فيلق من 100 ألف على الأقل.. المقاتلون الأجانب قنبلة موقوتة على الأراضي السورية

تحوّلت سوريا منذ اندلاع الاضطرابات المستمرة لقرابة عقد ونصف، إلى مرتع للمقاتلين الأجانب، ويبقى هذا الملف كقنبلة موقوتة يخشاها الغرب، لكن يبدو أن حلاً ما آتٍ على يدي الجولاني.

تدفق المقاتلون الأجانب إلى سوريا من كل حدب وصوب، وانخرط العديد من هؤلاء في تنظيمات مسلحة مختلفة، سواء في صفوف جماعات مثل "داعش"، أو فصائل معارضة منها هيئة تحرير الشام، إلى عناصر أخرى قاتلت إلى جانب قوات حكومة بشار الأسد.

ولا يوجد تقدير دقيق لأعداد المقاتلين الأجانب في سوريا، لكن تقارير دولية عدة تشير إلى أنهم ينحدرون من أكثر من 110 دول، خاصة من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ثم أوروبا، وآسيا الوسطى، والقوقاز، وتشير التقديرات إلى أن أعدادهم قد تتجاوز 100 ألف مقاتل، كما يدور حديث مثير للجدل حول تجنيس بعضهم، خصوصاً أولئك المنتمين إلى هيئة تحرير الشام.

ماذا حدث؟

ما حدث أن زعيم هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع)، أعلن قبل أيام أن المقاتلين الأجانب الذين دخلوا سوريا للقتال ضد الحكومة كانوا جزءاً من الحركة التي ساهمت في سقوط بشار الأسد، مؤكداً أنه يجب الاحتفاء بهم، وفق تعبيره، متحدثاً عن تجنيسهم ودمجهم في المجتمع السوري.

لكن حديث الجولاني بدا مقتصراً على المقاتلين المنتمين إلى صفوف هيئة تحرير الشام، حيث ذكر أن عددهم يبلغ 3800 فقط، مشيراً إلى أن الإعلام يضخم ويهول من الأعداد، ومع ذلك، يرى مراقبون أن مسألة التجنيس قد لا تقتصر على هؤلاء المقاتلين فقط الذين قاتلوا في صفوف الجولاني، بل ربما تكون جزءاً من صفقة شاملة لم تُكشف تفاصيلها بعد.

صفقة ما؟

يعتقد أحمد كامل البحيري، الباحث في شؤون حركات التطرف العنيف بمركز الأهرام للدراسات السياسية، أن ملف المقاتلين الأجانب يعد جزءاً من الصفقة التي أدت إلى وصول أبي محمد الجولاني إلى السلطة في سوريا، والمساعدة في الإطاحة بنظام بشار الأسد.

وأوضح البحيري، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن سوريا تضم جيشاً من المقاتلين الأجانب قد يتجاوز عددهم 100 ألف مقاتل، سواء من الموجودين في بعض سجون شمال وشرق سوريا أو أولئك الذين هم خارجها، وأشار إلى أن عودة هؤلاء المقاتلين إلى دولهم الأصلية، خاصة الأوروبية، تشكل خطورة كبيرة، ولهذا السبب قامت العديد من تلك الدول بسحب الجنسية منهم.

ويلفت الباحث السياسي المصري إلى أن هؤلاء المقاتلين شكلوا معضلة كبيرة أمام دولهم، التي كانت تبحث عن وسيلة للتخلص منهم، فقد استقبلت بعض الدول أطفال هؤلاء المقاتلين الذين هم دون 11 سنة، حيث يمكن إعادة تأهيلهم، أما من هم أكبر من ذلك فيصعب التعامل معهم.

ويقول البحيري إنه بالتالي، عندما يلمح الجولاني إلى منح المقاتلين الأجانب الجنسية السورية، فإنه يقدم حلاً سحرياً لتلك الدول، ولهذا، لا يُستبعد أن يكون وصول الجولاني إلى السلطة جزءاً من صفقة مع تلك الدول، ويؤكد أنه سيتم تجنيسهم بالفعل، ولا يهم أحد هنا انعكاسات ذلك مستقبلاً على الدولة السورية.

