"مهسا أميني جديدة".. كيف تحولت شرطة الأخلاق إلى سوط بيد النظام الإيراني؟
قبل أيام، فقدت فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً حياتها على يد شرطة الأخلاق في إيران، بزعم مخالفتها لقانون الحجاب، في واقعة تذكر بمأساة الفتاة الكردية مهسا أميني.
قبل أيام، فقدت فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً حياتها على يد شرطة الأخلاق في إيران، بزعم مخالفتها لقانون الحجاب، في واقعة تذكر بمأساة الفتاة الكردية مهسا أميني.
وتأتي واقعة وفاة الفتاة أرميتا جيراوند لتقدم دليل إضافي جديد – بحسب كثير من المراقبين – على أن تلك الشرطة تحولت إلى سوط بيد النظام الإيراني لإخافة شعبه، إذ تقوم تلك المؤسسة التي تأسست منذ اندلاع الثورة الإيرانية بأعمال عنف وحشية تجاه من تدعي أنهم يخالفون قواعد الحجاب والدين، في انتهاك واضح للحريات، وكذلك لقواعد الشرعية التي تقوم على فكرة الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.
هكذا بدأت شرطة الأخلاق
وفي هذا السياق، يقول كميل البوشوكة الناشط السياسي الأحوازي، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن شرطة الأخلاق نوع من الشرطة التي تأسست بعد ما يسمى بـ "الثورة الإسلامية" في إيران أو "كميتة الثورة الإسلامية"، ويقتصر نطاق عمل هذه الفرقة على مراقبة الالتزام بارتداء الحجاب فقط دون التدخل في أي موضوعات أخرى واستمرت هكذا حتى عام 1989.
وأضاف أنه بعد ذلك أتى الرئيس الإيراني الأسبق أكبر هاشمي رافسنجاني وأصبحت شرطة الأخلاق جزءً من الشرطة بعد أن كانت مؤسسة مستقلة وأصبحت جزءً من وظائف الشرطة بصفة عامة مراقبة الحجاب والالتزام بالدين، لكن مع قدوم الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي أي حتى عام 1997 تقريياً، أعطى قدراً من الحريات ولم تعد تتدخل هذه الشرطة في لبس السيدات، لكن من الممكن لهم مراقبة حفلات أو التدخل في أمور مثل الصداقة بين البنت والولد أو ممارسة علاقة غير مشروعة.
وقال "البوشوكة" إنه ومع قدوم الرئيس محمود أحمدي نجاد عام 2005 والذي كان على رأس أجندته عودة الالتزم بالحجاب، أعاد تأسيس ما يسمى بشرطة الأخلاق عام 2006، واستمرت في عهده وكانت شرسة للغاية فقد كان عناصرها أشبه بالوحوش، إذ أنه وبدلاً من أن تكتفي تلك الشرطة بأن تطلب من البنت ضبط الحجاب، كان يتم إيقافها والاتصال بوالدها، أما الولد فكان يتم إذلاله مثل حلاقة شعره أو صبغ أقدامه.
وتابع الناشط السياسي الأحوازي سرده لقصة شرطة الأخلاق، موضحاً أنه مع قدوم الرئيس السابق حسن روحاني، قام بضبط الأمر نسبياً ليس كما كان في فترة الرئيس الأسبق محمد خاتمي لكن حد من صلاحياتها، إلا أنه مع قدوم الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي وحكومته أطلقت لهم الصلاحيات، ليصل الأمر إلى استخدام العنف الوحشي أي الضرب والاعتقال التوحشي.
الأمر يصل إلى سقوط قتلى
ولفت "البوشوكة" إلى أنه نتيجة هذا التعامل الوحشي توفيت العام الماضي الفتاة الكردية مهسا أميني التي كانت تسافر في زيارة إلى طهران وتم قتلها، ثم قتلوا الفتاة أرميتا جيراوند وتسكن في كرمانشاه وهي من قومية اللور، إذ تنتشر هذه الشرطة بشكل كبير في العاصمة ومناطق الفرس، وهي غير موجودة كثيراً في مناطق أخرى مثل الأحواز التي لها طابعها الديني والقبلي وبالتالي الوضع يختلف فيها كثيراً.
ويؤكد الناشط السياسي الأحوازي، في سياق حديثه لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن لدى هذه الشرطة درجة كبيرة من التوحش، حيث يتم القبض على الشخص وإذا قاوم يقومون بضربه والاعتداء عليه، مثلما كانوا يفعلون عقب تأسيسها في أعقاب قيام ما يسمى بالثورة الإسلامية كما ذكرت، وقد توحشوا بشكل كبير لدرجة موت البعض، مشيراً إلى أن ما نعرفه اثنين فقط قد ماتوا لكن ربما العدد يكون أكبر من ذلك.
والعام الماضي تسبب مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني في موجة احتجاجات عارمة ضد هذه السلوكيات الوحشية من قبل شرطة الأخلاق، إذ أكد المحتجون أن الفتاة قتلت نتيجة الاعتداء العنيف عليها من قبل عناصر هذه الشرطة، وذلك عكس الرواية الرسمية التي قالت إنها توفيت إثر وعكة صحية ألمت بها في أحد مراكز التوقيف التابعة لشرطة الأخلاق مع أخريات، وقد كانت واحدة من أعنف الاحتجاجات التي اتسعت وشكلت تهديداً كبيراً للنظام الحاكم.
عودة شرطة الأخلاق وسقوط الضحايا
بدوره، يقول حازم العبيدي المستشار السياسي لمركز الرافدين للعدالة وحقوق الإنسان بجنيف، في اتصال لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن مقتل الفتاة جيراوند هو نتيجة طبيعية لعودة شرطة الأخلاق التي كانت قد توقفت دورياتها بعض الشيء، إثر الاحتجاجات الشعبية التي ضربت بعض المناطق في إيران عقب مقتل الفتاة مهسا أميني إثر اعتداء عنيف من عناصر تلك الشرطة.
ويقول "العبيدي" إن الالتزام بالشريعة الإسلامية يقوم بالأساس على فكرة الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة لا بالعنف والاعتداء والقتل الذي تمارسه شرطة الأخلاق والتي تقوم بتوقيف النساء اللواتي يرون أنهن غير ملتزمات بالحجاب، وقد يتم اقتياد بعضهن إلى مراكز احتجاز، حيث أن هذه الشرطة أصبحت صولجان على رقاب الجميع في إيران بداعي الحفاظ على الدين والقيم العامة للمجتمع.
وأعرب المستشار السياسي لمركز الرافدين عن قناعته أن واقعة مقتل الفتاة جيراوند لن تكون الأخيرة بالفعل كما لم يكن مقتل مهسا أميني الواقعة الأخيرة، لأن هذه هي ثقافة النظام الإيراني الذي يرتكب الجرائم والفتل سواء في الداخل أو في الخارج، مشدداً على أن هذه الوقائع ستولد في وقت ما موجة غضب عارمة لن يستطيع النظام الإيراني وقفها وقتها.
جدير بالذكر أنه في الأشهر التي أعقبت مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني خرجت كثير من النساء دون ارتداء الحجاب في أكبر تحد لهذا النظام الديني الذي يدير البلاد منذ عام 1979، لكن المشكلة تكمن في أن بعض الإيرانيين أنفسهم يمارسون ما تقوم به شرطة الأخلاق ضد من يرون أنهن غير ملتزمات بالقواعد الصارمة للحجاب، منها مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع لرجل يقذف سيدتين غير محجبتين بعلبة لبن، وهو المشهد الذي لاقى استنكاراً كبيراً.