لا تزال الدعوة التاريخية التي أطلقها القائد آبو، تلقى صدى واسعاً في تركيا وكردستان وكذلك على الساحة الدولية، وبدورها، تحدثت وكالة فرات للأنباء (ANF) بشأن أهمية الدعوة التاريخية للقائد آبو، مع نيلز أندرسون، أحد أبرز المفكرين والمنظرين والمحررين والكتّاب الفرنسيين الذين يعرفون القائد آبو عن كثب.
الدعوة التاريخية
أوضح المنظر الفرنسي نيلز أندرسون أن بيان القائد آبو هو بيان تاريخي، مضيفاً: "هذه الدعوة مرتبطة بالمنطقة والتاريخ والشعب الكردي على حد سواء، وعلاوة على ذلك، فإن هذه الدعوة تتماشى مع ما يتطرق إليه أوجلان في كتبه، حيث إن أفكار أوجلان تعتمد على حقب مختلفة وحاسمة للغاية في القرنين العشرين والحادي والعشرين، ظهر حزب العمال الكردستاني، الذي كان أوجلان قائده ومؤسسه، في عام 1978، خلال عملية إنهاء الاستعمار، وبعبارة أخرى، فإن عملية ظهور حزب العمال الكردستاني كانت متماشية تماماً مع التدفق التاريخي لتلك الفترة".
'أوجلان لا يواجه التاريخ، بل يكتب التاريخ'
ونوّه نيلز أندرسون إلى إعلان وقف إطلاق النار في عام 2013، وأردف قائلاً: "أعتقد أنه في البحث عن التوصل إلى حل في عام 2013 واليوم، لا يواجه أوجلان التاريخ في كل مرة، بل على العكس من ذلك، فهو يكتب التاريخ؛ إنه يكتب تاريخ الشعب الكردي، وهذا بالضبط ما يحدث اليوم.
هناك مشكلة مع الدولة التركية، وهناك مشاكل خلقها أردوغان، هناك تطورات تجري في المنطقة وفي سوريا بالتزامن مع الغموض الذي يكتنفها، ويبحث أوجلان أيضاً عن إجابات لجميع الأسئلة ويريد خلق أرضية، وهذه الدعوة تتوافق تماماً مع الموقف الأيديولوجي لأوجلان، فاليوم يتم إنشاء عالم جديد".
الدعوة هي جزء من النموذج
وأشار نيلز أندرسون إلى أن الديمقراطية تعني سلطة الشعب، وأضاف قائلاً: "ما يبحث عنه أوجلان وجميعنا اليوم هو الديمقراطية، أي المجتمع الديمقراطي، يمكن للديمقراطية أن تأخذ أشكالاً عديدة، لكن، ليست كلها ديمقراطية، لكن الديمقراطية تعني إعطاء السلطة للشعب، وهذا ما يحدث في روج آفا بالضبط، وهذا أيضاً نهج ساري للشعب الكردي في تركيا وهذا أيضاً هو مشروع أوجلان، أولاً وقبل كل شيء، يريد أوجلان توسيع نطاق الديمقراطية التي سيتم بناؤها للشعب الكردي في تركيا، كما هو الحال في روج آفا، وجمع الشعوب الأخرى معاً، لأن الديمقراطية لا تتعلق فقط بالأمور الداخلية، بل في الوقت نفسه، تتعلق بالعلاقات مع الآخرين، وأعتقد أن أوجلان يريد أيضاً بناء هذا المسار، وربما يكون ذلك عملية طويلة الأمد ومعقدة للغاية، وهكذا أقيّم دعوة أوجلان، ويتعين على الشعوب إعلاء صوتها من جديد، فإن أول ما يجب القيام به هو إنهاء العنف العسكري والإرهاب السياسي في تركيا، وإذا لم يقدم كل من أردوغان وتركيا على اتخاذ أي خطوات، فإن هذا الوضع يعرض الطريق إلى الديمقراطية للخطر، ففي السابق، كانت هناك عملية ووقف لإطلاق النار، في عام 2013، وإلا أنه تم انتهاكها من قبل أردوغان وتركيا، ولا نعرف بالضبط ما إذا كان أردوغان سيستجيب لهذه الدعوة أم لا، وبناءً على ذلك، يتعين على الدولة اتخاذ خطوات لكي تنجح العملية".
