المجتمعية الذاتية بدل الارتهان والتبعية الدولتية لحل القضايا العالقة
غياب الاتحادية المشرقية والثقافية التكاملية والتشاركية في الذهنية والممارسة والحياة والعيش المشترك، جعلنا نعاني من الأزمات والقضايا الحاصلة وحالة العقم.
غياب الاتحادية المشرقية والثقافية التكاملية والتشاركية في الذهنية والممارسة والحياة والعيش المشترك، جعلنا نعاني من الأزمات والقضايا الحاصلة وحالة العقم.
تعاني منطقتنا الشرق الأوسط من قضايا كبيرة وهامة، تم إيجادها لتوظيفها خدمة للأجندات، عندما تم التدخل الخارجي ورسم المشهد والنظام الإقليمي وفق مصالح نظام الهيمنة العالمي.
إن المتابع للسلوكيات والمقاربات والبرنامج السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية للقوى الشرق الأوسطية وخاصة الحاكمة السلطوية الدولتية، يلاحظ عمق الأزمة ومقدار التخبط وحجم التبعية الهائل، علاوة على اختلاف الأولويات بين المجتمعات والشعوب وهذه النخب الحاكمة أو الأحزاب والسلطات الحاكمة.
ونعتقد أن القراءة الدقيقة والتحليل الصائب للأحداث وسياقها التاريخي والإقليمي والدولي، إضافة لأن يكون البحث والتركيز والحلّ وفق مركزية وأولوية المجتمعات والشعوب وآلية العمل الاجتماعي المؤسسي من منظور الحل الديمقراطي، لا بد من أن تشكل أهم مرتكزات الحل الديمقراطي، إضافة إلى أهمية تحقيق التوازن الضروري في العلاقة الجدلية بين المجتمع والسلطة أو بين الشعوب والدول في أي بقعة في منطقتنا. ولكن ما نشاهده غير ذلك وعليه لا بد أن نذكر ببعض النقاط الشائكة والتفاعل السلبي مع الأمور:
1- التناول الآني واللحظي للأحداث والتفاعل معها وفق ما يريده الآخر الذي يبحث عن استغلال أزمات شعوبنا دون حلها وفقط أثارتها لتحقيق أهداف معينة. وبذلك يكون التناول منقطعاً عن التاريخ والجغرافية وكذلك السياق العالمي للأحداث.
2- الاقتصادوية في التناول والحل والنظر للأمور من المنطق الاقتصادية البحث، وكأن تدفق الحياة والإنسان والمجتمع فقط له جانب مادي دون الجانب المعنوي، مع العلم أن الحياة البشرية ومنذ وجودها لها جانبان الروحي والمادي، ولا شك هذا التناول هو إحدى المؤشرات على تأثير وتغلغل الرأسمالية في الشرق الأوسط.
3- الاحتكارية في التأثير المراد أو في المعادلات الخاصة بحدث أو منطقة أو قضية ما، وهنا تتشتت القوى وتضعف أمام التحديات، ونعتقد أن أخطر الاحتكارات هي إبعاد شعوب المنطقة عن السياقات التفاعلية مع الأحداث أو رسم ملامح محددة ومقيدة لنشاطاتها وساحات عملها وبذلك تخسر قوة المنطقة الاتحادية أهم قوى ذاتية وكامنة للتأثير.
4- قياس الربح والخسارة من منطق العقلية الأمنية والسلطوية، التي تسود عندما تكون الذهنية التشاركية ضعيفة أو مشلولة بسبب الضربات السلطويين لها من خوفهم من تحولها لإرادة مجتمعية تكون قادرة لفرض أولوياتها ومصالح المجتمعات والشعوب.
5- عدم الثقة بالنفس وبمجتمعاتنا وبشعوبنا الشرق الأوسطية وبإرادتها، وعندها يكون الاعتماد والانتظار من الغير والخارج وهنا تكون قمة المصيبة والكارثة والتبعية وقبول العيش دون كرامة وأخلاق، وهنا تكون النتيجة الطبيعية التخلي عن الذات كإنسان وكمجتمع وقيم تشكل هويتنا الشرق أوسطية.
6- تحجيم دور المرأة والشباب، الذين يشكلان أهم عنصرين في ريادة وقيادة أي عمل حياتي ومجتمعي وفي أي منعطف تاريخي مهم، ونستطيع القول إنه لا يمكن نجاح أي عمل أو نشاط إنساني أو أداء مجتمعي أخلاقي وسياسي بدونهم. وكل مجتمع أو دولة يتم تحجيم دور المرأة والشباب سيكون مفتوحاً للتدخلات والاحتلالات وفرض الهيمنة والنهب عليه.
7- الأيدولوجيات القالبية وتابوهاتها في النظر وقراءة الأحداث والبحث عن الحلول، دون نقد هذه القوالب الفكرية والسياسية التي ربما تحتاج لإعادة تقييم وربطها مع العلم المعاصر لتكون مفيدة لحامليها قبل الأخرين، لأن حمل منهيات وقوالب فكرية تكون عبئ وثقل زائد على حامليها إن لم يفكروا بتجديدها وتطويرها.
