ففي ظل هذه الظروف الدولية الدقيقة يستغل أردوغان ومن ورائه المجتمع الدولي حالة الاستقطاب السياسي الذي يشهدها العالم جراء الحرب الروسية الاوكرانية من اجل تحقيق اهدافه بالقضاء علي الكرد سواء في الشمال السوري او في العراق ويذكرنا هذا بما قامت به تركيا في بداية تسعينيات القرن المنصرم و حالة الاستقطاب السياسي التي خلفتها الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي وانهيار الاتحاد السوفياتي في الانقضاض علي الكرد سواء في داخل التركي ومحاولة تتريكهم وطمس هويتهم او مطاردة المناضلين الكرد واستهدافهم بدم بارد حتي مع هروبهم لبلاد العالم المختلفة.
استغلت تركيا حالة الوهن التي انتابت الحكومة السورية ويشاطرها في هذا الحكومة العراقية من اجل شن المئات من الهجمات الوحشية ضد الكرد في مواضع عدة من اجل القضاء عليهم واجبارهم علي وضع غير انساني سواء في سوريا او العراق وذلك من اجل الحيلولة دون حصولهم علي وطن قومي لهم او حتي حكم ذاتي يليق بثقافتهم وتراثهم الإنساني وثرواتهم الطبيعية محط اطماع تركيا وحليفتها اللدود إيران والتي تلتزم الصمت امام الهجمات التركية في الاراضي العراقية مادامت تستهدف الكرد فقط وجاءت هذه الضربات الغاشمة بعد أن قالت تركيا إن كل المنشآت العسكرية الكردية في سوريا والعراق ستكون أهدافا عسكرية مشروعة ودمرت القوات الجوية التركية وفق بياناتها 58 هدفا لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
بيد ان هناك عدة تقارير من منظمات دولية قد رصدت الانتهاكات التركية ضد الكرد في العراق
فقد ذكرت جماعات "مجموعة الأزمات الدولية" وهي منظمة تناصر السلام وتظهر بيانات مجموعة الأزمات أن النزاع في العراق أودى بحياة 1293 من مقاتلي حزب العمال الكردستاني و101 مدني بين يوليو من عام 2015 ونهاية يونيو 2023 ولا تجمع مجموعة الأزمات أعداد القتلى من سوريا وتدرج المجموعة القتلى الذين يجري التعرف على أسمائهم فحسب وتستند إلى تقارير من مجموعات حقوق الإنسان المحلية ووسائل الإعلام الصادرة باللغة التركية والمنافذ الإعلامية الكردية والإعلانات الرسمية للقوات المسلحة التركية ويخيم جو من الاستسلام للغارات التركية على السلطات في شمال العراق ونادرا ما يجري المسؤولون العراقيون تحقيقات في الهجمات ونادرا ما يحصل الضحايا على أي تعويض وقال مصدر في الحكومة الاتحادية "نحن نعرف من ينفذ هذه الهجمات... فلماذا نجري تحقيقا؟ يا له من خزي أن يكون هذا موقف العراق مما يحدث من انتهاكات على أراضيه وسيادته.
من زاوية أخرى أيا كان نتاج الاتهامات المرتبطة بحقوق الإنسان فإن الهجمات التركية تنذر بنتائج عكسية من الناحية الاستراتيجية على أنقرة من خلال إضعاف التحالف الدولي ضد الجماعات المتطرفة في المنطقة وهو ما اكده "جوناثان لورد"مدير برنامج أمن الشرق الأوسط في مركز الأمن الأمريكي الجديد، وهو مركز أبحاث يتخذ من واشنطن مقرا له إن الضربات التركية "تؤدي إلى تآكل قوات الأمن التي تتصدى لتنظيم الدولة الإسلامية" وأضاف "في العراق يمكن أن تشجع الضربات إيران والميليشيات الموالية لها على توسيع عملياتها.
أكتوبر شهر الفاشية التركية
وكأن شهر أكتوبر هو شهر تستعر فيه الهجمات التركية علي المواقع الكردية وتزيد من سكب الزيت علي النار حتي لا يندمل الجرح الكردي بغياب القائد اوجلان فقد استمرت الهجمات العدائية لدولة الإرهاب التركية بواسطة الطائرات المسيرة والحربية و المدفعية على القرى والبلدات ومنشآت الطاقة والمرافق الحيوية في مختلف مناطق شمال وشرق سوريا فهذه الهجمات والأعمال العدائية التركية التي بلغت أوجها منذ مطلع اكتوبر من العام 2023 استهدفت أكثر من 200 موقعاً ومنشأة تسببت في تكبدها خسائر مادية و عشرات الأرواح من المدنيين بينهم أطفال ونساء فقط أخرجت هذه الهجمات منشآت النفط والغاز والكهرباء والمرافق الحيوية عن الخدمة و خلقت وضع كارثياً على حياة أكثر من 5 مليون نسمة من سكان شمال وشرق سوريا هذا بجانب هجوم قوات تركيا الدموي لعدة نقاط في ديريك ورميلان ومن ضمنها أكاديمية مكافحة المخدرات التي تعمل على مدار الساعة لحماية المجتمع من تداعيات المخدرات التي يتم تصديرها عبر المسيرات خارج الحدود السورية فضلا عن مناطق مدنية بينها مشاريع زراعية في ريف الدرباسية والتي اسفرت عن استشهاد 29 عضو من قوات مكافحة المخدرات وإصابة 28 آخرين بجروح إصابات ويستغل هذا العدوان الصمت الدولي المرافق لما ترتكبها تركيا من مجازر وانشغال العالم بالحرب الفلسطينية الاسرائيلية يدفع بتركيا نحو المزيد من ارتكاب المجازر الانسانية.
