حذر وتفاؤل.. الشرق الأوسط وقضاياه في ميزان ترامب بعد التنصيب
نُصب دونالد ترامب رسمياً، فجر اليوم الأثنين، رئيساً للولايات المتحدة، ومعه يترقب الشرق الأوسط ما سيقدم عليه بين تفاؤل وحذر، لا سيما وأن ولايته الأولى لا تزال حاضرة في الأذهان.
نُصب دونالد ترامب رسمياً، فجر اليوم الأثنين، رئيساً للولايات المتحدة، ومعه يترقب الشرق الأوسط ما سيقدم عليه بين تفاؤل وحذر، لا سيما وأن ولايته الأولى لا تزال حاضرة في الأذهان.
يأتي تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة والشرق الأوسط قد تبدلت وتغيرت فيه كثيراً من أوجهه، مقارنة بما كان عليه الوضع خلال الولاية الأولى في الفترة من 2016 وحتى 2020؛ فإيران وأذرعها انحسر نفوذهم بشكل كبير، وسقط نظام بشار الأسد في سوريا، وخرجت روسيا تقريباً من المنطقة.
كما أن غزة شبه دمرت بالكامل ومعها حركة حماس، والقضية الكردية أصبحت ذات مكانة ملحة في أجندة إشكاليات المنطقة، وأصبحت الأنظار متجهة إليها عقب وقف إطلاق النار في غزة، لا سيما مع تربص الاحتلال التركي الذي حاول تحقيق أقصى استفادة خلال الفترة التي سبقت تنصيب ترامب، عبر مزيد من الهجمات على مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، أبرزها المساعي عبر مرتزقته للسيطرة على منطقة سد تشرين.
وتفرض الولاية الثانية للرئيس الجمهوري العديد من التساؤلات، حول موقفه من ممارسات تركيا ونفوذها في سوريا، وكذلك طبيعة العلاقات العربية – الإسرائيلية، وأيضاً التعاطي مع إيران التي يبدو أنها قررت التراجع مجبرة خطوات للوراء، إذا أخذ كذلك في الاعتبار الطبيعة التي تعامل بها ترامب مع طهران خلال ولايته الأولى.
القضية الكردية
لم تكن إدارة دونالد ترامب خلال ولايته الأولى حاسمة بدرجة كبيرة ضد الرئيس التركي أردوغان، بل تغاضى – إن لم يكن سمح له – بتدخلات كبيرة في شمال وشرق سوريا، واحتلال مناطق واسعة، فضلاً عن فتح الباب أمام طوفان من المرتزقة، كما أن بايدن لم يختلف عن نظيره الجمهوري كثيراً، في ظل امتلاك أنقرة كثيراً من الأوراق تلاعب بها أنقرة.
"إدارة ترامب أفضل من بايدن للكرد"، بتلك العبار استهل الباحث السياسي المقيم بالولايات المتحدة الدكتور محمود عباس تعليقه مواقف الإدارة القادمة تجاه الكرد في شمال وشرق سوريا، مستدلاً على ذلك بعدة مؤشرات أولها أن ترامب سأل في أحد المؤتمرات عن إمكانية سحب القوات الأمريكية المتواجدة في مناطق شمال وشرق سوريا، فرد بأن هذا الأمر ضمن الاستراتيجية العسكرية التي تحددها وزارة الدفاع، ما يعني أنه لن يتخذ القرارات العسكرية كما فعل من قبل في 2016 و2018 عندما سمح لتركيا باجتياحات في سوريا.
وأضاف، في تصريح لوكالة فرات للأنباء، أن المؤشر الثاني الإيجابي أن الإدارة التي شكلها دونالد ترامب بينها شخصين أو ثلاثة لهم مواقف إيجابية وقوية تساند القضية الكردية وقوات سوريا الديمقراطية وكفاحهم ضد تنظيم داعش الإرهابي، وهؤلاء لهم مكانة واسعة وسيكون لهم دوراً كبيراً في رسم شكل علاقة الرئيس الأمريكي مع الشرق الأوسط وقوات قسد.
ويلفت عباس إلى تصريح مهم لوزير الخارجية الجديد ماركو روبيو حين تمت الموافقة على تنصيبه من قبل الكونجرس، إذ قال إن واشنطن ستحافظ على دعمها لقوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، موجهاً رسالة للإدارة الحالية في سوريا بأنه يجب أن يكون للكرد دوراً في الحكومة القادمة والمحافظة على حقوقهم ضمن سوريا الجديدة.