ولو نظرنا لمشاكلتنا وأزماتنا في الشرق الأوسط، سنجد ثلاث جوانب مهمة ربما تخلص بعض من مصدر المعاناة وأسباب استمرار الصراعات وحالات الإبادة والتطهير العرقي والتهجير القسري والفشل المستمر:
1- قوى الاستبداد والرجعية والقمع، الذين يظنون أن الشعوب ودول المنطقة مزارع وأملاك خاصة لهم، وأنهم المؤهلين لاختيار الصح وكيفية العيش، رغم أن كل سلوكياتهم وثقافاتهم لا تخرج عن كونهم أدوات للهيمنة العالمية، لأن المقطوع عن الشعوب والمجتمعات وتجسيد أولوياتهم ليس أمامه سوى التبعية رغم كل الشعارات والخطابات والتصريحات البراقة الرنانة عن الاستقلالية.
2- قوى الهيمنة الرأسمالية العالمية واحتكاراتها وتدخلاتها في الحياة والثقافة العامة في الشرق الأوسط، لما للشرق الأوسط من مكانة وأهمية عالمية لقوى وأقطاب ومراكز الهيمنة العالمية واشتباكاتهم المختلفة.
3- وحدة الحداثة (منطق وطراز الحياة) أو تأثير الفكر الاستشراقي (الهيمنة الفكرية الغربية) على الحياة الفكرية والثقافية في الشرق الأوسط، وهنا لا بد أن نذكر؛ أن من يمتلك نفس حداثة الآخر لا يمكن أن يخالفه أو يعارضه أو يقاومه بنجاح، والاشتباك الحقيقي والصادق أو المقاومة المؤثرة لا بد أن تكون لها حداثة مختلفة بديلة وجديدة، وهذه لا تتوفر بسهولة بل لا بد من جهد فكري كبير وعبقرية فائقة وتضحيات وتغيرات حقيقية في ذهنية وسلوكية المعارض أو المخالف أو المقاوم.
ويمكننا القول إنه بعد حوالي خمسة ألاف سنة من تخريب العلاقة الطبيعية بين المجتمع والإدارة لتكون علاقة جدلية بين مجتمع وسلطة احتكارية، ولتتدفق الحياة بثنائية المركزية الأحادية والمجتمعية الديمقراطية إلى اليوم.
ولكن في مئتي السنة الأخيرة قامت الرأسمالية العالمية بفرض المنطق السلطوي والعقلية القومية(الدينية والعلمانية) والدولتية القطرية المخالفة للتقسيمات الطبيعية للشعوب والمناطق والأقاليم وقيم التعايش والتكامل، ولذلك عشنا حروب عديدة ومنها الحربان العالميتان الأولى والثانية، والآن نعيش الحرب العالمية الثالثة التي تتوزع فصولها بين أوكرانيا وكردستان وغزة وما حصل ويحصل في العديد من دول المنطقة ولشعوبنا، محاولة من النظام العالمي ومراكز القوى فيها لتحقيق مشهد احتكاري وهيمني جديد في الشرق الأوسط أو المحافظة على القديم بعد تحقيق بعض التغيرات الضرورية فيه ليكون صالحاً للاستمرار وبأولويات معينة.
يمكننا القول إن غياب الاتحادية المشرقية والثقافية التكاملية والتشاركية في الذهنية والممارسة والحياة والعيش المشترك، كعناوين وخصائص وتعبيرات حقيقة عن الحياة الشرق الأوسطية وتجسيدها، علاوة على المنطق السلطوي والدولتي والعقلية القومية والدينية الأحادية، جعلنا نعاني من الأزمات والقضايا الحاصلة، وعليه نعتقد أن الدوران في الحلقات المفروضة من قوى الهيمنة والصراعات الوظيفية في بؤر التوتر العالمية، لا يمكن أن تكون منتجاً للحلول، وكما أن انتظار الحلول من الذين يدفعون ويوظفون الأزمات لمصالحهم غير مجدي، ولعل التشرذم والتفرقة من أكبر نقاط الضعف التي يجب تجاوزها، والأهم أن يكون لدينا مشروع حل متكامل وليس فقط التخبط في حلقات الصراع والاشتباكات الدموية رغم أهمية وقدسية المقاومة والدفاع عن الحق والمطالبة بالحقوق فالمقاومة دون وجود مشروع حل ديمقراطي، ربما بتحول بعد فترة لشيء أخر. بل أن امتلاكنا لمنظومة متكاملة للحل الديمقراطي مستندة للمجتمعية الذاتية أولاً وقبل كل شيء وبعدها تأتي التفاعلات مع المحيط والخارج، سيكون خير جواب لكل المتآمرين والظالمين وللقوى الاستبدادية القمعية والخارجية التي تعتاش على مصائبنا وآلام شعوبنا وتهجيرنا، وطالما نعيش الأزمة في المنطقة والعالم فالمنتصر هو من ينظم نفسه ومجتمعه وكافة طاقاته الذاتية ويعقد تحالفاته الديمقراطية مع شعوب ومجتمعات المنطقة وقواها المجتمعية الحرة للوصول إلى بر الأمان إلى الحياة الحرة المستقرة والآمنة، وهنا لا بد أن نشير للكونفدرالية الديمقراطية والأمة الديمقراطية التي ترتكز للمجتمع الأخلاقي والسياسي أو الديمقراطي والتي طرحها المفكر والقائد أوجلان في مجلداته وخطه النضالي والمجتمعي كحل لقضايا المنطقة والشرق الأوسط ومنها القضية الكردية والقضية الفلسطينية وغيرها كبديل للدولة القومية والهياكل السلطوية الدولتية.