صواريخ إيران تجاه إسرائيل.. تصعيد حقيقي أم استعراض محسوب؟

أثارت الضربات الصاروخية الإيرانية تجاه إسرائيل ردود فعل متباينة بشأن تأثيرها ومدى جديتها، في ظل مخاوف تتزايد من خطورة التصعيد في الشرق الأوسط الذي بلغ أوجه هذه الأيام.

وأتت الضربات الصاروخية الإيرانية بنحو 200 صاروخ عقب اغتيال إسرائيل الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله أحد أهم أذرع طهران في المنطقة وتوجيه ضربة قاسمة للحزب قضت على قادة الصف الأول تقريباً وطالت الصفوف التالية، كما تأتي بعد أسابيع من اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية على أراضي إيران.

وكان الرد ضرورة ملحة لحفظ ماء وجه النظام الإيراني باعتباره الراعي الأول لما يعرف بـ "محور المقاومة" الذي تلقى ضربات موجعة من قبل تل أبيب، في حين استقبلت الأخيرة هجوم طهران كفرصة مواتية لمزيد من التصعيد وربما استهداف إيران نفسها، ما يفتح الباب للمنطقة أمام سيناريوهات عدة تزامناً مع اقتراب الحرب الإسرائيلية على غزة من دخول عامها الثاني.

هنا أسئلة عديدة يفرضها المشهد الراهن حول ما إذا كان الأمر سينتهي عند هذا الحد في إطار ضربة مقابل ضربة، أم أن إسرائيل ستكون لها كلمة أخرى، فضلاً عن ذلك فإن تأثير الهجوم الصاروخي المحدود واقعيًاً أثار شكوكاً كبيرة حول جدية الجانب الإيراني الذي تحاوطه شكوك بأنه قد باع حلفائه وتحديداً حزب الله لتل أبيب مقابل صفقة ما لم تتكشف ملامحها بعد كما يعتقد البعض.

ضربة مقابل ضربة؟

تقول هديل عويس الباحثة السياسية المختصة بشؤون الشرق الأوسط، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن هناك رغبة إيرانية أن يبقى الأمر في إطار ضربة مقابل ضربة وأيضاً في إطار حفظ ماء الوجه بعد الضربات الإسرائيلية المؤثرة التي تلقاها المحوار الإيراني، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لن يكون هذا هو خياره، وفقاً لها.

وأكدت أن نتنياهو ينتظر ضربات من هذا النوع ليصعد أكثر، وقد ظهر ذلك في غزة وكذلك ضد المليشيات وضد حزب الله في لبنان، وربما يكون هناك تصعيد إسرائيلي داخل إيران، وبالتالي لا يتصور أن يبقى الأمر في إطار ضربة مقابل ضربة.

وتشير هديل عويس إلى أن التصريحات الإيرانية خلال الفترة الماضية وكذلك الردود المترددة منها تجاه مقتل حسن نصر الله تشير إلى أن طهران تريد خفض التصعيد، لكن نتنياهو في المقابل سيستخدم الضربات الصاروخية الإيرانية لمزيد من التصعيد، وطلب مزيد من الدعم من الولايات المتحدة والتوغل أكثر برياً داخل لبنان.

هذا هو موقف أمريكا

عقب الضربات الإيرانية الصاروخية تواترت التصريحات الأمريكية وتعددت إلا أنها اتفقت جميعها على إدانة تلك الضربات، مؤكدة أنها ستدافع عن إسرائيل وكذلك عن "شركائها في المنطقة"، فيما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن مدمراتها في شرق البحر الأبيض المتوسط أطلقت عشرات الصواريخ لاعتراض الصواريخ الإيرانية.

ولطالما حذرت واشنطن طهران من مغبة التصعيد، خصوصاً وأنها تعتبر أن تحركات تل أبيب سواء في غزة أو جنوب لبنان نوعاً من الدفاع عن النفس ولحماية أمنها، كما حذرت مراراً من أنها ستساهم في التصدي لأي هجمات ينفذها وكلاء إيران في الشرق الأوسط، رغم توارد الأحاديث كذلك عن أن الإدارة الأمريكية لديها تحفظات على قرارات نتنياهو.

