الاحتلال التركي.. دعاوى لديموقراطية زائفة وإصرار على الإبادة في شمال وشرق سوريا

تواصل تركيا تصعيد الحرب في شمال شرق سوريا ضمن استراتيجية للإقصاء والإبادة، متجاهلة القانون الدولي في ظل صمت القوى العظمى، باستثناء تحركات محدودة، ورغم الجهود الدبلوماسية للتهدئة، تستمر أنقرة في التصعيد، في خطوة يراها محللون جزءًا من خطة للسيطرة على سوريا.

مؤخراً، حشدت تركيا قواتها على الحدود السورية تمهيداً لبدء عملية إبادة موسعة في منطقة «كوباني»، بدعوى مواجهة تهديدات أمنية من قِبل المجموعات المسلحة، في الوقت ذاته، تدعم أنقرة مجموعات مسلحة على غرار هيئة تحرير الشام والجيش السوري الحر دون توصيف تلك الجماعات بالإرهابية، مما يؤكد أن توصيف أردوغان لقوات قسد أو غيرها من القوات الكردية ينبع من حسابات شخصية مرتبطة بإرث السلطوية ورفض الهوية الكردية.

إصرار على الإبادة

الدكتور طه علي الباحث في شؤون الشرق الأوسط وسياسات الهوية أرجع تحركات أردوغان إلى حالة التعصب القومي التي تتصف بها النخب الحاكمة لتركيا على مدار تاريخها، مضيفاً في اتصال لوكالة فرات للأنباء «ANF»: «ترسخت لدى هذه النخب قناعات بسمو العنصر الطوراني كصاحب أصيل لهذه الأرض، وذلك رغم الحقيقة التاريخية التي تفيد بأن الشعب التركي إنما هو وافد على هذه الأرض عن طريق الهجرات من آسيا الوسطى إلى الشرق الأوسط التي يسكنها تاريخياً شعوب أصيلة مثل الكرد والعرب وغيرهم». 

وأضاف علي: «مارس الأتراك تاريخياً عنصرية متطرفة تجاه كل من لا ينتمي إلى العنصر الطوراني، وهو ما ترجمته المذابح وعمليات الإبادة التي نفذها العثمانيون أينما حلوا، فهناك المذابح ضد المماليك في مصر عام 151، ومجزرة القسطنطينية التي وقعت ضد اليونانيين في الدولة العثمانية خلال الفترة 1821 – 1830م ومذبحة جدة عام 1858 ضد المسيحيين في الجزيرة العربية، ومذابح الأرمن الشهيرة عام 1915، بالإضافة إلى المجازر التي دأب الأتراك على ارتكابها بحق الكرد على مدار المائة عام الأخيرة مثل مذبحة ديرسم 1937 وكذلك عمليات التهجير التي تمارسها القوات التركية ضد الكرد الموجودين في المناطق الحدودية مع سوريا».

المعطيات الميدانية الراهنة تؤكد أن عموم الكرد يقعون في دائرة الاستهداف من جانب الاحتلال التركي، ولا يسلم منها إلا من آثر المهادنة وها هي قضية القائد عبدالله أوجلان حاضرة في أذهان العالم، فلازال هذا الرمز المناضل -سجين إمرالي- رمزاً للنضال الكردي ومعبراً عن ضميرهم الجمعي لتأكيد الهوية الكردية وبالتالي فإن الانتهاكات التركية بحق الكرد لا تقتصر على القائد وأفكاره وإنما اتسعت لتشمل التضييق على الكرد في الداخل التركي وشن حرب إبادة ضدهم في سوريا. 

تناقض السياسات

محمود جابر المحلل السياسي قال في اتصال لوكالة فرات للأنباء «ANF »، إنّ «خروج بشار الأسد من سوريا، أعقبه تصريحات لأردوغان ببدء عملية سياسية تجمع جميع أطياف الشعب، تزامناً مع شن جيشه وأذرعه المسلحة حرباً ضروس على الأبرياء في منبج، أسفرت عن خسائر بشرية ومادية»، الأمر الذي يعكس حالة انفصام في السياسات الداعية إلى الديموقراطية وفي نفس الوقت تقتل الأطفال والنساء في العديد من المناطق شمال شرق سوريا، ويؤشر إلى أن أردوغان يسعى إلى تفصيل ديموقراطية من نوع جديد تمنح أذرعه المسلحة مقاليد الحكم وتُقصي الهوية الكردية التي ناضلت لسنوات طويلة دفاعا عن الأراضي السورية وقدمت آلاف الشهداء، ما يؤشر إلى الغبن الذي تعيشه الهوية الكردية في سوريا، وسط تخوفات من التقاء مصالح القوى العظمى مع مصالح أنقرة بما ينعكس على حقوق الكرد في سوريا سواءً على الصعيد السياسي أو الاجتماعي والإنساني. 

وفي إطار سياساتها لتدمير الأوضاع في سوريا، حرضت الخارجية التركية أذرعها المسلحة ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من خلال تصريحات إعلامية للوزير التركي، الذي وصف فيها وحدات حماية الشعب بأنها منظمة إرهابية: وقال: "يجب على الإدارة الجديدة في سوريا التعامل مع هذا الأمر من خلال وحدة أراضي سوريا وسيادتها، ولكن إذا لم يحدث ذلك، فبالطبع علينا حماية أمننا القومي"، لتفضح تلك التصريحات الإصرار التركي على إبادة الكرد، سواءً من خلال التحريض وتحويل سوريا إلى مجموعات متناحرة، أو من خلال شن حرب مباشرة تستهدف إبادة الكرد.

يشار إلى أن اشتباكات عنيفة اندلعت بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) و"الجيش الوطني السوري" في محيط سد تشرين بمنبج، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى. وأكد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن القوات التركية المتمركزة في قاعدة "الهوشرية" قرب مدينة جرابلس، قامت بقصف أطراف جسر قره قوزاق في ريف حلب الشرقي بـ 10 قذائف صاروخية، مما أدى إلى حالة من الذعر بين المدنيين، كما استهدفت قوات الاحتلال التركي قرية شيوخ فوقاني في ريف كوباني الغربي، وذلك ضمن سلسلة من الضربات العسكرية التي تشهدها المنطقة.