في صالون سياسي بمصر: نموذج الإدارة الذاتية حل ناجز للأزمة السورية

في خضم الأزمة السورية والبحث الدائم عن الحلول، يفرض نموذج الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا نفسه كفكرة عملية قابلة للتطبيق.

تحت عنوان "توجهات السياسة المصرية لحل الأزمة السورية"، عقدت أمانة التدريب والتثقيف بحزب مستقبل وطن في محافظة البحيرة المصرية صالوناً سياسياً بمقر الحزب بمدينة دمنهور، جرى خلاله التطرق للعديد من الإشكاليات التي تواجه الدولة السورية، وقراءة في محددات الموقف المصري للتعاطي مع الأوضاع هناك، خاصة تمسك القاهرة بضرورة إطلاق عملية سياسية شاملة لجميع المكونات.

أدار الندوة الأستاذ الدكتور محمد محمود أبوعلي أمين التدريب والتثقيف بحزب مستقبل وطن، فيما ضمت المنصة الرئيسية كل من: الأستاذ الدكتور محمد رفعت الإمام أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر وعميد كلية الآداب بجامعة دمنهور المصرية سابقاً، والأستاذ الدكتور أحمد جلال بسيوني أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في كلية الآداب بجامعة دمنهور، والدكتور علي ثابت صبري المتخصص في علم التاريخ ورئيس تحرير مجلة "أربك" الأرمينية.

تجربة الإدارة الذاتية

تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا كانت حاضرة خلال المناقشات والأحاديث التي دارت في الندوة، في إطار التطرق للحلول والأفكار التي يمكن أن تساعد السوريين على تجاوز المرحلة الحالية، وفي هذا السياق أشاد الدكتور علي ثابت صبري بتلك التجربة، إذ قال إنها تتكون من الكرد والعرب والأرمن والتركمان والشركس، موضحاً أنها تتضمن نموذجاً مهماً للإدارة وهو الدفاع الذاتي، خصوصاً بعد انفصال حكومة دمشق عن باقي مناطق الجغرافية السورية بما في ذلك مناطق الشمال السوري.

ولفت إلى أن هذا انعكس في دور الإدارة الذاتية المهم والكبير خلال المواجهة مع تنظيم "داعش" الإرهابي، حيث تشير التقديرات إلى أن الإدارة الذاتية لديها أكثر من 50 ألف من الدواعش وأسرهم وعوائلهم، وإلى جانب ذلك فإنها تلعب الدور الرئيسي في مواجهة مشروع العثمانية الجديدة الذي تقوده تركيا، وتعد منطقة شمال وشرق سوريا نقطة ارتكاز له بما تتمتع من ثروات.

وأكد الدكتور علي ثابت صبري أنه بالتأكيد سوريا لديها إشكاليات كبيرة، لكن الحلول موجودة كذلك وفي الداخل السوري؛ موضحاً أن هذا الحل يتمثل في نموذج الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، الذي يمكن تطبيقه على كل مكونات الأراضي السورية، لا سيما وأن هذا المشروع يقوم على مفهوم الأمة الديمقراطية، بما يقدم من حل ناجز للأزمة السورية، حسب تعبيره.

وفي إطار استعراضه لمكونات الشعب السوري، دعا "صبري" إلى ضرورة تغليب المصلحة العامة، مشيداً بالدور المهم للإدارة الذاتية فى شمال وشرق سوريا، مشدداً على أنها لا تسعي إلى انفصال أو تقسيم، ولكن تريد الاندماج فى الدولة السورية والحفاظ على حدودها، مجدداً الإشارة إلى دورها المحوري في مواجهة الإرهاب، والتصدي للأطماع التركية في الشرق الأوسط.

مصر وسوريا.. علاقات تاريخية

وقد افتتح الصالون الأستاذ الدكتور محمد أبو علي - أمين التدريب والتثقيف بحزب مستقبل وطن بالبحيرة، بكلمة رحب فيها بالمنصة وكل الحضور، مشيداً بدور حزب مستقبل وطن المهم والريادي في توعية الشباب بما يحدث في المنطقة، وكذلك شكر قيادات الحزب على دعمهم المتواصل لمثل هذه الصالونات السياسية.

ومهد أمين التدريب والتثقيف بكلمة عن الروابط التاريخية بين مصر وسوريا ودور مصر الكبير في قيادة المنطقة العربية، ولفت إلى أن سوريا التي مزقتها رياح الفتنة منذ فترة ليست دولة جوار فقط لمصر، بل شقيقة في الدم والثقافة ومعارك التحرير، مشيراً إلى دور القاهرة المحوري في إخراج سوريا من أزماتها، مستعرضاً بعض من المحطات التاريخية التي تربط البلدين، والتي تجسدت في فترة ما بدولة الوحدة، والتي وإن انتهت إلا أن الروابط ظلت قائمة بقوة دائماً بينهما.

ثوابت الرؤية المصرية

وفي كلمته، تطرق الدكتور محمد رفعت الإمام أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر إلى الدور الرسمي للدولة المصرية تجاه الأزمة السورية، وثبات الموقف المصري تجاه كل مكونات الشعب السورى وضرورة دمجها فى إطار الدولة السورية، مشيراً إلى الثوابت المصرية في هذا السياق قائمة على ضرورة إطلاق عملية سياسية شاملة لكافة مكونات الشعب السوري دون إقصاء أو تهميش.

وحذر "الإمام" من خطورة الوضع الحالي في سوريا، وقال إنه ليس الصورة الطبيعية التي تقوم عليها الدول، متوقعاً حدوث تطورات خطيرة لن تقف عند سوريا فقط، بل ستطال الشرق الأوسط ككل، موضحاً أن مصر لديها ثوابتها في سياستها الخارجية تلتزم بها بدقة شديدة، وهي التي ترسم رؤيتها لمستقبل سوريا، وفي مقدمتها رفض أي حل عسكري للأزمة السورية، ورفض كافة أشكال التدخلات الخارجية أياً كان مسماها أو شكلها، والحفاظ على الدولة السورية ومؤسساتها المختلفة.

وأشار إلى قناعة مصر بأن أمن سوريا وبقاء الدولة ضرورة لأمن واستقرار المنطقة، ومناداة القاهرة بحتمية إفشال استراتيجية هدم الدولة السورية، موضحاً أن حديث مصر عن الدولة هنا مقصود به الشعب السوري بكل أطيافه ومكوناته، واحترام خصوصية كل مكون عرقياً أو دينياً أو سياسياً، كما أن الدولة المصرية لم تتبنى أياً من الأجندات الإقليمية، لا مشروع الهلال الشيعي ولا الأجندة التركية.

رهان التقسيم

وفي نفس الصالون، استعرض الأستاذ الدكتور أحمد جلال بسيونى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب بجامعة دمنهور الملابسات التاريخية والمؤامرات الدولية تجاه الشرق الأوسط، ومخططات التقسيم القائمة على المصالح الإمبريالية فى المنطقة، متطرقاً في هذا السياق إلى تاريخ التدخلات الدولة والإقليمية في سوريا، وما كان لذلك من تبعات وانعكاسات.

وقال في هذا السياق إن الرهان على تقسيم سوريا ونهاية الدولة السورية ليس دقيقاً؛ لأن الشعب السوري لديه من العزيمة والمقدرة إعادة بناء دولته بشكل قوي، وإذ أظهر هذه الرغبة "ستتراجع خفافيش الظلام للوراء" وسيتقدم داعمو هذا الشعب، مؤكداً أن الشعب السوري شعب حضاري.