تقول مرح البقاعي رئيس تحرير موقع "البيت الأبيض بالعربية" إن واشنطن كان موقفها واضحاً بأنها ستدعم إسرائيل في الدفاع عن نفسها وستشاركها في ذلك، مشيرة إلى أنه بالفعل قامت عدة مضادات للصواريخ في قاعدة كونيكو بسوريا التي يتواجد بها الأمريكيون بالتصدي للصواريخ الإيرانية لمنعها من الوصول إلى الأراضي الإسرائيلية.

وأضافت، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن الولايات المتحدة ستستمر في دعم تل أبيب، كون الأخيرة شريكاً استراتيجياً لها، وكونها تقع الآن في قلب الحرب، ويبدو أن طهران أعلنت الحرب رسمياً ضد الجانب الإسرائيلي، لافتة كذلك إلى أن المرشحة للانتخابات الرئاسية الأمريكية كامالا هاريس هي الأخرى أعلنت دعمها حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

أمر متفق عليه؟

وقد أطلقت إيران نحو 200 صاروخ، إلا أنها لم تسفر عن شيء يذكر من حيث الأضرار، وربما مع الوقت قد يكشف أن طهران تكون أوصلت إلى تل أبيب موعد ضربتها كما حدث من قبل، وعلى نحو أعاد إلى الأذهان هجوم المسيرات الإيرانية السابق باتجاه الأراضي الإسرائيلية الذي لم يسفر عنه خسائر تذكر.

وأثارت هذا الأمر ردود أفعال متناقضة من قبل الرأي العام في المنطقة، على نحو يمكن قياسه من خلال الآراء المتداولة عبر منصات التواصل الاجتماعي أو خلال البرامج التليفزيونية التحليلية، حيث انقسمت وجهات النظر بين فريقين، الأول يرى أن تلك الضربات مجرد "تمثيلية متفق عليها"، والفريق الثاني يرى أنها رد جاد جاء انتقاماً لاغتيال إسماعيل هنية ثم حسن نصر الله.

في هذا السياق، يقول الناشط السياسي التونسي أنيس الهمامي، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن تلك الضربات أتت في إطار لملمة إيران لفضيحة اغتيال إسماعيل هنية على أراضيها ثم "الصيد الثمين" حسن نصر الله وتصفية عدد من قيادات الصف الأول لحزب الله الذي ليس مجرد حليف لطهران، وإنما ربيبها ويشرف على تنفيذ السياسات التوسعية الإيرانية في الوطن العربي، وفقاً له.

ويضيف الهمامي أننا تابعنا عملية القصف الإيراني ولم تصب إلا عدد من المواقع غير ذات أهمية بعد تحييد مسارات الصواريخ والتصدي لها وكانت نتائجها بسيطة وغير مؤثرة، معتبراً أنها أتت فقط من باب استمرار النظام الإيراني في الإيحاء أنه مقاوم ضد الإمبريالية والصهيونية لتغييب المواطن العربي وجذب مزيد من المغرر بهم والمضي قدما في تفتيت الوطن العربي، وفقاً له.

ويشدد الناشط السياسي التونسي على أن لطهران مشروعها ولتل أبيب هي الأخرى مشروعها، مؤكداً أن المشروعين توسعيين استعماريين ويتبادلان الأدوار وبينهما علاقة تخادم، كما شدد على أن الهجوم الصاروخي الإيراني غير ذي تأثير ويأتي من باب ذر الرماد في العيون ولعبة قضم الأصابع بين الكيانين، وفقاً له.

وتشير تقارير عدة إلى توقعات بشأن إقدام إسرائيل على ضربات موجعة ستطال العمق الإيراني، وربما استهداف بعض المواقع النووية، كما أن الضربات الإسرائيلية قد تتوسع أكثر باتجاه جماعة الحوثيين في اليمن، وكذلك بعض المليشيات في سوريا، وكذلك الفصائل المسلحة الموالية لطهران داخل الأراضي العراقية.