وأشار إلى أنه سيكون هناك حديث مع أردوغان لوقف هجماته على المناطق الكردية، منوهاً إلى أن الرئيس التركي استغل فترة ما قبل تسلم الرئيس الجديد في أمريكا، وكثف هجماته على منطقة سد تشرين وحاول السيطرة عليها، انطلاقاً من أنه يعلم أن ترامب لن يساعده كما حدث من قبل، كما أنه بات لديه خلفية معرفية كبيرة بما قدمه الكرد ضد الإرهاب، وأيضاً الحد من احتمالية عودة الدور الإيراني، وبالتالي الإدارة الجديدة ترى أن دعم "قسد" حماية للأمن القومي الأمريكي.
وأعرب عن توقعه أن يكون هناك دعماً عسكرياً وربما اقتصادياً وسياسياً للكرد في سوريا، وأن الأمريكيين سيحاولون بشكل مباشر أو غير مباشر أن يكون لشمال وشرق سوريا حكماً فيدرالياً، عبر ضغوط على تركيا أو الإدارة التابعة لهيئة تحرير الشام، أو الدول الداعمة للسلطة الجديدة في سوريا، وبالتالي الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة تحت إدارة ترامب ستكون أفضل للكرد بكثير مقارنة بإدارة بايدن.
خطاب مخيف
ويتوقف مراقبون عند خطاب تنصيب ترامب، فجر اليوم، ورغم أنه لم يتضمن إشارة واضحة إلى الوضع في الشرق الأوسط، وركز على القضايا الداخلية، لكن حديثه عن عودة الولايات المتحدة لعصرها الذهبي يثير العديد من المخاوف، لا سيما ما قد يقدم عليه من قرارات في سبيل تحقيق ذلك، سواء داخل الشرق الأوسط وخارجه.
الكاتب والمحلل السياسي السوري عبدالرحمن ربوع انتقد بشدة خطاب التنصيب، موضحاً أن ترامب كرر مواقف ليست جديدة عليه، وليست جديدة على اليمين المتطرف في الولايات المتحدة، بتأكيده أن أمريكا ستكون قوة مهيمنة أكثر مما هي عليه، ما سيحدث عادة عبر اختلاق الصراعات والحروب.
وأضاف، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء، أنه لمس التحامل من قبل ترامب على الشرق الأوسط، فترامب يتحدث عن إعادة ترتيب المنطقة، وإخضاعها عبر ترتيبات جديدة، معتبراً أن هذه الترتيبات عادة تتم عن طريق الإجبار، كأن يتفق العرب بشكل ما مع الإسرائيليين بصرف النظر عن القضية الفلسطينية، والرغبة في إخضاع العرب لإسرائيل باعتبارها منتصرة في الحرب الأخيرة، رغم ما ارتكبت من إبادة وجرائم في غزة ولبنان وسوريا.
إيران وإسرائيل
من جهته، يرى حازم العبيدي المحلل السياسي العراقي، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء، أن تغير الإدارات في الولايات المتحدة لا يعول عليه كثيراً، فهناك ثوابت استراتيجية، لكن ما من شك أن هناك مساحات محدودة للمناورة، خاصة فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، وأيضاً انعكاسات التفاعلات الامريكية الدولية عليها.
ويرى العبيدي أن ترامب سيواصل استخدام سياسة العصا ضد إيران، التي تلقت ضربات موجعة على مدار الأشهر الماضية، وخسرت نفوذها بشكل كبير، نتيجة الضربات الإسرائيلية لحزب الله اللبناني، وأيضاً ما فعلته تل أبيب ضد حركة حماس، وربما لا تبقى إلا ورقة الحوثيين، معرباً عن اعتقاده أن الأخيرة ستتراجع كذلك، وإما ستتلقى ضربات قاسية.
تحدث المحلل السياسي العراقي كذلك عن العلاقات العربية الإسرائيلية، إذ يقول إن ترامب سيضع على رأس أولوياته استكمال إبرام اتفاقات السلام الإبراهيمي، منوهاً إلى أن الأولوية الآن للتطبيع بين إسرائيل والسعودية، وهنا سيكون هناك مجالاً كبيراً لمباحثات ومناورات سياسية، بطبيعة الحال لن تقتصر على تل أبيب والرياض فقط، بل ستكون القضية الفلسطينية أبرز انعكاساتهعا، متوقعاً أن يقدم الرئيس الأمريكي قريباً مقاربة بشأن هذا الملف.
ونجح ترامب قبل نهاية ولايته الأولى في دفع عدة دول عربية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهي الإمارات والبحرين وسلطنة عمان والمغرب والسودان، وكان قاب قوسين أو أدنى من التوصل إلى تفاهم بشأن اتفاق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل؛ لولا أنه خسر الانتخابات الرئاسية، فضلاً عن خلافات تتعلق ببعض التفاهمات بين واشنطن والرياض.