تحت عنوان "لوزان: تصحيح المسارات وقضايا الاستقرار والأمن الإقليمي"، وبرعاية مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية (NRLS)، انطلقت اليوم، الخميس، أعمال المنتدى الدولي عن معاهدة لوزان في مدينة الحسكة.
وبدأت أعمال المنتدى بالوقوف دقيقة الصمت إجلالاً لأرواح الشهداء، وبعد إلقاء كلمة افتتاحية باسم الجهة الراعية NRLS، من قبل عضو الهيئة الإدارية، راكان شيخي الذي رحّب بالمشاركين، وتطرق إلى الغاية من المنتدى، ألقت الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بيريفان خالد كلمة خلال المنتدى.
وقالت بيريفان: "أيامٌ قليلة، وتمرّ مائة عام على (معاهدة لوزان) المشؤومة التي تم الاتفاق والتوقيع عليها في الـ 24 من شهرِ تموز عام 1923 في مدينة لوزان السويسرية، بين أطراف دولية وإقليمية، وبموجبها قسّمت كردستان إلى أربعة أجزاء ألحقت بكلّ من تركيا والعراق وسوريا وإيران، لتكون بذلك واحدة من أخطرِ الاتفاقات التي أبرمت على حساب شعوب المنطقة، من الكرد والعرب والسريان، ووطنه الذي عاش على أرضه منذ آلاف الأعوام".
وأضافت: "هذه المعاهدة أو الاتفاقية شكّلت حقبة مظلمة في مسيرة الشعب الكردي، وعبّرت عن مؤامرة بشعة شاركت في صياغتها دول كانت تتقاسم النفوذ والسيّطرة في القرنِ الماضي، ونسجت على مقاساتِ تلك الدول، ليكونَ الشعب الكردي الضحية الأكبر الذي كان ينتظر خيراً وقتذاك من أصدقاء أطلقوا وعوداً بالمساندةِ والدعمِ لنيلِ الحريّةِ ومفارقةِ الاستبدادِ والاضطهاد".
وفي معرض حديثها، أوضحت بيريفان خالد أن "اتفاقية لوزان" كانت ولا تزال تمثّل ضربةً موجعةً لحقِّ الشعوبِ في تقريرِ مصيرها وتوقها إلى الحريّة والعيشِ بسلام، وتابعت: "أطلقت آلات القتلِ والقمعِ في الدولِ التي اقتسمت كردستان ضدَّ كافة شعب المنطقة، حيث الاضطهاد، والاستعباد، والقتل، والاعتقال، والتشريد، وتدمير القرى والمدن، ومحاولات محو الهوية واللغة والوجود القومي، وإضعاف الانتماء، وضرب الإرادة والإرث الثقافي، وحروب إبادة جماعية كالحزام العربي والإحصاء في سوريا، الأنفال والكيماوي في العراق".
وبيّنت أن مشروع "إصلاح الأناضول" كان في الحقيقة مشروع صهر كل ما هو غير تركي في البوتقة الطورانية بشتى الوسائل، وما يجري في مناطق شمال وشمال وشرق سوريا من انتهاكات وجرائم، واستهداف المدنيين والقياديين وخاصة المرأة القيادية، والتغيير الديمغرافي وتهجير أهلها الأصليين، وبناء المستوطنات، ما هو "إلا مشروع تركي متمم لمشروع إصلاح الأناضول".
كما شددت بيريفان خالد، في كلمتها أنه وعلى الرغم من هذه الاتفاقيّة وغيرها من المؤامراتِ التي أحيكت ضدَّ الشعب الكردي، وعلى الرغم من الممارساتِ الاستبداديةِ المتواصلةِ من قبل الدولِ المحتلةِ لكردستان، فإن الشعب الكردي لم ييأس، ولم يتراجع عن مطلبِ الحريّة المقدّس، إذ استمرَّ في النضالِ والكفاح، وقالت "ما نراه اليومَ من مكتسبات وانجازات على أرضِ الواقعِ في روج آفا وشمال وشرق سوريا، أبرز دليل على هذا النضالِ والكفاح".
