تحدث المحامي السويسري أورس ماتسنجر البالغ من العمر 78 عاماً، والذي قرأ مرافعات القائد عبد الله أوجلان في إطار حملة الحرية الدولية واختار أفكاره، لوكالة فرات للأنباء (ANF) عن نظام التعذيب والإبادة في إمرالي، وتأثير مرافعات أوجلان في الساحة الدولية.
وذكر أورس ماتسنجر أن القوى الرأسمالية تواصل المضي قدماً في ترسيخ مركز سيطرتها بأسلوب البانوبتيكون الذي أعده ونفذه جيريمي بنثام، وأضاف قائلاً: "هذا أسلوب للسيطرة هو في الأساس نظام للتعذيب والإبادة، وتقوم السلطة بقمع وفرض نظام التعذيب والإبادة على الأشخاص والمجتمعات التي تعتبرها خطرة وفقاً لشخصيتها، ولذلك، لا يتواجد نظام التعذيب والإبادة فقط في إمرالي، بل يُفرض نظام التعذيب والإبادة على المجتمع المقاوم أيضاً، ولا ينبغي أن يقتصر الأمر على النظر إليه فقط في تركيا، فتركيا تعمل فقط كحارس في إمرالي، والمسؤولون الرئيسيون عن ذلك هم القوى المهيمنة الإقليمية والمركزية، ومما لا شك فيه، أن السيد أوجلان هو مفكر مهم ويتولى قيادة الاشتراكية العلمية، حيث أن نظام التعذيب والإبادة يحول دون تطور العلوم الاشتراكية، أي تطور العلوم الاجتماعية، وترتبط دراسة التغيير الاجتماعي الضروري بتطور العلوم الاجتماعية، وإن إعادة بناء التنشئة الاجتماعية من جديد أمر ممكن من خلال تطور العلوم الاجتماعية، فيما يشكل نظام التعذيب والإبادة عائقاً أمام ذلك، وهذا صحيح، وبطبيعة الحال يمكن تقييمه على أنه بمثابة ضربة موجهة للعلوم الاجتماعية".
"على الكرد تبني قائدهم بشكل أكبر"
ونوّه أورس ماتسنجر إلى أن القائد عبدالله أوجلان يعيش في ظل نظام التعذيب والإبادة منذ 42 شهراً، وأردف قائلاً: "لقد بدأ هذا النظام للتعذيب والإبادة منذ لحظة فتح أبواب إمرالي، وقد تم إعداد جزيرة إمرالي لتكون آلية مراقبة وإشراف حتى قبل تسليم السيد أوجلان إلى تركيا بدعم من القوى الدولية في نيروبي، وأحياناً يقتصر الاحتجاج على إدانة نظام التعذيب والإبادة، وبرأي، يجب على الكرد تبني قائدهم بشكل أكبر، لأن هذه فرصة لهم، فأنا أعيش مع الكتب، وأعرف الكتب أكثر من مؤلفي الكتب، فقد تعرّفتُ على السيد أوجلان من خلال قراءة كتبه، كمحامي، أود زيارة أوجلان في إمرالي إذا سُمح لي بذلك، الوضع الحالي سيء جداً! وحتى محاميه أنفسهم لا يستطيعون إجراء اللقاء معه، ويجري فرض نظام تعذيب وإبادة بحيث يتجاوز تركيا وحتى اللجنة الأوروبية لمناهضة التعذيب (CPT)".
وقدم أورس ماتسنجر حول أفكار القائد عبد الله أوجلان والتطبيق العملي في غرب كردستان (روج آفا) تقييماً على النحو التالي:
"لا أعرف مدى صحة فهمي للأمر، لكن السيد عبدالله أوجلان يرى أن وجود الدولة يشكل تهديداً للمجتمع الأخلاقي والسياسي، أو ما إذا كانت هناك دولة أم لا، فالشيء الرئيسي الذي يؤكد عليه هو حدود مجتمع سياسي أخلاقي، ولا ينبغي أن يُساء فهم هذا الحد، ولا علاقة له بنظام مماثل للدولة القومية، فنضال الإنسان من أجل التنشئة الاجتماعية هو في جوهره نضال من أجل الاشتراكية، ولذلك، فإن جذور الاشتراكية قديمة قدم الإنسانية، ولقد قام السيد أوجلان بدراسة التنشئة الاجتماعية الاشتراكية من الناحية العلمية حتى جذورها الأساسية، وركز اهتمامه على منطقة كوبكلي تبه وقام بذلك الأمر، وبدأ من مكان قريب جداً من قريته، وأعتقد أن هذه ليست صدفة، حيث تُعتبر رها مركز الحضارة وكذلك مركز التنشئة الاجتماعية، وفي الوقت نفسه، فهو المركز الذي برز فيه قادة اجتماعيون مهمون للغاية وحيث بدأت فيها الخطوات الأيديولوجية، وشرع السيد أوجلان في إجراء بحث جديد في الأرض التي ذكرناها، وأراد أن يصل إلى جذوره، برأيي، السيد أوجلان لا يريد أشياءً جديدة على وجه الأرض، بل يحاول استعادة الانسجام الاجتماعي الذي فرقته الحداثة.
