ممر زانجيزور.. هل أصبح حلم أردوغان الطوراني مهدد بالفيتو الإيراني

لا يزال يراود أردوغان طموح تنفيذ ممر زانجيزور الذي يربط تركيا بالعالم التركي في آسيا الوسطى لنشر الفكر الفاشي الطوراني، مع مباركة ورعاية روسية للمشروع إلا أن تلك الأحلام تصطدم بالرفض الإيراني والارمني الدولة التي يخترق الممر أراضيها.

استدعت إيران السفير الروسي فى طهران، أليكسى ديدوف، لتوجيه تحذيرا لموسكو ضد أى محاولات لتغيير الخريطة الجيوسياسية فى منطقة القوقاز، وفقا لتقرير على الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الإيرانية، وذلك بسبب مشروع ممر زانجيزور المزمع إقامته والذي يواجه اعتراضات إيرانية شديدة.

و يعد  "ممر زنغزور" هو مشروع  لربط أذربيجان مباشرة بجمهورية ناخيتشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي، والتي تجاور أرمينيا شرقا وتركيا غربا من خلال وسائل النقل البرية والسكك الحديدية التي ستمر عبر ممر على الحدود الأرمينية التركية، ويربط المشروع  أذربيجان والدول الناطقة بالتركية مع تركيا مباشرة، ما يعني قطع التواصل الجغرافي بين أرمينيا وإيران.

وكانت منطقة الممر منذ الحرب العالمية الأولى،  منطقة متنازعًا عليها، قبل أن يضمها الاتحاد السوفيتي لأرمينيا لتفقد أذربيجان اتصالها الجغرافي المباشر مع إقليم ناخيتشيفان الأذري المتمتع بالحكم الذاتي، وخلال العهد السوفيتي، قامت موسكو ببناء خطين للسكك الحديدية لربط ناخيتشيفان بالأراضي الأذرية الرئيسية، وذلك عبر منطقة “زانجيزور”، والذي توقف وتعرض لأضرار خلال حرب “كاراباخ” الأولى عام 1992.

ويهدف المشروع  إلى بناء طرق سريعة في المنطقة لربط البلاد بشكل مباشر مع إقليم ناخيتشيفان، دون وجود أي نقاط تفتيش أرمينية، وظهر إلى الواجهة مرة أخرى بعد انتهاء حرب قره باغ الثانية عام 2020 بعد  أن نص البند التاسع في اتفاق وقف إطلاق النار على "فتح طرق النقل بين ناختشيفان وأذربيجان".  

تقول فيرا يعقوبيان المديرة التنفيذية للهيئة الوطنية الأرمينية بالشرق الأوسط في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن ممر زانجيزور لا يزال مشروع حبر على ورق، وهو ممر سيربط أذربيجان بمنطقة ناخشيبيان وهي تابعة لأذربيجان ولكن تفصلها إيران وكان ستالين قد ضمه إلى أذربيجان مع نارجونو كاراباخ مما سيجعله سيمر بأراضي بارمينيا وصولاً إلى تركيا.
واضافت، أن الخلاف الحقيقي هو من سيكون له سلطة على المعبر، لأن روسيا تريد أن يكون لها سلطة على المعبر، وأرمينيا تريد أن يكون المعبر تحت إشرافها لطالما سيمر بأراضيها.

أهمية المعبر لتركيا

يعتبر ممر زانجيزور بمثابة حلم تركي، وهو ما عبر عنه أردوغان عندما وصف تحقيق هذا الممر بانه أمر مهم للغاية بالنسبة لتركيا ومسألة استراتيجية، مبيناً  ان"الأخوّة التركية الأذربيجانية ستصبح أقوى بكثير من خلال فتح الممر".

واضاف أردوغان أن "السيارة أو القطار الذي سيغادر باكو سيتمكن من الوصول مباشرة إلى قارص من خلال زانجيزور"، مؤكداً أن بلاده ستبذل قصارى جهدها لفتح ممر زنغزور، في أقرب وقت ممكن.

وأوضح وزير النقل التركي عبد القادر أورال أوغلو، أن تركيا وأذربيجان وإيران تجري دراسات حول مشروع "ممر زنغزور".

ووصفت "فيرا يعقوبيان"، ممر زانجيزور بأنه المشروع التاريخي لرجب طيب اردوغان، مشيرة إلى أن المشروع ليس ممر اقتصادي، بل ممر عقائدي فكري توسعي للفكر الطوراني التركي، لأنه يربط أنقرة بدول آسيا الوسطى والتي تعتبرها تركيا اخوانها بالدم واللغة مثل كازاخستان وقيرغيزستان و سيؤدي بدوره إلى تمدد الفكر الطوراني من تركيا الى تلك الدول، وكانت العقبة أمام تنفيذه هي أرمينيا، وإقليم نارجوني كاراباخ، خاصة وأنه لا توجد علاقات بين تركيا وارمينيا، بسبب موضوع الإبادة الأرمينية.

