عنصرية الأتراك هي عدوهم الأكبر-تم التحديث

قال المقاتل حقي بير عن الوضع في تركيا والمجتمع التركي: "إن العدو الأكبر للأتراك هو العنصرية التركية التي تم إنشاؤها وأدت إلى انفصالهم وتشويه حقيقتهم".

لقد أجرينا نقاشا مع مقاتل من أصل تركي حقي بير في جبال كردستان الحرة، حول النظام العسكري الذي أسسته الدولة التركية ونتائج هذا النظام على الشعب التركي، وفي النقاش توصلنا إلى نتائج مهمة وتوصلنا أيضاً إلى نتائج التغيير الثوري الذي أحدثه المرء بنفسه، وعلى وجه الخصوص قال المقاتل حقي بير: "إن العدو الأكبر للأتراك هو العنصرية التركية التي تم إنشاؤها وأدت إلى انفصالهم وتشويه حقيقتهم، وتسلط هذه النتيجة في تركيا الضوء على كيفية تطور مشاعر الفاشية والعسكرية في المجتمع التركي. وفي هذا الصدد أجاب المقاتل حقي بير على أسئلة وكالة فرات للأنباء.

من أي مدينة تنحدر وفي أي مجتمع نشأت؟

لقد ولدت في نيدا وعشت هناك دائماً، لقد نشأت في بيئة فقيرة ذات كثافة عالية من المحافظين، القوميين، الكادحين وكنا نعيش في المدينة، ولكيلا تنقطع علاقاتنا مع القرية، فقد تشكلت حياتي على ثقافة المدينة والقرية معاً، وواجهت أول صراع في حياتي بين معضلة القرية والمدينة، كانت حياة القرية تجذبني دائماً؛ كل ما حدث في القرية كان يتمثل بمشاعر الدفء والود، بالنسبة لي، كان المكان الوحيد الذي يوجد فيه أسلوب حياة جماعي، حب الأرض والطبيعة، العمل، المعتقدات البسيطة دون مبالغة، والناس أنقياء ونظيفين، وبسبب حبي لحياة القرية كان لحياة المدينة دائماً تأثير سلبي علي وكنت أواجه صعوبة في التكيف، ولم تكن القوانين الأخلاقية والحرية للقرى مطبقة في المدينة، لذا رأيت المدن وحوشاً تخيف الناس وتدفعهم إلى الجنون وتلقي بهم في السجون وتجعلهم عاجزين، وبما أنه لم يكن لدي أي خيار، اضطررت إلى تحمل حياة المدن، وكان الشرط الوحيد للوصول إلى الحياة الجميلة التي وعدت بها الرأسمالية هو محاولة أن تكون الأفضل، لقد عشت هذه الدورة باستمرار حيث أنه لتكون أفضل مسلم يتوجب عليك أن تذهب إلى الجامع، ولكي تكون أفضل تركي يتوجب عليك أن تذهب إلى مراقد العنصريين ولكي تصبح أفضل عامل يتوجب عليك أن تذهب إلى المصانع، ولكي تكون أفضل صديق يتوجب عليك أن تكون مجرداً من المبادئ، وحتى الآن، لا أستطيع أن أفهم تماماً في أي فئة أضع المعتقدات والثقافات الاجتماعية الخاصة بي وعائلتي ودائرتي وكيفية تحديدها، لقد تم تضخيم الوعي بالدين والأمة وإفساده إلى حد أن البحث عن الحقيقة وعيشها في ظل النظام الحالي ليس أكثر من حلم.

