أكاديمي مصري يكشف الرؤى الكردية حول "كامب ديفيد" بمناسبة 40 عاماً على توقيعها 

تحت رعاية وزارة الثقافة المصرية أقام مركز تاريخ مصر المعاصر بدار الكتب والوثائق القومية ندوة تحت عنوان: (أربعون عاما على كامب ديفيد)، قدمت فيها العديد من الأبحاث والمناقشات.

وخلال الندوة جرى استعراض بحث عن "الرؤى الكُـردية تجاه كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية" للأكاديمي المصري الدكتور محمود زايد الأستاذ بجامعة الأزهر والمختص بالشؤون الكردية.

وفيه ناقش زايد أسس اهتمام الكُرد بكامب ديفيد ومعاهد السلام، ومنها: أن الكرد جزء من منطقة الشرق الأوسط، وأحداثها تؤثر على قضيتهم، كما أن لهم مواقف معلنة وعملية تجاه الصراع العربي/الإسرائيلي، خاصة وأنهم يؤمنون بحقوق الفلسطينيين إيماناً مطلقاً مثل حقوق الشعب الكردي. هذا بالإضافة إلى إدراكهم لمخاطر الصهيونية على عموم المنطقة بما فيها كردستان. ثم ألمح إلى أن مكانة مصر والمصريين في وجدان الشعب الكردي لها تأثير مباشر على اهتمام الكرد بكل القضايا التي تتعلق بالشأن المصري ويتجاوبون معها.

كما أفاد زايد أنه مع إجماع الكرد على الحقوق الفلسطينية، وأنه لامحدودية لأطماع الصهيوينة في جغرافية فلسطين، لكن لديهم تباين في كيفية وحلول إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وبالتالي انعكس ذلك على تقييمهم لكامب ديفيد.

وقال إن هناك أربع مدارس كردية قيمت كامب ديفيد، كل منها بطريقتها:

الأولى: مدرسة الحزب الديمقراطي الكوردستاني التي تقوم مبادؤه على حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وأن ديمومة الحرب لن تنهي الصراع، ولذلك فإن التفاوض والسلام الأفضل للمنطقة. ومن أدبيات أعضاء الپارتي عن كامب ديفيد: أن تاريخ المنطقة لم يشهد مبادرة باتخاذ قرار جريء لإيقاف حرب استمرت لأكثر من ثلاثة عقود، كمبادرة الرئيس الراحل أنور السادات... حيث أثبت أنه يستطيع أن يحارب ويعـبُـر سورًا قيل إن عبوره محال، ويستطيع أيضا في نفس الوقت أن يجلس على طاولة الحوار ويطالب بما لم تستطع العقود التي سبقت هذه الاتفاقية تحقيقه. وبالتالي فإن ما قامت به مصر وإسرائيل في كامب ديفيد كان خطوة مهمة في تضييق مساحة الصراع العربي الإسرائيلي.

أما المدرسة الثانية: مدرسة الاتحاد الوطني الكوردستاني التي أيضا أيضا كامب ديفيد، وقيمت الرئيس المصري السادات بأنه أيقن أن نظرية العمل الجماعي للشعوب العربية لم تعد مجدية، بدليل أنها لم تحقق أي نجاحات منذ 1948م. كما أن نظرية إفناء إسرائيل ورميها في البحر باطلة؛ فإسرائيل أمست أمرًا واقعًا. وأن منطقة الشرق الأوسط تسع الجميع (العرب وغيرهم). وأنه لم يعد في الحرب انتصار كامل ولا هزيمة كاملة؛ ولذلك لابد من التفاوض. كما أيقن السادات أن حرب أكتوبر كانت حرب تحريك قبل أن تكون حرب تحرير. ولذلك فإن السادات قرأ التاريخ بشكل دقيق؛ فسبق عصره حينما قال: "ما نأخذه حاليًا أفضل مما سنأخذه بعد 50 سنة أو أكثر".