لماذا تستهدف تركيا مناطق مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا؟
يبدو ان تجربة التعايش السلمي بين مكونات الشمال والشرق السوري اعادت للاذهان التركية مخاطر افكار القائد اوجلان بأن تكون هذه المنطقة الجغرافية مهد الحرية والديمقراطية المنزوعة من منطقة الشرق الاوسط والتي قد تلقي بظلالها علي الداخل التركي ولهذا فإن التصعيد الذي بدأ بتاريخ 4 أكتوبر 2023 من خلال العدوان التركي المتكرر على مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا التي يعيش فيها جميع المكونات على مبدأ التعايش المشترك كانت لؤد هذه الفكرة ومحاولة طمسها حتي لا تتعدي حدودها الجغرافية وما جاء في تقرير مستقل عن "وكالة نورث بيرس" في فترة مطلع شهر اكتوبر فقط عن استهداف القوات التركية القاسية حوالي 146 موقعا ما بين 24 موقعا للبنية التحتية و78 موقعا سكنيا 24 موقعا عسكريا و 6 مواقع لاراضي زراعية و3 مواقع صناعية ولم تسلم المدارس والمشافي من هذه الهجمات الوحشية التي استهدفتها بحوالي 209 هجمات عسكرية منها 132 بالمدفعية والاسلحة الثقيلة بجانب 21بالطيران الحربي و55 بالمسيرات التركية التي تعد من احدث واشرس الاسلحة الآنية.
الإدانة القانونية للهجمات التركية الفاشية
ان استهداف تركيا الفاشية البنية التحتية يرتقي الي جرائم حرب طبعا لنظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية وفق المادة السادسة ضمن الفقرة "ج" والتي تنص علي "ان اخضاع جماعة عمدا لاحوال معيشية يقصد بها اهلاكها الفعلي كليا او جزئيًا يعد من جرائم الابادة الجماعية" كما ان ما تقوم تركيا من ممارسات عدوانية تندرج تحت بند العمل العدواني وذلك ضمن الفقرة الخامسة من نظام روما الاساسي والمعدل بتاريخ 2010 والذي يتوافق مع قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 3314 لعام 1974 والذي اوضح ان صفة العمل العدواني "تنطبق عند قيام القوات المسلحة لدولة ما بقصف واستهداف اقليم دولة اخرى بالقنابل او استعمال دولة ما اسلحة ضد اقليم دولة اخرى وهو ما ينطبق علي الحالة التركية في استهداف مناطق الكرد في الشمال والشرق السوري فضلا عن استهداف مناطق تمركز حزب العمال الكردستاني في العراق وفي هذا السياق المتصل يعتبر القانون الدولي ان "القصف العشوائي محرم " ما دام يهدف الي تحقيق اهداف عسكرية تساهم في التهجير القسري للسكان في هذا الاقليم واستهداف مدنين لم يثبت ادانتهم أو انتمائهم لقوات عسكرية فكل ذنبهم أنهم يعيشون في مناطق قد يتواجد فيهم بعض الاشخاص الذين لهم انتماء سياسي لاترضى عنه تركيا.
جل هذه الشواهد تضع أردوغان والعديد من رجالاته محط المحاكمات الدولية ولكن للاسف المجتمع الدولي برعاية المنظمات الدولية يضيف صمتا جديدا لصمت ما يحدث مع الكرد طيلة السنوات الماضية.
إن حلفاء تركيا في حلف شمال الأطلسي وأوروبا مترددون في انتقاد أنقرة لعدة أسباب فتركيا طرف قوي في حلف شمال الأطلسي كما تبين خلال العام الماضي عندما امتنعت عن دعم مساعي السويد للانضمام إلى الحلف بعد أن اتهمت السويد بإيواء أنصار حزب العمال الكردستاني ووافقت تركيا في يوليو لكن البرلمان التركي لم يصدق بعد على الأمر كورقة ضغط من اجل حصد المكاسب.
وفي الوقت نفسه يتطلع الاتحاد الأوروبي إلى تركيا للمساعدة في الحد من أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى القارة ويمكن لتركيا أن تلعب دورا رئيسيا في أي اتفاق لإنهاء الحرب الأوكرانية وتحتفظ بعلاقات جيدة مع كل من موسكو وكييف. وعليه يعيش الكرد حالة صعبة بين الاعتداءات التركية وحالة إزدواجية المعايير الدولية تؤثر على حالة الاستقرار وجهود مكافحة الإرهاب الذي لعب الكرد دور كبير فيه سواء في سوريا أو العراق.