ما الشيء الذي كان السبب في انجذابكم لفكر وممارسة ثورية كهذه؟

لقد سقطت الكثير من قطرات المياه في الزجاجة، ولكن قطرة حزب العمال الكردستاني ضد داعش وتكوينه ملأتها، وإنني استذكر بكل تقدير واحترام جميع الثوريين الذين ارتقوا خلال تحرير روج آفا وأعاهد بأنني سأبقي نضالهم للإنسانية خالداً دائماً، وقد اختبر الجميع عن كثب الحرب التي شهدها العالم ومؤيديها، واشتدت ردة فعلي وغضبي ضد الفاشيين الذين كان يدعمون داعش في هذه الحرب والذين كانوا يقولون إننا نساند الشعب الكردي وحزب العمال الكردستاني، ولكن لم يساهموا في الديمقراطية، وقررت الانضمام إلى صفوف حزب العمال الكردستاني من أجل حياة حقيقية.

ما هو رأيكم حول حياة النظام والحياة ضمن حزب العمال الكردستاني؟

قبل عدة سنوات كان هناك مشهد في مسلسل "وادي الذئاب" ؛ "الموت، ماذا تقصد بالموت عزيزي، لقد وضعت حياة في عيني من أجلك"، يمكن أن تكون كمجرد مزحة، ولكن كانت هذه المقولة حقيقتنا الاجتماعية في ذلك الحين، كانت هناك محاولة لتبرير الموت ورؤية النفس شجاعة لا تهاب الخوف وحياة مليئة بالألم والمعاناة، والاثنان يعني قلة الحب وعدم البقاء، سابقاً كنا نقول أنه لم يكن فيه أي قيم اجتماعية، أخلاقية أو إنسانية، ولكننا كنا نتشرف به، وما زال هناك الكثير من الأشخاص يتشرفون به.  
وقد تعرّفتُ ضمن حزب العمال الكردستاني على كمال بير ونضاله، وأصبح كل ما فعله من أجل الحياة والنضال مبادئ بالنسبة إلينا، وكان يعلم بعض الأشخاص أصحاب بعض القيم الأخلاقية والوجدانية كيف يعيشون بمقولة "نحن نحب الحياة لدرجة أننا سنموت من أجلها"، فالحياة التي لا تتضمن الحب، والشوق، والأمل، والحزن والسلام لا تصبح متساوية ولا حتى حرة أيضاً، وإن الحياة القائمة على أساس السلام ومن أجل السلام تعني أنها أخذت جميع الحروب بعين الاعتبار.
وقد تخلى مقاتلو ومقاتلات حزب العمال الكردستاني عن المال، الممتلكات، الأعمال، العائلة، السعادة، المصالح والأنانية من أجل تحقيق حياة كهذه ذات معنى ومشرّفة، باختصار رفضوا هذا النظام الذي أوصلت المجتمع لمستوى لا يمكن فيه العيش وتخلوا عن كل شيء، وتعملوا من خلال تخليهم هذا ما الذي لا يمكنهم التخلي عنه، ولم يتخلوا عن حريتهم، وكرامتهم، وثقافتهم، ومجتمعهم وإنسانيتهم...
ما الذي تودون قوله كمقاتل لحزب العمال الكردستاني ذو هوية تركية في مواجهة هجمات الضم والاحتلال التي تشنها الدولة التركية منذ أكثر أربعة أعوام؟

تستمر الحرب الموسعة والطويلة المدى والتي مركزها نظام التعذيب في إمرالي من خلال هجمات الضم والاحتلال، وهذه تعد بمثابة عنوان لدمار شامل ليس فقط في تركيا والشرق الأوسط بل كافة أنحاء العالم، وقد رأينا مرة أخرى أن كافة المنظمات الدولية واتفاقياتهم ليست لحماية إرادة الأمم، إنما من أجل استمرار استدامة سلطاتهم، والحرب التي تُشن ضد إرادة الشعب الكردي والعربي هي إبادة عرقية، وسياسية وثقافية، كما أن الحرب التي نُشن باتفاقيات سرية وبارتكاب المجازر، ستجلب دماراً مادياً ومعنوياً شاملاً على شعوب تركيا، ويجب أن يُفهم جيداً أن الحرب التي تُشن باسم تركيا  ليست سوى تمويه سياسي.

