وجاء العقد الاجتماعي ليعبر عن مرحلة ما بعد القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي، وقد صيغ رغم ما تفرضه تركيا من تحديات على تلك المنطقة ليؤسس لمرحلة جديدة متعلقة بالمؤسسات والهياكل الإدارية التي تدير تلك المناطق ويمهد كذلك لانتخابات محلية، وكل ذلك بالتوافق بين كافة المكونات من كرد وعرب ومسلمين ومسيحيين وإيزيديين وسريان وكلدان وآشوريين.
إصدار العقد الاجتماعي والتحديات الإقليمية
في هذا السياق، تقول ليلى موسى ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية في مصر "مسد" إنه مما لا شك فيه أن كتابة عقد اجتماعي جديد في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها الساحة الدولية والإقليمية، وهذه المستجدات كانت على حساب تأجيل البت في حلحلة الأزمة السورية وتراجع الاهتمام بها ضمن سلم أولويات المجتمع الدولي.
وأضافت، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أنها تأتي في وقت إلى الآن لا يوجد توافق بشأن استئناف اجتماعات انعقاد اللجنة الدستورية، وبالتالي أن يكون هناك عقداً اجتماعياً يكلل بجهود وإرادة أبناء السوريين دون أي تدخل خارجي ودون أي وصية ومن الداخل السوري، فهذا بحد ذاته أكبر إنجاز من الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا.
وأكدت ليلى موسى أن صدور هذا العقد الاجتماعي يؤكد أن السوريين لديهم من الإرادة والعزيمة والإصرار أين يصيغوا عقدهم الاجتماعي بإرادتهم المنفردة والتوافق فيما بينهم لإدارة مناطقهم بعيداً عن أي إملاءات أو تدخلات خارجية، مؤكدة كذلك أن هذا العقد يمكن أن يكون نموذجاً لسوريا المستقبل وتعميمه على باقي مناطق سوريا.
وأعربت ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية في مصر عن اعتقادها بأن ما ذكرته هي النقطة الجوهرية التي يستمد منها العقد الاجتماعي قوته في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها سوريا والمنطقة، معربة عن أملها كذلك أن يكون العقد بداية الخطوة الأولى على درب توافقات ليس بين أبناء شمال وشرق سوريا فقط، بل كافة السوريين، وأن يكون الجسر الذي يمد بنبذ حالة التشرذم الموجودة والوصول بسوريا إلى بر الأمان.
خطوة مهمة ولها دلالاتها
بدوره، يقول هاني الجمل الباحث السياسي المصري، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن إعلان الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا للعقد الاجتماعي هو خطوة مهمة لبسط نفوذها على هذه البقعة الجغرافية التي جاهدت من أجل الدفاع عنها، في مواجهة النظام السوري ثم الجماعات الإرهابية وخصوصاً تنظيم داعش الإرهابي الذي جاهدت ضده للحفاظ على التراث الإنساني لهذه المنطقة.
وأضاف "الجمل" أن تغيير اسم الإدارة الذاتية لتحمل مسمى الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا يؤكد أن هذا الأمر توجه موحد في المدن السبعة الخاضعة لتلك الإدارة بمعزل عن دمشق، لكن الإدارة أكدت أنها لن تكون في حالة انفصال تام عن الجمهورية السورية، ولكنها تؤسس لنظام فيدرالي أو كونفيدرالي كما يتم التوافق عليه.
واعتبر الباحث السياسي المصري أن الإدارة الذاتية في هذا السياق ربما استقت تجربة العراق أو تجربة الفيدرالية في سويسرا، وهي دائماً تلتفت إلى التجارب الدولية والأنظمة السياسية الديمقراطية التي تؤكد وجود دستور محلي منظم للحياة، في إطار اتفاق ضمني بين أفراد المجتمع متعلق بهيكلة الإدارة الذاتية وصلاحياتها.
وأشاد "الجمل" بتأسيس مجلس أعلى للجامعات بعد تأسيس 3 جامعات في هذه المنطقة، ما يؤكد اهتمامه بالحياة التعليمية، كما تم استحداث مؤسسات مثل مؤسسات الرقابة العامة التي تراقب القوانين والحياة السياسية في هذه المنطقة بصفة عامة، مشيراً كذلك إلى أهمية تشكيل مجلس شعوب لشمال وشرق سوريا لتنظيم التعامل بين المناطق مثل دير الزور والرقة وغيرها.
وأشار إلى أنه من الواضح أنه كانت هناك مراجعة للأنظمة الدستورية المختلفة حتى يخرج العقد الاجتماعي بهذا الشكل المفصل والمتقن، وقد اعتمد في ذلك على 3 نقاط رئيسية أولها المبادئ العالمية للحقوق والحريات والواجبات، والاستفادة من التجارب الديمقراطية الأكثر عدلاً القائمة على المساواة، وثالث النقاط عدم تقليد أي تجربة أخرى وإنما تجربة فريدة يتم تنفيذها على أرض الواقع.
تكريم المرأة
وفي ختام تصريحاته، سلط هاني الجمل الضوء على الاهتمام بالمرأة في هذا العقد، لافتاً إلى أن المرأة لدى الكرد بصفة عامة لها موقع خاص جداً، وتأكيد العقد الاجتماعي على تقاسم السلطة وصناعة القرار، وبالتالي وجود نسبة 50% للمرأة في مجلس الشعوب وكافة المؤسسات وهياكل الإدارة الذاتية هو نوع من التكريم للمرأة الكردية التي واجهت بنفسها العمليات الإرهابية، ودعمت الرجال في جهادهم ضد النظام السوري أو غيرها من القوى التي حاولت احتلال المنطقة.
وأشار إلى أن كثيراً من بنود العقد الاجتماعي أكدت على حقوق المرأة وحمايتها وصونها والمساواة بين الجنسين وأنها تتمع بكامل إرادتها الحرة في العائلة الديمقراطية، على نحو يؤسس لنموذج جديد في هذه المنطقة، وهذا الأمر يأتي نتاجاً لأفكار القائد عبدالله أوجلان وتأكيده على دعم مكانة وحقوق المرأة واحترامها وأنها شريكاً حقيقياً في صناعة القرار وتشكيل الحياة السياسية.