتابع وتراقب الموقف، لكنها في الوقت الحالي لا يمكن أن تخرج عن موقف الاتحاد الأفريقي، الذي كما أشار ترغب في علاقات طيبة معه، مشيراً كذلك إلى أن التدخل العسكري لا يشترط أن يكون تدخلاً غربياً أو أمريكياً بل يمكن أن يكون أفريقياً بدعم من تلك الدول.
ومن المتوقع أن تتحول حدود الدول الرافضة للانقلاب إلى نقطة انطلاق محتملة للتدخل العسكري في النيجر، إذ أعلنت بنين استعدادها لإرسال قوات إلى "نيامي" متى ما قررت "إيكواس"، أما نيجيريا فقد أكدت أن القوة العسكرية خياراً لا مفر منه ما لم يتراجع الانقلابيون عن موقفهم، أما الجزائر فترفض الانقلاب لكنها لا ترى أن استخدام القوة لإعادة "بازوم" خياراً مناسباً، في وقت ترفض بوركينا فاسو ومالي بشكل قاطع التدخل العسكري وتدعم بشكل علني قادة الانقلاب.
دور فاجنر
بدوره، يقول الدكتور نبيل رشوان الخبير في الشأن الروسي، لوكالة فرات للأنباء، إن روسيا لن تتدخل عسكرياً في النيجر مع أي طرف، وإن كان هناك تواجد روسي فسيكون من خلال مجموعات فاجنر، حتى لو كان هناك حديث عن توترات بين تلك العناصر والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الوقت الحالي، موضحاً أن عناصر فاجنر تنتشر في عدة دول محيطة بالنيجر مثل ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى.
وأضاف "رشوان" أن البعض قد يرون أن من مصلحة موسكو التدخل لدعم قادة الانقلاب من أجل زيادة نفوذهم، لكن في واقع الأمر الروس ليسوا في حاجة إلى ذلك، لأن لديهم نفوذاً معقولاً في النيجر، إضافة إلى أن موسكو تدرك أن التدخل يعني استنزافاً جديداً لها ولمواردها وأن الغرب يريد جرها إلى أماكن عدة للإيقاع بها في ظل أزمة روسيا.
وعن الموقف الصيني وتقاربه مع الموقف الروسي، يقول الخبير في الشأن الروسي إن الموقف الصيني واضح وصريح بأنها ضد الانقلاب وتتمسك بعودة النظام الدستوري، لكنه يرى أن "بيجين" تتعامل مع الأمر بشكل تجاري، أي أنها مع الوضع الذي يساعدها على جني مزيد من المكاسب التجارية والاقتصادية.
لكن في الساعات الأخيرة يبدو أن نيجيريا التي تؤيد الخيار العسكري في التعامل مع الوضع بالنيجر، يبدو أنها ستتراجع مع تحذير مجلس الشيوخ النيجيري من مغبة هذا السيناريو، ما يعني رفضه المشاركة في أي عمل عسكري لتخرج بذلك "أبوجا" من الدول التي يمكن أن تشارك في أي تدخل عسكري محتمل.
ويأتي انقلاب النيجر لتكون أحدث دولة في غرب أفريقيا يسيطر الجيش فيها الحكم بعد مالي وغينيا وبوركينا فاسو وتشاد وجميع تلك الدول كانت مستعمرات فرنسية في السابق، لكن هناك موجة كبيرة من العداء الشديد لفرنسا تتصاعد في تلك الدول، ما جعل البعض يرى أن "باريس" ربما تكون هي السبب الرئيسي لعدم استقرار تلك الدول.