المفارقة أن العملية التي تقودها حركة حماس – المعروفة بصلاتها القوية مع إيران – تزامنت مع حديث لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يلمح خلاله إلى اقتراب الرياض وتل أبيب من تطبيع العلاقات، الأمر الذي ترى فيه طهران خطورة كبيرة، فوجود ما يشبه تحالف أمريكي – إسرائيلي – سعودي سيشكل جبهة يحسب لها ألف حساب في مواجهة الإيرانيين.
هذه هي حدود الدور الإيراني
في هذا السياق، يقول هاني سليمان المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات والخبير في الشأن الإيراني، إنه لا توجد أية أدلة دامغة وواضحة على تورط إيران ومسؤوليتها عما حدث في الداخل الفلسطيني والأعمال التي تمت ضد إسرائيل خلال الأيام الماضية، وهذا قد كان واضحاً من حديث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي قال إنه لا توجد أدلة واضحة حول تورط إيران حتى الآن.
واستدرك "سليمان"، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF) قائلاً، إن الرئيس الأمريكي جو بايدن أتى لاحقاً بعكس ما قاله "بلينكن"، إذ قال إن تحريك حاملة الطائرات الأمريكية جيرالد فورد باتجاه الشرق الأوسط يهدف إلى إثناء أي طرف ثالث من إقحام نفسه في هذه المعركة والتدخل في هذا الصراع، وعندما يتحدث "بايدن" عن طرف ثالث فهو بالتأكيد يقصد طهران.
لكن عدة تقارير غربية أشارت إلى أن كثير من الأسلحة التي بيد حماس أتت إليها من إيران، وتعليقاً على تلك التقارير يقول الباحث السياسي المصري إن الصواريخ التي تصل الحوثيين منشأها إيران، وبالتالي قد يكون مفهوم ضمناً أن تكون طهران قد أمدت حركة حماس والفصائل الفلسطينية بهذه النوعية من الصواريخ كجزء من إدارة العلاقات مع إسرائيل وعملية المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية، خاصة أن العلاقات متوترة بشكل كبير بسبب عدم رغبة تل أبيب في السماح لطهران بامتلاك قنبلة نووية.
ويشير "ٍسليمان" كذلك إلى وجود مناوشات من وقت لآخر من داخل سوريا مع إسرائيل بإطلاق صواريخ من قبل ميليشيات مفهوم ضمناً أنها تتبع إيران، وكذلك الضربات التي نفذها حزب الله اللبناني وإطلاقه بعض الرشقات الصاروخية على مزارع شبعا وبعض المناطق التي بها عسكريين إسرائيليين، ومن ثم فإن كل هذا يأتي في إطار مسار المقاومة الإيرانية وحث حزب الله على التدخل لمساعدة حماس في هذه الحرب.
ويرى "سليمان" أنه حتى لو لم تكن هناك أية أدلة واضحة ودامغة على تورط إيران في هذه العمليات، لكن في النهاية أعتقد أنه من الواضح أن طهران ليست ببعيدة سواء على مستوى التنسيق، أو المشاركة في الإمدادات وتطوير صناعات الصواريخ والأسلحة والدفاع في قطاع غزة، فهي ليست ببعيدة على أي حال من الأحوال، كما أن إيران دائماً ما تستخدم القضية الفلسطينية من أجل اختراق المجتمعات العربية مستغلة حالة التعاطف الشعبي وهذا يتضح في المفردات الإيرانية الحاضرة دائماً لدى القيادات الإيرانية والميليشيات التابعة لها.
الحرس الثوري ومرشد إيران
بدوره، يقول كميل البوشوكة الناشط والمحلل السياسي الأحوازي إنه علينا في البداية أن نتفق أن من حق الشعب الفلسطيني المقاومة وأن هذا حقه الطبيعي، ومن الطبيعي كذلك أن تحصل تلك الفصائل على دعم خارجي، مثل حماس التي تحصل على دعم من قطر لكنه في شكل أموال ومجرد رواتب ودعم لأعمال البنية التحتية لقطاع غزة وهي أموال مراقبة أمريكياً.
وأضاف، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن هناك دعم من داخل إيران، ودعم غير مباشر من قبل الميليشيات العراقية، وهو دعم من أجل التحشيد والحرب والصراع، وحماس رغم أن لديها استقلاليتها الداخلية إذا تمت مقارنتها بميليشيات حزب الله اللبناني وجماعة الحوثيين في اليمن وميليشيات العراق، لكنها تأخذ استشارات من طهران وتستعين بها للحصول على نصائح.
وقال "البوشوكة" إن إيران حين تقدم دعماً فإنها تطلب مجموعة من الشروط من حماس، بعضها يتم تطبيقها وبعضها لا، ولذلك طهران لها دور كبير في بعض الأحداث التي تجري بين حماس وإسرائيل، ومما لا شك فيه أن الإيرانيين مولوا حماس وأمدوهم بأسلحة تكتيكية وبالطائرات المسيرة وبعض الصواريخ، فالحركة لديها صواريخ صناعة إيرانية مائة بالمائة مع بعض التعديلات البسيطة التي تقوم بها الحركة حسب احتياجاتها.
وأعرب الناشط والمحلل السياسي الأحوازي عن قناعته وتأكده بأن مرشد إيران والحرس الثوري الإيراني كانوا على علم بما ستقوم به حماس حتى لو بتفاصيل محدودة، وربما الحكومة الإيرانية نفسها لم تكن تعلم، مشيراً إلى أن طهران لديها من وراء هذا الدعم أهداف كثيرة، منها أنها تريد أن تكون حدود مصر الشرقية في حالة صراع، لأنهم يعلمون أن أهم دولة عربية هي مصر، وبالتالي إشعال جميع الحدود حول مصر، ومن ثم إضعافها الذي يعني إضعاف لكل الدول العربية.
اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية
وحول الرؤية التي تربط ما الدعم الإيراني لحماس بالعلاقات بين السعودية وإسرائيل، يقول كميل البوشوكة إن الأمر ربما يكون له ارتباط كبير بأي اتفاق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، لأن هذا الاتفاق إن تم سيكون وفق شروط وهي حصول الرياض على برنامج نووي، واتفاق عسكري مع واشنطن يشبه اتفاقات كوريا الجنوبية واليابان كدول من خارج حلف شمال الأطلنطي "الناتو"، والشرط الثالت حصول الشعب الفلسطيني على حقه وفق حدود ما قبل 67، وإيران لا تريد كل ذلك.
وتابع أنه بالتالي طهران تريد تخريب أي اتفاق بين السعودية وأمريكا بشأن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ولا تريد اتفاقاً بشأن الفلسطينيين لتستمر حالة عدم الاضطراب في المنطقة، حتى تستطيع ممارسة دورها من خلال ميليشياتها، ولهذا فإن إيران بالتأكيد لها دور فيما يجري من خلال الحرس الثوري الإيراني، لا سيما نشر الفوضى وتدمير أي اتفاق سعودي أمريكي، ورأينا التصريحات الإسرائيلية التي تشير إلى تورط الجانب الإيراني.