وانقسمت وجهات النظر بشأن تحليل ما قد أسفر عنه تطبيع العلاقات بعد هذه المدة، فهناك وجهة نظر ترى أن قطع العلاقات الدبلوماسية مع حكومة دمشق كان خاطئ منذ البداية وكان سبباً في اتجاه بشار الأسد إلى إيران وروسيا وأن تأخر الحل سببه انشغال العالم العربي بكثير من القضايا مثل فلسطين، في المقابل هناك من يرى أن المشكلة تكمن في بشار الأسد وأن التطبيع معه لم يحقق أي شيء لأنه لا يريد الحل السياسي.
حالة من الانشغال العربي
في هذا السياق، يقول الدكتور محمد صادق إسماعيل مدير المركز العربي للدراسات السياسية، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن قرار قطع العلاقات الدبلوماسية العربية مع دمشق وخروجها من الجامعة العربية كان خطأ منذ البداية، معرباً عن أعتقاده بأن عودة الحكومة السورية إلى مقعدها بمثابة تصحيح للخطأ.
وأضاف أن مسألة مرور هذه الأشهر دون أن تشهد الأزمة السورية أي تطور جديد، فإن هذا يأتي نتيجة انشغال العالم العربي بقضايا مختلفة، سواء الإشكاليات الاقتصادية التي تواجهها تلك الدول نتيجة تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، وصولاً إلى تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المتلاحقة وما حدث خلال الأيام الماضية، وهذا خلق حالة من الانشغال العربي.
الحاجة إلى تعاون مع روسيا
وإلى جانب السبب السابق، يقول الدكتور محمد صادق إسماعيل إن هناك سبباً آخراً يتمثل في أنه كانت هناك حاجة إلى التنسيق العربي مع روسيا باعتبار الأخيرة الطرف الفاعل الرئيسي في الأزمة السورية، وكل هذه الأمور يجب أن توضع في الحسبان، وكنا نظن أن الدول العربية ستقدم مبادرة عربية واضحة المعالم لحل الأزمة بالتعاون مع موسكو، لكن هذا لم يحدث.
ولفت إلى أن التقارب السعودي الإيراني كان يمكن أن يساهم كذلك في دعم المبادرة العربية لحل الأزمة السورية إن طرحت، لكن لم يحدث ذلك نتيجة انشغال العالم العربي، ويمكن القول إن صورة العالم العربي ككل تغيرت عما كانت عليه قبل عام 2011، نتيجة التطورات المختلفة غابت فكرة التضامن العربي وإمكانية تقديم الرؤى العملية المشتركة لحل الأزمات التي تواجه الدول العربية، ونتيجة الإشكاليات المختلفة التي واجهتها برزت قضايا وخفتت قضايا أخرى، وأصبحنا أمام حالة من الانشغال العربي الدائم.
المشكلة في بشار الأسد
على عكس الرؤية السابقة، يرى المحلل السياسي كميل البوشوكة أن الإشكالية الرئيسية تكمن لدى بشار الأسد نفسه، والذي لن يتحرك إلا وفقاً للقرارات والإملاءات الروسية والإيرانية، وواقعياً فقد أصبح القرار في دمشق هو ملك موسكو وطهران، والواقع يقول كذلك إن حكومة دمشق ليس لديها رغبة فعلية في حل الأزمة، ولن تقدر كذلك على تقليص النفوذ الإيراني على سبيل المثال.
وأضاف، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن مسألة تطبيع العلاقات العربية كانت قناة مهمة ومطلوبة مع بشار الأسد، لكن الأخير ليس معنياً بالحل، كما أن أحد بنود المبادرة العربية تدعو إلى فتح حوار سياسي، وأي حوار يعني خروج الأسد من المشهد السياسي، كيف سيقبل هو بمسار قد يطيح به من السلطة التي قاتل لأجلها.
ويرى "البوشوكة" أن التطبيع العربي أو عدم التطبيع لم يكن له تأثيراً يذكر، لكن عدم التطبيع كان بمثابة موقف معنوي ورمزي من تلك الحكومة بعد ما ارتكبت من جرائم بحق الشعب السوري بدعم إيراني – روسي، وربما البعض من الدول العربية يرون أن العلاقات حتى لو لم تحقق أي شيء حتى الآن فإنها مطلوبة مستقبلاً لعلها تؤتي نتائج، وهذه وجهة نظر تحترم كذلك.
وكانت التسريبات الخاصة بالمقاربة العربية للحل في سوريا تقوم بالأساس على فكرة إقامة العلاقات مع الحكومة السورية والعمل على رفع العقوبات الدولية عنها ودعمها كذلك في ملف إعادة الإعمار، مقابل فتح الباب أمام حوار سياسي مع المعارضة يمهد لحل الأزمة، وكذلك أن تقوم الحكومة بجهود ملموسة لوقف تجارة الكبتاجون التي أضرت بعض الدول لا سيما الأردن والسعودية، وكذلك العمل على تقليص النفوذ الإيراني في الأراضي السورية.
وسواء وجهة النظر الأولى أو وجهة النظر الثانية بسبب تأثير التطبيع العربي مع بشار الأسد على حل الأزمة السورية، فإن الواقع يقول إنه الوضع لا يزال كما هو عليه، ولم تتحرك ولو قطرة مياه واحدة على مدار الأشهر الماضية في المياه الراكدة التي كان يراد تحريكها بقرار عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية.