أتى ما حدث في مباراة لكرة القدم بين فريقي الاتحاد السعودي وسباهان الإيراني كدلالة على ما يحيط بمسار التقارب بين البلدين الذي رعته الصين.
وقد قرر نادي الاتحاد السعودي قبل أيام عدم خوض مباراة لكرة القدم ضمن بطولة دوري أبطال آسيا مع نادي سباهان أصفهان في إيران بعد أن وضع النادي تمثالاً لقاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الراحل، والرجل الذي كان معروفاً بمدى عدائه الشديد للسعودية إلى جانب بعض العبارات السياسية غير المفهومة، وقد أتت تلك الأحداث مباشرة بعد تصريحات لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يرحب فيها بمسألة ذهاب الأندية السعودية للعب على الأراضي الإيرانية.
الأمر تم بتنسيق
في هذا السياق، يقول كميل البوشوكة الناشط السياسي الأحوازي، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن إيران منذ الثورة تتنوع فيها التيارات بين الإصلاحي والوسطي والمتشدد الذي يديرها حالياً وهو تيار متشدد ديني وهناك كثير من أعضاء الحرس الثوري في الحكومة، وهناك مؤسسات مثل الجيش والشرطة تتبع الدولة وهناك بعض الشخصيات والجهات تعبر عن الدولة العميقة وتتبع المرشد علي خامنئي مباشرة مثل الحرس الثوري وفيلق القدس الذي كان يقوده قاسم سليماني.
وأوضح أن هناك فرقاً رياضية في إيران تتبع مؤسسات الدولة العميقة المتشددة التابعة للمرشد، فنادي سباهان أصفهان يعني الحرس الثوري لأصفهان، وأي وزارة من الحكومة الإيرانية لا تستطيع القيام بأي شيء ضده تلك الفرق لا وزارة الداخلية ولا المؤسسات الرياضية، لأن الفريق يتبع مباشرة للحرس الثوري، وعادة ما يقوم هذا الفريق بوضع صور أو تمثال لقاسم سليماني سواء في المباريات أو التدريبات ولا يستطيع أي طرف في الحكومة الاعتراض لأن هذا ليس من صلاحيات الحكومة، رغم أن الشعارات السياسية تتعارض مع قوانين الرياضة.
ويوضح "البوشوكة" أن ما جرى في المباراة رسالة للعالم وللسعوديين أن الإيرانيين لا ينسون الخلافات بينهم وبين السعودية، وأصبح الأمر به تلاعب، فالفرقة التابعة للحرس الثوري تستفز السعودية، في الوقت الذي تدعو الحكومة إلى التهدئة وتحاول التصدير بأنها لا تملك شيء تجاه الفريق، رغم أن الحكومة التي تدير إيران حالياً أبرز رموزها ينتمون للحرس الثوري الإيراني والحوزة الدينية مثل وزير الخارجية أمير عبداللهيان، وبالتالي هناك تنسيق بينهم.
ويرى الناشط السياسي الأحوازي أن بيان وزير الخارجية الإيراني الذي أكد خلاله على التهدئة ومضي العلاقات مع السعودية في مسارها يهدف إلى إقناع العالم أن هناك تياراً إيرانياً يمكن التعامل معه، لكن في واقع الأمر ما جرى كان بتنسيق بين الحكومة والحرس الثوري، وأن ما زعمته لا يمكن أن يكون مبرراً لما جرى في المباراة لأن الحكومة جزء من الحرس.
وكان وزير الخارجية الإيراني قد صرح بأنه أجرى اتصالاً هاتفياً بنظيره السعودي عقب أحداث المباراة التي ألغيت بعد اعتراض نادي الاتحاد السعودي، حيث أكد أن العلاقات بين طهران والرياض تمضي قدماً، كما أنه لا يجب أن يسمح للرياضة بأن تكون أداة سياسية، وأن على الاتحاد الآسيوي أن يكون حكمه بشأن المباراة فنياً وليس سياسياً، مشيراً إلى اتفاق الدولتين على تحديد موعد آخر للمباراة.
إسرائيل في الصورة
ويذهب البعض إلى ربط التوتر الذي تعلق بالمباراة بمسألة التقارب بين السعودية وإسرائيل وإمكانية التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين البلدين، وهو الأمر الذي أكده ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال تصريحات مؤخراً في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية، إذ تخشى طهران عواقب هذا التقارب تجاهها.
وتعليقاً على ذلك، يقول الدكتور طارق فهمي الخبير المصري في شؤون الشرق الأوسط، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن السعودية تدير ملف التقارب مع إسرائيل باتزان كبير وببراعة حتى الآن، ولكن إيران بالتأكيد تخشى هذا التقارب؛ لأنه يعني بالنسبة لهم تشكيل جبهة مكونة من المملكة وتل أبيب والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا بلا شك أمر يزعج طهران بشكل غير مسبوق.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والجامعة الأمريكية أن ما حدث في مباراة الاتحاد السعودي ونادي سباهان أصفهان الإيراني خير دليل على أن هناك حالة من عدم الصفاء داخل الأوساط الإيرانية فيما يتعلق بتطبيع العلاقات مع الرياض، ولديه حالة من الانزعاج من تقارب الأخيرة كذلك مع "تل أبيب".
ويرى "فهمي" أن التقارب السعودي – الإسرائيلي سترتبط تداعياته بمدى براعة القادة السعوديين في تحقيق بعض المطالب التي يريدها الشعب الفلسطيني والتي تهدف بالأساس إلى خفض التصعيد الإسرائيلي، وبالتالي هنا يمكن أن تتدخل "طهران" وتحرك بعض الفصائل الفلسطينية وتحديداً حركة الجهاد من أجل إثارة بعض القلاقل على الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية والتي قد تشكل إحراجاً للسعودية في مسألة التقارب مع الإسرائيليين.
وفي مارس من العام الجاري وقعت إيران والسعودية اتفاقاً لتطبيع العلاقات ينهي قطيعة دبلوماسية كانت ممتدة منذ عام 2016 تقريباً عندما تم اقتحام السفارة السعودية في طهران عقب تنفيذ حكم الإعدام بحق رجل الدين الشيعي نمر النمر من قبل سلطات المملكة، وقد رعت الصين الاتفاق بطلب من الجانب الإيراني بحسب تصريحات لولي العهد السعودي.