وأوضحت الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، أنهم يحمّلون الدول المشاركة في تلك الاتفاقية المسؤولية التاريخية والأخلاقية لضمان عدم تكرار تلك المآسي على الشعب الكردي ومساعدته لنيل حقوقه المشروعة، حيث إن مشروع الإدارة يمثل نموذجا لإرادة الشعوب لحياة ديمقراطية وفق أسس التعايش السلمي وأخوة الشعوب، "وكانت رداً على مشاريع الإبادة العرقية والثقافية والقومية منذ اتفاقية لوزان لليوم، وخير دليل على ذلك المقاومة البطولية التي أبدوها أمام أعتى تنظيم إرهابي في العالم تنظيم داعش الإرهابي".
حيث أكدت، إنَّ الهجمات التي تتعرّض لها التجربة الديمقراطية التي أنجزتها شعب ومكوّنات شمال شرق سوريا بعد التضحيات الكبيرة التي قدّمتها في سبيل ذلك، إنما تأتي من قبل أطراف وقّعوا على اتفاقية "لوزان"؛ لا سيما تركيا التي يحفل سجلها بالجرائم والانتهاكات ضدَّ الشعوب، والتي تحاول بكلِّ السبل إحباط أيّ تجربة أو طرح أي مشروع ديمقراطي يسعى إليه الشعب الكردي بمشاركةِ مع كافة المكوّنات في المنطقة.
وأضافت: "هذه الهجمات تعبّر بكلِّ وضوح عن إصرارِ تركيا على مواصلةِ عقلية "لوزان" في تعاملها مع الأوطان والشعوبِ وقضاياها العادلة، بل إنها تسعى بمختلفِ الطرق إلى تحقيقِ ما هو أكبر وأشمل وأوسع من حدودِ "لوزان"، إذ إنها تحاول استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية الزائلة، وما احتلالها لبعضِ المناطق في شمال وشمال شرقي سوريا، وتدخّلاتها العسكرية في بعضِ الدول، مثل العراق وليبيا، واستخدامها للمرتزقة ودعمها للإرهابِ والإرهابيين، إلا تأكيداً على أطماعها في التوسّع والتمدّد."
ومع اقترابِ نهاية مئوية "معاهدة لوزان"، شددت بيريفان، بالقول: "إننا نطلقَ صيحات التنديدِ والاستنكار ضدَّ أيِّ معاهدة أو اتفاقيّة أو صفقة أبرمت أو قد تبرم على حسابِ الشعوبِ وطموحاتها المشروعة نحو الحريّة والديمقراطيّة، وإننا إذ نناشد القوى الدولية وكافة المنظمات الأممية والحقوقية ومناصري حرية الشعوب لمساندة الحقوق المشروعة للكرد ورغبتهم بتحقيق السلام العادل والتعايش السلمي".
وفي ختام حديثها، طالبت الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بيريفان خالد، الشعب الكردي في كافة أجزاء كردستان وفي كافة أصقاع الأرض بتنظيماته ومؤسساته وقياداته للوقوف صفاً واحداً وتجاوز كافة الخلافات البينية لإفشال المخططات التي تحاك ضده وتنال من حقوقه، وقالت "النضالَ في سبيلِ الحريّة مطلبٌ ودربٌ لا تراجعَ عنه، وأن الإدارة الذاتية بمختلف مكوّناتها لن تسمحَ بتكرار "لوزان" جديدة أو أيِّ معاهدة أو اتفاقيّة أخرى شبيهة".