إن "التتريك العديم القيمة" الذي خلق العلوية وفق مصالحه وشركائه الأجانب من خلال الاستيلاء على السلطة، يعد بمثابة إهانة تجاه الشعب والثقافة التركية القديمة، حيث يتم استخدام التتريك كأداة للتخلي عن الاستقرار الإنساني والأخلاقي، للأسف، فإن ثمن بناء الذات على القضاء تتحقق بإنكار وجودها، والآن ثقافتنا هي متحف، وخاصة في هذه الآونة الأخيرة ومع التوليفة التركية-الإسلامية التي يحاول النظام الفاشي لحزبي العدالة والتنمية والحركة القومية بنائه، فقد قاموا بتجريم جميع مؤسسات الدولة وتحويل الجمهورية التركية إلى مركز لجرائم كبرى ضد الإنسانية، وقد تم إثبات الجرائم التي ارتكبوها وكُشف عنها مئات المرات والعالم أجمع يعلم بهذا، ويشنون كافة أنواع الحروب باسم الشعب التركي لاستمرار في إرضاء أهوائهم في القصر، وهذا الوضع عار على الشعب التركي الذي لم ينكر ثقافته الأصلية ولم يدخل في لعبة الأمة المزيفة والعنصرية التركية، ولم تُكسب هجمات الضم والاحتلال هذه الشعب التركي أي شيء، فهم يشنون هذه الحرب من أجل مصالحهم وحماية سلطتهم، ويحاولون السيطرة على جيرانهم بأيديولوجيتهم الفاشية-التشريعية، وتحاول تنفيذ المخططات القذرة التي لم يكن من الممكن تحقيقها مع داعش، والمهمة غير المكتملة المتمثلة في الإبادة الجماعية والاحتلال باستخدام جميع المؤسسات العسكرية والإدارية للجمهورية التركية، والشعب الكردي وحزب العمال الكردستاني هما العائق الوحيد أمام هذه الإيديولوجية اللاإنسانية والدموية، ولا يتم حماية الشعب الكردي والقيم الكردية فقط هنا، بل يتم حماية النضال الإنساني الذي يتم خوضه ضد نظام الدولة المعادي للطبيعة، والمرأة، القيم الأخلاقية والإيمانية وكافة الشعوب.
هل لهذه الحرب تأثير على المشاكل الاقتصادية، والاجتماعية والنفسية لشعوب تركيا؟

إن الإصرار في حرب الإبادة الجماعية هي السبب ومصدر كافة المشاكل التي تم معايشتها ضمن حدود تركيا، وليست لهذه الحرب أي سبب سوى توسيع الإيديولوجية والمصالح السياسية، وهي نتيجة مشكلة نظام حزب العدالة والتنمية والحركة القومية الفاشيين، وليست تركيا، حيث يتم إنفاق كافة المصادر والطاقة المادية والمعنوية لتركيا في سبيل هذه الحرب، وقد تم ترك شعب تركيا على مدار أعوام في حالة من الخوف والقلق، والهدف الرئيسي للسلطة التي تُحدث الفوضى بطريقة مخططة هو خلق كافة أنواع الحروب وتبريرها، حيث يقوم التحالف الفاشي على كذبة أن البلاد ستقضي عليها، وليس هناك سوى السياسة الأمنية، وتظهر كافة الأبحاث والإحصائيات في تركيا أن الشعب يواجه الدمار في كافة المجالات، إن الأمهات والآباء الذين يقولون بأنهم يدفعون أموال حليب أبناهم للحرب ويقولون إن أبنائهم يكبرون دون حليب، هم أُناس ملعونين وفقدوا قدسيتهم أمام عيني.    

