اتصالات وتهنئة لـ"الجولاني" .. هل تغير الموقف المصري من إدارة تحرير الشام؟
تؤكد مصادر عديدة أن اتصالات جارية بين مصر والإدارة التابعة لهيئة تحرير الشام، بما في ذلك تهنئة الرئيس المصري للجولاني بتعيينه رئيساً انتقالياً للبلاد.
تؤكد مصادر عديدة أن اتصالات جارية بين مصر والإدارة التابعة لهيئة تحرير الشام، بما في ذلك تهنئة الرئيس المصري للجولاني بتعيينه رئيساً انتقالياً للبلاد.
ومنذ سيطرتها على مقاليد السلطة في دمشق والإطاحة بنظام بشار الأسد قبل نهاية العام الماضي، كان الموقف المصري يتسم بقدر كبير من التوجس والحذر تجاه الإدارة التابعة لهيئة تحرير الشام وقائدها أبومحمد الجولاني، لدرجة أن القاهرة تحدثت مع بعض الأطراف الإقليمية والدولية عن تلك المخاوف.
والموقف المصري من الهيئة ليس منبعه أنه كان لديه علاقات طيبة مع النظام السابق في دمشق، وإنما يعود إلى أن القاهرة خاضت حرباَ ضروساً ضد تيارات الإسلام السياسي وتحديداً جماعة الإخوان الإرهابية منذ ثورة 30 يونيو/حزيران، التي عبرت عن الغضب الشعبي تجاه حكم الإسلاميين، ثم لجوء هؤلاء إلى الإرهاب والعنف ضد الدولة ومؤسساتها.
اتصالات وعلامات استفهام
وذكرت مصادر مصرية مطلعة أن الاتصالات قائمة مع الإدارة التابعة لهيئة تحرير الشام، في إطار أنها أصبحت "سلطة الأمر الواقع" في سوريا، ومن الطبيعي في ظل تعامل المجتمع الدولي معها أن تكون هناك اتصالات، إلا أن التطور الأهم في العلاقة جاء مع تهنئة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للجولاني عقب إعلانه رئيساً انتقالياً لسوريا.
وسرعان ما صدر بيان التهنئة حتى شنت الأبواق الإعلامية التابعة لتنظيم الإخوان الدولي الإرهابي هجوماً ضد الحكومة المصرية، واتهموها بأنه "ليست صاحبة موقف"، وأنها تراجعت لأن الكل يعلم أن الحكومة السورية الحالية تتمتع بشرعية داخلية وخارجية، وهنا السؤال هل تراجعت مصر فعلاً عن مواقفها من الإدارة التابعة لهيئة تحرير الشام؟
هذه هي الرؤية المصرية
يقول الدكتور محمد صادق إسماعيل مدير المركز العربي للدراسات السياسية إن سوريا تمثل بعداً استراتيجياً للأمن القومي المصري، وكذلك للأمن القومي العربي، ومصر لديها ثوابت لا تراجع عنها جميعها ترتبط بتحقيق الاستقرار بين السوريين، ووحدة الشعب السوري وأن يكون هناك جيشاً موحداً متماسكاً.
وأضاف، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن أي اتصالات من القاهرة بدمشق الهدف منها عدم إعطاء الفرصة لأي مساس بالسيادة السورية، أو أن تتحول سوريا إلى دولة مرتهنة بأجندات بعض الدول، معرباً عن اعتقاده أن القاهرة غير معنية بهوية من يحكم سوريا بقدر أنها منشغلة بما سيقدم عليه، وباستقرارها ووحدة أراضيها، وقيادة عملية سياسية شاملة، وتحقيق التنمية.
ويلفت الخبير السياسي المصري إلى أن الأمور يجب أن تأخذ في هذا السياق؛ لا سيما وأن أي خلل في الدولة السورية يكون له انعكاسات وتداعيات على الأمن القومي العربي ككل، خاصة إذا أخدنا في الاعتبار وجود سوريا على الحدود مع إسرائيل، في ظل الاضطرابات التي تشهدها المنطقة وما تريد تل أبيب فعله بخصوص غزة بالتعاون مع الولايات المتحدة.
وحتى هذه اللحظة لم يقم أي وفد مصري بزيارة دمشق رسمياً، كما فعلت كثير من الدول العربية وأيضاً دول غربية، كما لم تستقبل القاهرة أي مسؤول بإدارة تحرير الشام لديها كما فعلت أيضاً أطراف أخرى، وإنما فقط ما جرى في السابق كان اتصالاً هاتفياً بين وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي وأسعد الشيباني نظيره في حكومة دمشق.
ولا تنسى حالة الجدل التي حدثت بين القاهرة ودمشق عندما خرج إرهابي مصري من داخل سوريا يدعى أحمد المنصور يهدد الدولة المصرية بعمل مسلح، لكن قالت تقارير عدة إن إدارة هيئة تحرير الشام ألقت القبض عليه بعد تعبير الجانب المصري عن غضبه، كما أوقفت إدارة الهيئة استقبال بعض الشخصيات المصنفة إرهابية في مصر.
أبواق الإخوان
ورداً على ما تزعمه أبواق الإخوان، يقول ماهر فرغلي الخبير المصري البارز في شؤون الحركات الإسلامية والإرهابية إنه لا يرى على الإطلاق أن هذه الاتصالات أو حتى تهنئة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لـ"الجولاني" تعبر عن أي تغير في موقف القاهرة تجاه حركات الإسلام السياسي أو تيارات مثل هيئة تحرير الشام.
وأضاف فرغلي، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن مصر تتمسك بكل اعتباراتها سواء فيما يتعلق بمعالجة الأزمة السورية، أو ما يتعلق بهيئة تحرير الشام، لكنها في الوقت ذاته عليها أن تكون موجود، وهي حين تتعامل مع الجولاني فإنها تتعامل مع الدولة السورية وليس الهيئة.
وحول ما رددته بعض الأبواق الإعلامية بشأن تراجع المسؤولين المصريين عن مواقفهم تجاه هيئة تحرير الشام، شدد خبير الحركات الإرهابية على أن الجانب المصري لن يترك الساحة السورية فارغة، ولا يمكن أن يشكل أي اتصال مع الجانب السوري تغير في موقف المصريين، مؤكداً: "التعامل هنا مع الدولة السورية".
ومسألة فتح الاتصالات ربما كانت متوقعة، في ظل قناعة الدبلوماسية المصرية بأن دول مثل سوريا لا يجب تركها ساحة فارغة؛ إذ أن ذلك كان من شأنه إتاحة الفرصة من قبل للنفوذ الإيراني، والآن يتيح ذلك الساحة فارغة للنفوذ التركي، وكأنه يتم تكرار ما حدث في العراق عندما ترك ساحة فارغة للإيرانيين بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003.