كما وشارك القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي عبر الفيديو، في المنتدى الدولي الذي انطلق، اليوم، في منتجع شتو بمدينة الحسكة، والذي اوضح إن "سياسة الإنكار التي بدأت مع معاهدة لوزان، لم تحقق أهدافها، وفشلت، اليوم في الشرق الأوسط، والكرد رقم صعب، ولديهم الفرصة ليؤكدوا على أحقية قضيتهم ووجودهم في خريطة الشرق الأوسط، في ظل ما نشهده من متغيرات سياسية وعسكرية في الشرق الأوسط والعالم".
وأضاف عبدي: "هناك مكتسبات كبيرة لدى الكرد، تحققت عبر التضحيات الكبيرة التي بذلت، الكرد اليوم في أجزاء كردستان عموماً يسعون لضمان حقوقهم المغتصبة، في شمال وشرق وجنوب وغرب كردستان".
وأشار إلى ما يجب اتباعه للحفاظ على المكتسبات: "يجب البحث عن سبل المحافظة على هذه المكتسبات، ففي شمال كردستان هناك مكتسبات يجب الحفاظ عليها ودعمها، وفي شمال كردستان هناك مساعٍ ومقاومة كبيرة تبدى في وجه محاولات الإنكار، لذا يجب دعم شعبنا في شمال كردستان، والثورة في شرق كردستان تحتاج إلى الالتفاف حولها لتمكينها من الوصول إلى أهدافها، وكذلك في روج آفا".
ولتحقيق ذلك، وللحفاظ على المكتسبات والتجاوب مع المرحلة الراهنة التي تشهدها كردستان والشرق الأوسط، دعا عبدي الشعب الكردستاني والقوى السياسية والعسكرية في الدرجة الأولى إلى مواصلة النضال والمقاومة، وتوحيد القوى والخطاب والتحرك بشكل عاجل دون أي شروط، وتقيم المرحلة بشكل دقيق، لتفادي إضاعة الفرصة المتاحة للكرد اليوم.
وأكد مظلوم عبدي أن قوات سوريا الديمقراطية، مستعدة لأي نوع من الحوار وتوحيد القوى من أجل القضية الكردية دون أي شروط، مشيراً إلى محاولاتها السابقة لتوحيد الجهود على مستوى القوى السياسية في روج آفا، عبر مبادرة قوات سوريا الديمقراطية، وقال: "حاولنا عبر مبادرتنا توحيد صفوف القوى والأطراف السياسية في المنطقة، وتمكنا من التوصل إلى خريطة طريق سياسية، لكنها توقفت ولم تستمر، ونحن مستعدون لاستئناف تلك المباحثات بين جميع الأحزاب السياسية الكردية، المرحلة هي مرحلة توحيد الجهود، ونتمنى من الأحزاب الكردية العودة إلى طاولة الحوار".
كما شارك باسم مكتب العصر الحقوقي عمر كونيش عبر فيديو، في المنتدى الدولي، وتمنى في بداية حديثه، أن يتوصل المجتمعون إلى نتائج إيجابية، وأشار إلى بعض تقييمات القائد عبد الله أوجلان حول معاهدة لوزان، وقال: "حسب السيد عبد الله أوجلان، لم يكن للشعب الكردي مكان في إطار القوانين الدولية، فكانت حقوق الفرد تُرى حسب الفئات، ولا تُرى حقوق المجتمع والمعتقدات، ما جعل الأزمة تتعقد أكثر وتبقى بلا حل. هذه النظرية التي بدأت من معاهدة لوزان قادت إلى اعتراف دولي بجمهورية تركيا وبتشكيل خريطة جديدة، حيث جعلت الشعب الأرمني والآشوري والشعب في اليونان من الأقليات ولم تعطِ للكرد أي حقوق، هذا التقرب دالّ على محو الشعب الكردي من الناحية الثقافية والاجتماعية".
وأضاف: "يجب علينا التعمق في تحليل خطط الدول الإمبريالية الغربية والسلطة التركية بشكل جيد، فتخلّف الشرق الأوسط ما بعد اتفاقية لوزان له صلة وثيقة بسياسات الدول الغربية".
وأوضح "كان للأتراك واليهود دوراً أساسياً في تأسيس الجمهورية التركية، لكن المكون المسيحي كان خارج ذلك، لذا أصبح فريسة للسلطات التركية وتعرض للإبادة".
وأردف كونيش: "مع بداية عام 1920 حقق القوميون تقدماً في ما سمّي بحرب الاستقلال، ودفعاً للتخلص من اتفاقية سيفر والعهود المقدمة للكرد وطبقوا سياسة التتريك ضدهم لطمس هويتهم. لهذه الاتفاقية العديد من البنود، إلا أنها لم تذكر أي شيء بخصوص الكرد، وتم فقط وضع بعض المواد العامة التي تؤكد على أنه سيتم حماية كل المواطنين في تركيا بغض النظر عن قوميتهم وثقافتهم أو جنسيتهم".
حيث تطرق إلى الروح المجتمعية التي كان تتحلى بها الشعوب قبل معاهدة لوزان، وقال: "خلال أعوام 1919 ـ 1922، كانت هناك روح تشاركية بين المجتمعات والمكونات، فمعاهدة أماسيا ومؤتمر أرزاروم وسيواس يبرهنون ذلك، كان هناك شكل ديمقراطي وكل مكون كان يتمتع بديمقراطيته ويحل قضاياه، حسب معاييره". وبيّن أن اتفاقية لوزان كانت آخر اتفاقية لتقسيم كردستان "فهم قاموا بتصفية كل من انتفض ضد بنود هذه المعاهدة وإبادتهم".
وأوضح أن الجمهورية التركية أديرت عبر الانقلابات العسكرية والإجراءات التعسفية، والآن يلعب حزب العدالة والتنمية هذا الدور ويحاول تصفية الكرد بشكل كامل".
على صعيد آخر، أفاد عمر كونيش قائلاً: "أنا أدعم الشعوب وممثلي الحرية وأدعو للحرية ولست تابعاً لأحد. سنقضي على لوزان ونبني معاهدة ديمقراطية تقوم على التشاركية وشعوب شرق الأوسط تؤمن بها، ونحيي الأخوّة بين الكرد والترك. نحن ضد الخلافات".
واختتم حديثه مؤكداً على أن معاهدة لوزان كانت معاهدة دولية ولم تشمل الشعوب وتم تأسيس الجمهورية التركية على إثرها، ولكن نحن الآن بحاجة إلى ديمقراطية وإبرام معاهدة اجتماعية، وبها ستُحلّ كافة الأزمات العالقة وتحُلّ الديمقراطية على المجتمع عامة. حالياً هناك بنية لها، ولكنها بحاجة لعمل دؤوب ويجب على الكرد أن يستعدوا لها بشكل جيد".
وعرض مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية (NRLS) مجموعة صور فوتوغرافية توثق معاناة الشعب الكردي بعد معاهدة لوزان التي أبرمت في تموز عام 1923، والجرائم التي ارتكبت بحقه، وما شهدته المناطق بعد المعاهدة.
وضم المعرض 52 صورة وخرائط توضح المناطق الكردستانية التي استهدفت في معاهدة لوزان، وصور وثقت ارتكاب المجازر بحق الشعب الكردي وقادتهم، وأخرى للجرائم التي لا تزال مستمرة بحق الشعب الكردستاني في كردستان، إلى جانب الانتفاضات والثورات التي شهدتها كردستان منذ ذاك التاريخ، ومقاومة شعوبها، وأخرى للمناضلين في وجه أعداء الشعب الكردستاني وفي مقدمتهم دولة الاحتلال التركي.
ويستمر المنتدى الدولي، في أعماله بانعقاد الجلسة الأولى من المنتدى، تحت عنوان "الوضع السياسي في المنطقة قبل معاهدة لوزان".