’حزب العمال الكردستاني أبعد من أن يكون مجرد تنظيم مسلح‘
ذكر نيلز أندرسون أن تاريخ النضال السياسي مستمر، وتابع قائلاً: "تبقى الهوية الكردية وكينونة حزب العمال الكردستاني قضية أيديولوجية وسياسية مستمرة، بالطبع، للكرد حقوق ديمقراطية وحقوق سياسية وحقوق ثقافية ويجب إبداء الاحترام تجاهها، وإلا إذا لم يحصل ذلك، فلا يمكن أن تترسخ الديمقراطية، فالديمقراطية تعني في الوقت نفسه الاعتراف بحقوق الكرد بشكل دستوري مناسب، هذه عملية تفاوضية، ولكن إذا لم يتم الاستجابة لهذه الدعوة، فسيكون هناك طريق مسدود مجدداً.
ربما يتم اليوم خوض النقاش في إلقاء السلاح لحزب العمال الكردستاني، إلا أن حزب العمال الكردستاني وقياداتها البارزة لديهم رؤية، لأن عمل ومؤلفات أوجلان وأفكاره حول التعايش بين الشعوب لا يمكن أن تكون ممكنة إلا من خلال نظام تعمل فيه القواعد الديمقراطية.
إن حزب العمال الكردستاني ليس مجرد تنظيم مسلح، بل يمثل في الوقت نفسه القضية الكردية، لذلك، فإن الأمر لا يتعلق فقط بإلقاء السلاح، بل يجب أن يستمر هذا النضال الآن في المجالين السياسي والدبلوماسي، لأننا نتحدث هنا عن دبلوماسية التفاوض، فـ أوجلان لا يسعى لتغيير حزب العمال الكردستاني فحسب، بل يريد تغيير القوة التي مواجهته أيضاً.
’أوجلان يريد أيضاً تغيير النظام وتحوّيله‘
إذا لم يتجه النظام نحو التغيير، فلا يمكن أن تترسخ الديمقراطية، وينبغي للمرء أن يكررها مرة أخرى، إن ملاحظة أوجلان مهمة للغاية، ودعوة أوجلان هي خطوة شجاعة، ليس فقط للمنطقة، بل للعالم بأسره الذي يشهد حالة غير مستقرة للغاية في الوقت الحالي، وهذه ليست مشكلة إقليمية فقط، فنحن أيضاً في الوقت نفسه، نمر في فترة أزمة عالمية.
لذلك، من الأهمية بمكان الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الشعوب على المستوى الحيوي، وهذا هو جوهر الدعوة بالتحديد، غير أنه لا يكفي مجرد التمسك بالمبادئ، بل لا بد من الاستجابة لها بقرارات ملموسة على أرض الواقع، ومن المهم اتخاذ القرارات الملموسة بين الأطراف، الأمر الذي من شأنه أن يضمن ديمومة هذه الدعوة، حيث تكمن أهمية دعوة أوجلان ومستقبلها هنا بالتحديد، فهذا حدث كبير للغاية، وأود أن أؤكد مرة أخرى على أنه لا يكفي مجرد كتابة التاريخ؛ نحن بحاجة إلى جعل هذا المشروع ملموساً أثناء كتابة التاريخ.
إن وجود حزب العمال الكردستاني على قائمة الإرهاب هو اتهام غير لائق تجاه الحركة الكردية، في الحقيقة، من يتصف بالإرهاب هو تركيا، فالذي يمارس الإرهاب ضد الشعب الكردي هي الدولة التركية بذاتها".
’ينبغي إشراك أوجلان في المفاوضات بطريقة حرة‘
وقال نيلز أندرسون في ختام حديثه: "إذا كنتم صادقين حقاً، لا يمكنكم التفاوض مع شخص محتجز في السجن، ينبغي إشراك أوجلان في عملية التفاوض بطريقة حرة، وهذا أمر ضروري لنجاح العملية، ويجب إطلاق سراح أوجلان، فهذه ضرورة ديمقراطية إذا كان الهدف حقاً هو عملية صادقة".