احتجاجات جورجيا.. هل تدخل تبليسي بؤرة التمزق بين المعسكرين الأمريكي والروسي؟
تخرج مظاهرات في جورجيا ومعها يثار الجدل بشأن تحول البلاد إلى ساحة مواجهة جديدة بين روسيا والولايات المتحدة.
تخرج مظاهرات في جورجيا ومعها يثار الجدل بشأن تحول البلاد إلى ساحة مواجهة جديدة بين روسيا والولايات المتحدة.
اندلعت الاحتجاجات في جورجيا، التي كانت ذات يوم ضمن دول الاتحاد السوفيتي السابق، وقد أخذت بشكل واضح طابع المواجهة بين الجانبين الروسي والأمريكي، فهناك رئيس وزراء هو إيراكلي كوباخيدزه من المعروف بميوله إلى روسيا، ولديه مواقف عديدة ضد واشنطن وتحركاتها.
وما فاقم الأزمة أنه ذهب باتجاه تمرير تشريع مشابه لآخر في روسيا يصنف كل المنظمات غير الحكومية التي تتلقى تمويلات خارجية على أنها من العملاء للخارج، ومن ثم فإنه سيتم إغلاقها، ومن المتعارف عليه عادة أن هذه النوعية من المنظمات تتلقى تمويلها من الولايات المتحدة ودول أوروبا، التي بدورها تتبنى مواقف مناهضة للروس، لدرجة أن واشنطن تدخلت وطلبت من رئيس الوزراء الجورجي سحب مشروع القانون.
ساحة للمواجهة
في هذا السياق، يقول الدكتور نبيل رشوان الخبير في الشأن الروسي، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه يمكن القول بشكل ما إن جورجيا أصبحت هي الأخرى ساحة للمواجهة بين روسيا والولايات المتحدة في ضوء الصراع والتنافس بين الطرفين، الذي وصل إلى أقصى درجاته في ظل الحرب بالأراضي الأوكرانية.
وأضاف أن مسألة تأجيج الاحتجاجات والاحتجاجات المضادة أمر يحدث بين موسكو وواشنطن من وقت لآخر في مناطق النفوذ، موضحاً أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية تدعم الاحتجاجات ضد رئيس الوزراء الجورجي المعروف بقربه من النظام الروسي، وقد انفجر ذلك بعد قانون يسعى إليه وهو قانون العمالة للخارج الذي يشبه قانوناً مماثلاً في روسيا.
وأوضح الدكتور نبيل رشوان أنه تقريباً روسيا وأمريكا تلعبان نفس اللعبة، أي الاحتجاجات، مشيراً إلى أن جورجيا لها خصوصية لا سيما أنها كانت ضمن الاتحاد السوفيتي السابق واللغة الروسية لا يزال لها وجودها هناك، كما أن كثيراً من المعارضين للرئيس الروسي ممن رفضوا إعلان فلاديمير بوتين التعبئة الجزئية سافروا إلى جورجيا وأٌقاموا فيها.
واعتبر أن هناك جزء من المواجهة بين الروس والأمريكيين الآن في جورجيا، علماً أن رئيسة جورجيا ضد القانون الذي يريد تمريره رئيس الوزراء وأكدت أنها لن تصدق عليه، لا سيما أنها سيدة ذات ميول غربية تربت في أوروبا ولديها أفكار مضادة لروسيا، ولكن كما نعلم فإن جورجيا دولة برلمانية والرئيس ليس لديه صلاحيات واسعة.
وتوقع رشوان أنه إذا اشتدت هذه الاحتجاجات، فمن الممكن اللجوء إلى الانتخابات المبكرة، لا سيما أن الشعب الجورجي متأثر بالعمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، كما أنه متأثر بحرب روسيا عام 2008 وضياع مقاطعتين من الأراضي الجورجية وهما أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، على نحو يشبه ما يجري في الدونباس شرق أوكرانيا، مشيراً إلى أن رئيس الوزراء الجورجي لديه أمل بعلاقاته مع موسكو في عودة الجمهوريتين إلى بلاده.
وكان رئيس الوزراء الجورجي أعلن إلغاء زيارة كانت مقررة له إلى الولايات المتحدة على خلفية طلب الأخيرة سحب مشروع القانون الخاص بالمنظمات الأجنبية، أو وقف مناقشة البرلمان مشروع القانون المثير للجدل، وقد اعتبر، وفق بيان لوزارة الخارجية، أن هذا الأمر لا يتماشى مع روح الشراكة التي يجب أن تكون بين تبليسي وواشنطن.
تمزق بين معسكرين
وتذهب بعض وجهات النظر إلى أن جورجيا دخلت أزمة التمزق السياسي بين روسيا والولايات المتحدة، وفي هذا السياق يقول بهاء محمود الخبير في الشؤون الأوروبية، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه ليس انقساما بالمعنى الحقيقي، وإنما المشكلة تأتي من أن أنظمة شرق أوروبا لا تزال تعيش على علاقاتها مع روسيا، حتى سلوفاكيا آخر انتخابات أتت بمؤيدين لموسكو، مؤكداً أن هذه الدول ومع صعود اليمين الشعبوي لديها فهي غير مؤمنة بفكرة التبعية للأمريكيين والذهاب نحو الناتو والتبعية العسكرية كذلك بهذا الشكل.
ويوضح محمود أنه على العكس، فإن روسيا تقدم المساعدات دون تبعية عسكرية صريحة كما تفعل واشنطن والناتو، كما أن موسكو تغذي فكرة القومية لدى هذه الدول، كما أن الروس لا يتدخلون في الشؤون الداخلية لهذه الدول، الأمر كله علاقات في إطار نظم وبالتالي موسكو غير معنية بوضع حقوق الإنسان أو الحديث عن الديمقراطية في تلك الدول عكس ما تقوم به واشنطن.
ويلفت إلى روسيا لا تقوم بالتدخل إلا عندما يكون هناك تهديداً مباشراً لها وقريب من حدودها مثل حالة أوكرانيا، وبالتالي فأنظمة شرق أوروبا لا تزال متأثرة بروسيا، لدرجة أن دولة مثل بيلاروسيا يثار الحديث فيها عن إمكانية أن تتحول إلى جمهورية تابعة للاتحاد الروسي.
ويؤكد الخبير في الشؤون الأوروبية أن كثير من دول شرق أوروبا تعتمد بدرجة كبيرة على روسيا اقتصادياً، وتقدم الأخيرة لهم تفضيلات في الأسعار والمواد الغذائية والكهرباء والغاز، كما أن موسكو ليس لديها شروطاً فيما يتعلق بالمساعدات، فلا تجدها مثلاً تطلب وضعاً ما بخصوص المثليين كما تفعل أمريكا، على شكل ينافي ثقافة تلك الشعوب، أي أن مشكلة واشنطن أنه يكون لديها أجندة ثقافية كذلك تريد فرضها.