هز كيان النظام العالمي الجديد
إن الأمة الديمقراطية ليست جدلية صارمة ولا ضغطاً ولا أمراً يُفرص من أعلى إلى أسفل، لأنه يعتمد على معالجة السياسة محلياً، وفي وقت ما، كانت تُعقد أيضاً نقاشات حول المقاطعات والأقاليم، لا أعرف ماذا حدث لها، وكان هناك أصدقاء قاموا بترجمة رسائل السيد أوجلان، وأنا قرأتها من هناك، وأعتقد أن السيد أوجلان كان يبحث عن التصميم الديمقراطي الأكثر منهجية، في مواجهة الدولة القومية، في التنظيم المحلي للسياسة، حيث كان هناك شيئان يسببان هذا الإصرار؛ أحدهما هو الاغتراب والآخر هو الوعي بالافتقار التاريخي، فكيف يمكن لمجتمع عانى من الإبادة أن يخلق وجوده؟ ومما لا شك فيه، أن هذا الأمر خطير للغاية، فهنا توجد جبال الألب وجبال جورا وتمتد إلى النمسا، ولا توجد حركة، لأنه لا توجد أي مشكلة، لديهم ملاجئ في كل أرجاءها، هناك أماكن فقط يمكن للناس فيها حماية أنفسهم من حرب محتملة، أما في جبال كردستان، هناك أناس يقاومون في أنفاق الحرب، حيث يستخدم النظام الرأسمالي هذا المكان كبنك مركزي، كما تستخدم الدول الاستعمارية هذا المكان كساحة دبلوماسية، وتذكروا، أنه قبل مائة عام مضت، جرى تقسيم كردستان بموجب اتفاقية أُبرمت في لوزان، ولذلك، لا أعرف ما إذا كان السيد أوجلان، الذي وضع قوى الحداثة أمامه، سيتمكن من النجاح في ذلك أم لا، ولكن مع ذلك، فقد قام بالكثير من الأعمال الجادة في مجال العلوم الاجتماعية، وهز كيان النظام العالمي الجديد، ولقد فعل هذا الأمر في ظل نظام التعذيب والإبادة.
اليهود حولوا الأمر لصالحهم، فهل سيتمكن الكرد في النجاح بذلك أيضاً؟
نعم، بقد بماء منطقة ديمقراطية في روج آفا من خلال نظام المقاطعات، ولم يحصل هذا الأمر بسهولة أيضاً، وخاصة معركة كوباني، فالكرد شعب محارب، وبدلاً من الحديث عن حربية الكرد، يجب على المرء التفكير في لماذا توجه الإسلاميين المتطرفين نحو روج آفا، فكل أزمة تظهر في الشرق الأوسط، تذكرني بمؤتمر القاهرة الذي انعقد بعد الحرب العالمية الأولى، وكما تعلمون أيضاً، فقد تم اتخاذ قرار في ذلك المؤتمر لخلق رأس المال للأزمات الجديدة من أجل إبقاء القضية الكردية حية دائماً، وهذا الأمر في غاية الأهمية، بمعنى آخر، إذا اعتقد الإنسان بأن تنظيم داعش ظهر بشكل عفوي في الشرق الأوسط، فإن ذلك سيكون من الحماقة، وخاصة إذا كان قد توجه نحو إلى أراضي الكرد، فهذا يظهر مدى انزعاج الحداثة من وجود الكرد، لقد جربوا إبادة جماعية على غرار المذابح، وأجبروا الناس على المنفى، وقد عرف اليهود كيف يحولون مراحل مماثلة لصالحهم، دعونا نرى ما إذا كان الكرد أيضاً سيتمكنون من القيام بذلك أم لا؟ وهذه علامة استفهام، لكنني متفائل بعض الشيء، لأن لديهم قائد مثل السيد أوجلان، وعلى الرغم من أنه يعيش في ظل نظام التعذيب والإبادة، فإن لقاءً واحداً يمكن أن يغير كل شيء".