وتذكر تقارير إعلامية أن المقاتلين الذين تحدث عنهم الجولاني يتمركزون في مناطق محددة شمال غربي إدلب قرب الحدود التركية، وكذلك في شمال شرقي اللاذقية، وقد خصصت لهم "هيئة تحرير الشام" مناطق معزولة وأعادت فرض رقابة مشددة عليهم، مع منع السكان المحليين والفصائل الأخرى من الاقتراب منهم.

وذكرت تقارير فرنسية أن هناك نحو 10 فرق مكونة من مقاتلين أجانب تعمل تحت إمرة القيادة العسكرية لهيئة تحرير الشام، وأهم هذه الفرق تتكون من مقاتلين من الإيغور، الذين يُطلق عليهم اسم الحزب الإسلامي في تركستان، وهم مقاتلون يحملون الجنسية الصينية، كما تضم الجماعة المعروفة باسم "تي أي بي" (TIP) على الأرجح مئات المقاتلين.

فيما تدير قوات سوريا الديمقراطية "قسد" العديد من السجون في الحسكة والرقة ودير الزور والقامشلي، وتضم عناصر تنظيم داعش وأفراد عائلاتهم، فيبلغ عددهم على الأقل نحو 12 ألف مقاتل، بينهم حوالي 2000 أجنبي من أكثر من 50 دولة، يُضاف إليهم آلاف النساء والأطفال من عائلات التنظيم، الذين يُقيمون في مخيمات مثل مخيم الهول.

قضية معقدة

يقول حازم الغبرا، المستشار السابق بوزارة الخارجية الأمريكية، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن المقاتلين الأجانب يشكلون مصدر قلق، فدورهم كان عسكرياً بحتاً، ولم يأتوا كخبرات علمية أو اقتصادية، ونحن نتحدث عن مقاتلين جاؤوا بخلفيات ودوافع مختلفة، مما يشكل صعوبة في وجود آلية واحدة للتعامل معهم.

وأضاف أن هناك إشكالية في أن هؤلاء المقاتلين ساهموا في تحرير سوريا من نظام الأسد، كما أن بعضهم لا يمكنهم العودة إلى دولهم الأصلية، خصوصاً الإيغور المنحدرين من الصين، وبالتالي، يمكن أن تقدم هيئة تحرير الشام على منح بعضهم إقامات خاصة أو شرعنة وجودهم، على أن يلعبوا دوراً إيجابياً مستقبلياً في البلاد، أما بخلاف ذلك، فسيكون الأمر خطيراً.

إشكاليات متعددة

لكن هناك إشكالية أخرى تتعلق بتجنيس هؤلاء المقاتلين، وهي أن غالبيتهم يحملون أفكاراً متطرفة، خصوصاً في بلد مثل سوريا يعتمد على التنوع، ففي وقت تقوم فيه تلك العناصر بتكفير بعض الطوائف مثل الشيعة، فإنها أيضاً تحمل أفكاراً سلبية تجاه المكون الكردي وتشكك في قيمه الدينية.

كما أن هؤلاء يرتبطون بعلاقات مع شبكات الجهاد العالمي، وعدد منهم ارتبط بتنفيذ هجمات في الخارج ومن بينها اغتيال المدرس الفرنسي سامويل باتي في سنة 2020، حيث كان منفذ العملية على علاقة مع جهاديين اثنين أجنبين كانا موجودين في سوريا.

أيضًا، تجنيس هؤلاء المقاتلين يعني أن الجولاني يعيد تكرار ما انتقدته هيئة تحرير الشام بشأن النظام السابق، فقد كشفت وسائل إعلام موالية لهيئة تحرير الشام قبل أيام أنه يجري إعادة النظر في منح نحو 800 ألف شخص من إيران والعراق الجنسية السورية، والاتجاه الأكثر يرجح إسقاطها.