انتقاص للسيادة الأرمينية

يعد الموقف الأرميني رافض لفكرة الممر، حيث  كرر رئيس الوزراء الأرميني "نيكول باشينيان" أن أرمينيا لن تسمح لأذربيجان بأن يكون لها "ممر" عبر الأراضي الأرمينية، موضحا أن حكومته مستعدة لتوفير وفتح طريق في أي لحظة، وقد يفي الطريق نظريا بأحد الشروط الرئيسية لاتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020، الذي أوقف الحرب الدائرة حينئذ، حيث نص الاتفاق على ضمان أرمينيا تأمين خطوط النقل المارة عبر أراضيها بين "نَخجِوان" وبقية أذربيجان..

تستند باكو في تنفيذ المشروع على ما جاء بالمادة التاسعة من اتفاق وقف إطلاق النار، الموقع بين أرمينيا وأذربيجان برعاية روسية في نوفمبر 2020، وقد هددت أذربيجان، بأنه إذا لم تمنح أرمينيا باكو ما تريده، فإن أذربيجان ستستولي على أرض الممر بالقوة.

وتريد أذربيجان بأن الطريق يجب أن تسمح للمركبات الأذربيجانية بالمرور عبر الأراضي الأرمينية دون أن تخضع لفحوصات جمركية من الجانب الأرميني. على غرار ممر "لاتشين" الطريق الذي يربط أرمينيا بإقليم "ناغورني قره باغ" ويمُر عبر الأراضي الأذربيجانية، إذ لا تسيطر أذربيجان على ممر "لا تشين".

وحول تلك النقطة تقول المديرة التنفيذية للهيئة الوطنية الأرمينية، إن حرب إقليم نارجونو كاراباخ كانت هي حرب على فتح ممر زانجيزور وهو يعتبر ممر حيوي لكل من الأذريين وتركيا، وان تتنازل الحكومة الأرمينية على جزء تلو الجزء لأذربيجان، ولكن المشكلة أن ارمينيا تريد أن تشرف على المعبر الذي سيمر من أراضيها.

وأشارت السياسية الأرمينية، إلى أن أذربيجان حاولت التسلل عدة مرات واحتلال كيلو مترات داخل حدود أرمينيا، لأن أذربيجان تفرض على ارمينيا شروطها عدا في نقطة الإشراف على الممر، وتستند أذربيجان إلى أن الممر هو جزء من اتفاقية السلام بين ارمينيا وأذربيجان بعد هزيمة ارتساخ، وهو ما تنفيه ارمينيا، وغير معروف بنود الاتفاق ويوجد تكتم حولها خوفاً من إثارة مشاكل داخل ارمينيا، لأنها بذلك المعبر تخسر سيادتها وتقطع الحدود الأرمينية الإيرانية.

وعددت فيرا يعقوبيان مخاطر الممر على أرمينيا، حيث أنه إذا تم فتح المعبر ستتخلى أرمينيا عن جزء من أراضيها وحدودها مع أذربيجان وإيران حتى لو أعطت أرمينيا بعض الامتيازات الاقتصادية، لأنه استراتيجيا يسيئ لسيادة أرمينيا ووحدة أراضيها لأنها منطقة استراتيجية حساسة، ويمكن أن يؤدي ممر زانجيزور أن تتحول أرمينيا إلى دولة محاصرة من أعداءها، سواء اذربيجان أو تركيا، أو جورجيا، خاصة أن العلاقات مع جورجيا غير جيدة، لأنها حليفة لتركيا، وبهذا تصبح محاصرة، وإيران أيضا محاصرة ومقطوعة.

ويقول كارينج ساركيسيان رئيس الهيئة التأسيسية للمجلس الوطني الأعلى لأرمن أرمينيا الغربية في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء(ANF)،  إن الممر الذي يتكلمون عنه يمر على الخط الحدودي بين أرمينيا وإيران، مبينًا أن أذربيجان وتركيا يطالبون أرمينيا بالتخلي عن هذه الحدود، أي العزل التام لأرمينيا وهي أصلاً محاطة بثلاثة دول معادية (أذربيجان، جورجيا وتركيا). 

سر الاعتراض الإيراني

تعبر أبرز المواقف الرافضة هو الموقف الإيراني، حيث شددت وكالة تسنيم الإيرانية، التابعة للحرس الثوري، على "موقف طهران الرافض لهذا الممر، وأن إيران لا تقبل أي تغيير بأي شكل في حدودها وأطرافها الأمنية، كما أكّد الموقف ذاته وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، قائلاً: "إن أي تهديد ضد وحدة أراضي الدول الجارة لنا أو إعادة ترسيم الحدود، سواء في الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب، يمثل خطاً أحمر بالنسبة لإيران"، ووصل الموقف إلى حد استدعاء السفير الروسي للتشاور.
 
