لم تنم كرزيرو أحد عشر يوماً

لم تنم كرزيرو أحد عشر يوماً

خبات عباس

خاص

كركي لكي- أحد عشر يوماً كانت فيها قرية كرزيرو حدث الساعة في غرب كردستان، ودامت حالة الترقب منذ إعلان الحصار إلى يوم التحرير التام، كمحطة تستوقف كل متابع لمسيرة الخلاص من الاستبداد بنار الثورة التي تنتقل من مكان إلى آخر.

وبعد دعوة أهالي القرية لوحدات حماية الشعب YPG لتخليصهم من تواجد قوات النظام البعثي القريبة منهم والذي شكل خطراً حقيقياً عليهم بالإضافة إلى تعاملهم السيئ مع أهالي القرى المجاورة لها. وفي التاسع من شهر كانون الثاني لعام 2013 أُيقظت كرزيرو من غفلتها وسباتها في ظلمة الشتاء نائية ببيوتها الطينية المتراصة متضامنة مع نار الثورة التي قلبت الموازين وحركت الحجر في القرية قبل البشر.

يقال أن تدارك إحداثيات الأمور تتم بعد فترة من الحدث لذا زرنا كر زيرو المنتشية بفرحة النصر وهي تستقبل وتودع المهنئين من القرى المجاورة فهي لم تعد كما كانت وإنما هي الآن وبعد 13 يوماً من النضال، محررة من بقايا قوات النظام البعثي التي مارست قمعها واستبدادها على المجتمع السوري طوال عقود.

 ولمعرفة ما حدث في كر زيرو المحررة  قابلنا من كان خلف الكواليس ليظهر ما جرى للنور، حيث قادنا شاهد الحدث بخطوات ثابتة من مكان لآخر ونظرات عينيه تستذكر الوقائع ويسرد بنهم ما جرى، وليوثق كلامه بعض الرصاصات المتساقطة هنا وهناك أو آثارها على الجدران ليؤرخ ما حدث وليكن المكان شاهداً.

تاريخ وأهمية القرية

يعود تاريخ القرية إلى 1946 حيث كانت محطة تستوقف الرعاة في ما سبق ثم تطورت وازداد عدد سكانها ليصل لأكثر من 200 منزل في القرية، وترجع تسميتها كر زيرو لكلمة زيرو "  Kurmê Zîro" وتعني حيوان العلقة حيث تواجد فيها نبع قريب تكاثرت فيه حيوانات العلقة التي استخدمت لأغراض طبية من قبل الأقدمين واستمرت التسمية إلى الحاضر، كما يسكن القرية بعض العائلات العربية بين الغالبية الكردية.

وما يميز القرية عن سواها في كوجرات أنها الأقرب لمحطة ضخ تل عدس التي تبعد عنها قرابة 800م وهي مركز اقتصادي هام جداً، فالمحطة توجد فيها 15 خزانا  لتجميع النفط الخام لشركة رميلان النفطية ومن ثم الضخ إلى المحافظات ليتم تصفية بعضها في حمص وإرسال الباقي خاماً عبر ميناء بانياس. فهي نقطة إستراتيجية هامة من الناحية الاقتصادية لذا كانت الأكثر استهدافا للطامعين بخيرات المنطقة وإدراك أهالي القرية لهذه الحقيقة شكل عاملاً للاستنجاد بوحدات حماية الشعب وتخليصهم من القوات النظامية المرابطة هناك.

القوة العسكرية للنظام وتفوق وحدات حماية الشعب

وجود الكتيبة العسكرية للنظام السوري بجانب المحطة وبالتالي القرب من كر زيرو كان مقلقاً للأهالي ولاسيما بعد الثورة لان أي نوع من القتال سيكون أهالي القرية هم الضحية فالخزانات المملوءة بالنفط لمجرد تعرضها لشرارة ستتسبب بدمار هائل ومع وجود تجربة سابقة في 1979 حيث احترق خزان واحد ولم تستطع السلطات السورية إخماد الحريق إلا بتدخل دولي آنذاك حيث أرسلت كل من تركيا والأردن سيارات الإطفاء.