وفيما يتعلق بمسودة اقتراح 11 عضواً في البرلمان الفيدرالي السويسري حول نظام التعذيب والإبادة في إمرالي، قال أورس ماتسنجر: إن "الأمل والتوقع في رفع نظام التعذيب والإبادة من خلال مسودات الاقتراح أمر ميؤوس منه، لكن هذا التضامن وحسن النية للحزب الاشتراكي هو بلا شك موقف ديمقراطي، وبالطبع، لا بد من اتخاذ موقف يدفع المؤسسات الدولية إلى التحرك في مواجهة نظام التعذيب والإبادة الذي يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان، حيث أن موقف حزب الخضر والحزب الاشتراكي هو موقف مناسب وفي مكانه، كما أنهم يستفسرون عن العلاقة القائمة بين سويسرا وتركيا، وكان السيد أوجلان قد قال "تركيا تقوم بحراسة نظام التعذيب والإبادة هذا"، وهذا صحيح، فتركيا لم تتخذ قرار نظام التعذيب والإبادة؛ يجب اعتبار الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولة عن ذلك، حيث أن تركيا ليست لديها القوة الكافية لفرض نظام التعذيب والعزلة هذا، ولذلك، لا أعتقد أن البيروقراطيين ذوي النوايا الحسنة في سويسرا سوف يحصلون على نتائج، وأعتبره فقط مجرد تمرين بيروقراطي، وإذا تم القيام بمساعي من هذا القبيل، من انتقادات وضغوط بمثابة ماراثون دائم، وحتى لو لم تفضِ إلى تحقيق أي نتيجة، فسوف ينعكس ذلك على الرأي العام.
من الضروري أن يكون هناك عمل جاد على شكل اللوبيات
يعتمد هذا مرة أخرى على مهارات الكرد في المهجر، حيث يتزايد عدد سكان الكرد في أوروبا، وكما هو الحال في المجتمع اليهودي الذي انتشر على شكل أمواج في جميع أنحاء العالم على مر التاريخ، تم تهجير الكرد أيضاً من ديارهم بعد الإبادة الجماعية، ويجب أن يكون هناك عمل جاد في أوروبا على شكل اللوبيات، حيث أن الدبلوماسية الأوروبية توزع البطاقات، فإذا كان الكرد أقوياء على الصعيد الدبلوماسي، فلربما يطيحون بعملية لوزان الثانية ويلقبونها رأساً على عقب".
وبالنسبة للسؤال "كصديق للكرد، ما الذي تودون قولوه باسم التضامن؟" أجاب أورس ماتسنجر: " نعم، لا يمكن القول إنه أنا صديق كامل بالضبط للكرد، ولم أستطع أن أكون شريكاً في نضالهم، وقد لامس نضالهم التحرري مشاعري، وأثرت فيّ أفكار السيد أوجلان، وعلى وجه الخصوص، تم وضع أفكار موراي بوكشين البيئية واللاسلطوية حيز التنفيذ كأسلوب لحل مشاكل المجتمع، والتي شكلت تأثيراً كبير عليّ، الأمر صعب بعض الشيء، لكنهم يقاومون، ولا ينبغي نسيان هذا الأمر: المكاسب لا تتحقق في ساحة المعركة، بل في الساحة الدبلوماسية، فلم يكن هناك دبلوماسي يدافع عن مكاسب الكرد في لوزان، بل كانت القوة المقاتلة التي كانت تحمي الأرض الحالية لتركيا حتى لوزان هي الكرد، وتعرضوا للخداع، وبدأت الانتفاضات وما زالت مستمرة، حيث هناك انتفاضة حزب العمال الكردستاني، وهم يقاومون، إنهم يقاومون منذ 50 عاماً، في حين، أنه لا توجد طاولة دبلوماسية، لماذا؟ لأن القضية الكردية في الشرق الأوسط يجب أن تكون مستدامة، وهناك قرار من هذا القبيل، وينبغي أن يكونوا على أهبة الاستعداد للقرارات والاتفاقات الجديدة، فأنا لستُ على معرفة بمدى مهارة وموهبة الدبلوماسيين الكرد، يمكنهم تكوين اللوبيات".