وفي الختام، إلى ماذا نحتاج لتحسين الظروف المعيشية للشعب التركي؟ وهل يمكنكم كمناضل ضمن صفوف حزب العمال الكردستاني تقديم خط كمال بير كنموذج للإنسانية الحرة للشعب التركي؟

إن تأسيس نظام الأمة الديمقراطية التي خرجت إلى النور بنموذج الحياة الحرة والمجتمع الحر للقائد أوجلان هو الحل الوحيد والدائم، وإن أي بحث عن أي حل سوى ذلك، سينتهي بالفوضى والحرب، ويشكل نظام السلطنة لأردوغان ومحاولة النظام البرلماني للمعارضة حلقة سيئة والبحث عن حل مناهض للديمقراطية.
وطالما أن سياسات الحزب الحاكم هي من تحدد مستويات المعيشة الذي تبني الدولة، فلن تتطور سوى رؤوس أموال الدولة والمملوكة للدولة في هذه البلدان التي يتم الادعاء بأنها متقدمة، وإن الحداثة الديمقراطية هي بنية اجتماعية وفوق السياسة، ومستقلة عن الأحزاب السياسية، وتتطلب أوسع مشاركة وتمثيل، وإن أي مجتمع يفتقر إلى القيم الأخلاقية والسياسية يحتاج إلى شخصيات سياسية شوفينية متغطرسة ومتسلطة، كما أن النضالات السياسية اللاأخلاقية والسياسية التي يتم تنفيذها هي بمثابة دمار لتركيا يوماً بعد يوم، والمرحلة التي بدأت باسم التطبيع، هي لمنع المناورات السياسية والتطور التكتيكي، والتطبيع الحقيقي يتم من خلال نضال منظم وفعّال يبدأه الشعب، ولا تزال هناك ديناميكيات في تركيا  ستطلق هذا النضال، ونحن في هذا العصر، تحتاج الشعوب فيه للوحدة والنضال من أجل مجموعة واسعة كالنساء، ومحبي الطبيعة، والعمال، والكادحين، والشباب، والموظفين والعاطلين عن العمل، ومطلبهم هي حياة مشتركة، ومتساوية، وعادلة وحرة.

ولقد كان لدى هذا الشعب أبناء أعزاء من أجل حياة حرة، وفي هذا المعنى، فإن كمال بير هو أحد هؤلاء الأشخاص الذين يحملون الشعلة دائماً، فقد بذل كمال بير جهداً عظيماً من أجل خط حزب العمال الكردستاني والنضال، ولديه ممارسة عملية قوية حيث يفهم القائد أوجلان وينفذها، وكان بشخصيته الاشتراكية والثورية التي ترفض النزعة القومية التركية وتمنع تطور النزعة القومية الكردية ذو نضال يجب أن يعرفه حتماً عموم الشبيبة التركية.

وبمقولة "لم يكن يكفيني فهم ومعرفة الدنيا، هناك حاجة لتغييره، وكان هناك حاجة لنضال من أجل تغيير ذلك" لم يلتزم الصمت أمام الظلم والتزييف، وكان أسلوب حياته هو أن لا يشاهد فشل القيم الاجتماعية والأخلاقية والإنسانية، لأنه رأى المستقبل المشرق لتركيا يكمن ضمن الحركة التحررية لحزب العمال الكردستاني، وحارب قلباً وقالباً، وكان يحب مدينته كثيراً لدرجة أنه لم يتركها لحفنة من النخبة الشوفينيين والفاشيين الأنانيين، وكّرس حياته كلها لخلق حياة متساوية وحرة دون توقع أي شيء في المقابل، ودخل سجن آمد من أجل تجميل وطنه، وقال "إننا نحب الحياة لدرجة أننا نموت من أجلها"، وقاوم حتى الرمق الأخير ضد فرض حياة العبودية والاضطهاد والجبانة، ويعد كمال بير بكل القيم التي خلقها خلال حياته ونضاله، مصدر إلهام لكل من يحلم بتركيا مستقلة، متساوية، حرة وديمقراطية.