وفي الشأن العسكري نرى التكتيك العسكري المتبع لوحدات حماية الشعب المتفرد عن اسلوب النظام والجيش الحر وذلك من خلال حرصهم على تجنب القتل وإطلاق الرصاص إلا إذ تم مهاجمتهم والدفاع عن النفس لعدم إراقة الدماء وبأقل الخسائر البشرية والمادية، ولمعرفتهم التامة بالخطر المحدق بالقرية. - في حال اشتعال أحد خزانات النفط الخام حيث كانت العواقب ستكون وخيمة- وهذا ما دفعهم لتحمل البرد القارص ومحاصرة الكتيبة بدلاً من الهجوم المباشر.

تكاتف و تسلح أهالي القرية

في التاسع من شهر كانون الثاني 2013 استيقظت كر زيرو على الحركة النشطة لوحدات حماية الشعب في شوارع القرية ففي اليوم الأول عند قدوم الوحدات خرج سكان كر زيرو والقرى المجاورة وحملوا السلاح إلى جانب وحدات الحماية ، حيث تحركت الحمية بين أبناء القرية وهبوا لنصرة أبناء جلدتهم على المحتلين، وانتفض الجميع بغض النظر عن انتمائهم السياسي أو الاختلافات المتواجدة  فالنضال وحّد الصف وساندوا وحدات الحماية من كر زيرو وجميع القرى المجاورة لها فتموضعت الحواجز على أكبر مساحة ممكنة، ففي كركي لكي ورميلان تمركزت الحواجز في مداخل ومخارج  المدينة وتم تطويقها، والملفت مشاركة النساء الفعّالة فيها.

النساء عسكرياً ومدنياً

إن كان التاريخ يصنع في غرب كردستان ويسطر ثورته، فالمرأة الكردية تقود النضال بريادة لم تحدث في أي ثورة في العالم فهي الآن لا تمثل نفسها وإنما ترسم خط النضال لنساء العالم اجمع فالشابات في وحدات الحماية كن في الخنادق الأولى والمواجهة، طوال مدة الحصار بعتادهن وفي الخطوط الأمامية ليقترن القول بالفعل.

أما مدنياً فلم تتوقف الأمهات في القرية بتزويد مقاتلين ومقاتلات وحدات حماية الشعب  بالطعام وجميع المستلزمات وربما كان الدعم المعنوي له الأثر الأكبر.

الجانب الإنساني

الحالة الإنسانية التي عاشها قاطني القرية ككل كانت استثنائية بأيامها الأحد عشر مع مقاتلين وحدات حماية الشعب  حيث ستبقى في ذاكرة أبناء القرية لتقارن بها الأحداث في أحاديث أبناء القرية  "قبل تحرير كر زيرو وبعد تحريرها".

طريقة تعامل وحدات حماية الشعب مع المنشقين والأسرى، وإسلوب التعامل معهم من الناحية الإنسانية وتطبيق المواثيق الدولية في كيفية التعاطي مع الأسرى والجرحى كان محط احترام، فالوضع السوري وفق تقارير أممية أظهرت التعامل الوحشي للنظام مع معارضيه، وكذلك الجيش الحر الذي قام بالإعدامات الميدانية متجاوزين القوانين الدولية في هذا الشأن.

فالمنشقين الذين كانوا يصلون إلى مشارف القرية ليتم إحضارهم إليها، وهنا كانت المفارقة التي لاقاه الجنود حتى صرحوا بأنهم لو علموا من كرم الأخلاق والتعامل معهم لانشقوا من اليوم الأول.

حدث في كر زيرو

يُقال حدث في مثل هذا اليوم ليكون ذاك اليوم مؤرخاً لحدث جلّل فيه، وهكذا هي كر زيرو ستبقى متباهية بإحدى عشر يوماً لم تنم فيها بقيت مستيقظة وأيقظت الغافلين لأنها تحررت ومفتخرة بحريتها لأنها استحقتها بجدارة، فنار الثورة مرّ منها  وامتزج بطينها الدافئ ولتكون ابتسامات مرسومة على وجوه أهل كر زيرو القرى المجاورة ولمعة أعينهم ستكون خير مؤرخ.