أما المدرسة الثالثة فهي لكرد سوريا الذين كانوا بين فريقين: الأول: أحزاب نشأت متأثرة أيدولوجياً بأفكار حزب البعث السوري الرافض لكامب ديفيد والسلام المصري الإسرائيلي. الثاني: أحزاب تأثرت بفلسفة عبدالله أوجلان الجديدة، وبالتالي اتبعت نهجه وطرحه".

وقال زايد أن المدرسة الرابعة والمهمة جدا بسبب طروحاتها الجديدة لحل منطقة الشرق الأوسط، هي مدرسة القائد عبدالله أوجلان المبنية على فلسفة الأمة الديمقراطية، والتعايش السلمي المشترك بين جميع المكونات بعد التخلص من الدولة القومية التي لم تأت إلا بالويلات على المنطقة وشعوبها، ومكنت من الإمبريالية الغربية ورأسماليتها الجشعة. خاصة وأن منطلقات حزب العمال الكردستاني تنطلق من عدة اعتبارات: وهي أن "العرب واليهود يشكلون جزءًا أساسيًا من ثقافة الشرق الأوسط، وإنكار هذا الواقع خسارة لكل المنطقة. ولابد أن تتخلص المنطقة من نظرية: إما أنا وإما أنت".

واوضح زايد أن هذه المدرسة ترى أن الصراع العربي الإسرائيلي جزء من توجهات الإمبريالية الغربية لديمومة اشتعال دموية الشرق الأوسط لاستمرار السيطرة عليه برأسماليتها الجشعة.

وبحسب مدرسة القائد أوجلان فإنه يجب أن يعرف العرب واليهود أنه عن طريق الدولة القومية والحداثة الرأسمالية لا يمكن أن يعيشوا الاستقرار والسلام.

و"لذلك فإن أدبيات حزب العمال الدكردستاني ترى أن اتفاقية كامب ديفيد خطوة جبارة في حينها، وخروجًا عن المألوف، وتحطيمًا لتلك الثنائيات القاتلة بنفس الوقت. حيث أدرك السادات أنه لا يمكن حل هذه القضية بالمنطق القديم المبني أساساً على الصراع والقتل، وإنما ينبغي البحث عن بدائل أخرى (وإن كانت) موجعة ومؤلمة بنفس الوقت، ولكنها البديل الناجع للخروج من دوامة الصراع الأزلي – الأبدي"، بحسب زايد. 

وأشار الباحث إلى أنه كان اختيار السادات لطريق السلام في محله وزمانه المناسبين. وهذه النقاط تسجل له؛ إذ أنه أدرك أن إحلال السلام يتطلب التنازل عن بعض الأمور وإنْ كانت مهمة في حينها، لكن المصلحة الاستراتيجية تتطلب ذلك، لأن المستقبل أهم من الماضي، ولأن السلام أهم من الحرب".
وتابع:" فكم أحوج الشرق الأوسط الآن لرئيس مثل السادات، يمتلك من الدهاء والحنكة السياسية مالا يضاهيه فيها أحد من الذين يدَّعون العروبة والتحرير. فمثلما يُقال إنَّ «لكل زمان رجالاته»، فلا مغالاة إذا وصفنا أن السادات كان ابن زمانه والمكان".

وأوضح أنه من هنا جاء حل السيد عبدالله أوجلان للصراع العربي الإسرائيلي وحل القضية الفلسطينية/الاسرائيلية وفق فلسفة "الأمة الديمقراطية" على أساس بناء كيان فيدرالي فلسطيني/إسرائيلي ضمن دولة واحدة ينعم فيها الجميع بالسلام، بعيداً عن عقلية ومنطق الثأر القبلي والعشائري المتسلط على ذهنية المنطقة منذ آلاف السنين. والأمر نفسه بالنسبة لسوريا ولبنان يمكن الاستفادة من هذه الفلسفة للوصول إلى حالة الاستقرار والبناء.

كما تحدث زايد عن بعض نقاط النقد لكامب ديفيد كما جاء لدى الكرد، لكن بإجمالها تعد الإجابيات أكثر بكثير جدا للمنطقة من السلبيات الداخلية أحيانا والشكلة أحيانا أخرى.