وترى المديرة التنفيذية للهيئة الوطنية الأرمينية، أن إيران ترفض تنفيذ مشروع ممر زانجيزور، لأن هذا الطريق هو الوحيد الذي يربط إيران بأوروبا مروراً بأرمينيا، خاصة بعد العقوبات الغربية المفروضة على إيران، وهذا الممر سيقطع الحدود بين إيران و ارمينيا.

وبينت أنه إذا فتح ممر زانجيزور ستفقد إيران وجودها الحيوي وسيكون جزء من إيران تحت رحمة تركيا و أذربيجان وتكون فتحت المجال للطورانية التركية للتمدد إلى آسيا الوسطى، كما أن إيران لديها عدد من السكان الأذريين على حدودها مع أذربيجان..

بينما يرى "ساركيسيان"، أن إيران تقول إذا كان الهدف هو الربط البري بين تركيا وأذربيجان فتفضلوا ومروا من الأراضي الإيرانية على الرحب والسعة، ولكن الأعداء يصرون على الخط الحدودي بين أرمينيا وإيران لقطع الصلة بينهما ولتصبح أرمينيا بالكامل تحت سيطرة تركيا. 

الدور الروسي 

ظهر الدور الروسي في ممر زانجيزور في اتفاق المعابر والممرات الذي تم الاتفاق عليه بعد حرب 2020، بين باكو ويريفان، والذي يتضمن إنشاء الممر المُشار إليه، وبموجب البند التاسع من هذا الاتفاق، سيتم ربط المنطقة المعزولة بأذربيجان عبر ممر زانجيزور؛ وهو ممر ضيق يمتد على طول الحدود بين أرمينيا وإيران ويخضع لدوريات من قبل "جهاز الأمن الفدرالي الروسي".

تعد موسكو المشرفة على الممر الجديد وفقا لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي ينص على أن "يُسيطر" حرس الحدود الروسي على خطوط النقل الجديدة، و في أعقاب الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى العاصمة الأذربيجانية باكو، في 18 أغسطس 2024، شدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تأكيد ضرورة تنفيذ أرمينيا اتفاق المعابر والممرات الذي تم الاتفاق عليه بعد حرب 2020، بين باكو ويريفان، والذي يتضمن إنشاء الممر المُشار إليه.

وتطرقت يعقوبيان إلى الدور الروسي في المشروع، مبينة أن موسكو هي من الداعمين الرئيسيين في المشروع، رغم انشغالها في الحرب الروسية الأوكرانية، كما أن المشروع يساعد موسكو في توطيد علاقتها مع أذربيجان وتركيا، واستثمار علاقتها مع الجانبين، بالإضافة إلى تحجيم الدور الإيراني، ولا يخفي على أحد وجود سباق بين طهران وموسكو حول النفوذ والسيطرة وهو ما اتضح في سوريا.

وأوضحت المديرة التنفيذية للهيئة الوطنية الأرمينية دوافع موسكو للتحكم في المعبر، والتي منها  أن دول آسيا الوسطى تعتبر من دول الاتحاد السوفيتي السابق، وهي الحديقة الخلفية لروسيا، ولذلك لن تسمح بأن يستخدم الممر لنشر الفكر الطوراني، ولذلك تريد أن تتحكم في المعبر، ولا تريد أن تترك الأتراك يسرحون ويمرحون في المعبر وحدهم، ولذلك تطالب بإشراف روسي كامل على المعبر
بالإضافة إلى أن العلاقات بين روسيا وأرمينيا في اسوأ أوقاتها، وذلك بعد توجه يريفان نحو الغرب.

"روسيا أصبحت غير مفهومة بالنسبة لنا" بتلك الكلمات وصف رئيس الهيئة التأسيسية للمجلس الوطني الأعلى لأرمن أرمينيا الغربية الدور الروسي مبيناً أن روسيا تساير الأتراك ولكن تشترط أن يكون الممر تحت سيطرة روسيا، وهو الأمر الذي ترفضه أرمينيا والتي تشترط المرور من الأراضي الأرمنية وتحت السيطرة الكاملة لدولة أرمينيا الأمر الذي ترفضه تركيا وروسيا معاً.

وشدد السياسي الارميني، أن أصل هدف المشروع الطوراني الذي يسعى المشروع لاحياءه هو عزل روسيا، ولذلك هي تصر على الاحتفاظ بالسيطرة على الممر في حال إعطائه لتركيا وأذربيجان، مبيناً أن ما هو غير مفهوم بالسياسة الروسية أنها تعتقد أنها تستطيع التخلي عن أرمينيا وتعتمد فقط على قوتها العسكرية وهذا خطأ جسيم، وكان الأحرى بها صيانة علاقتها مع أرمينيا تحت أي ظرف كان وتقويتها في تلك البقعة الاستراتيجية في العالم. 

يظل السؤال الشائك حول مدى إمكانية تنفيذ المشروع في إطار الرفض الإيراني والارمني والرغبة الملحة لدى تركيا وروسيا واذربيجان.

ويتفق كلا المحللان على استحالة تنفيذ المشروع في الوقت الراهن، حيث ترى المديرة التنفيذية للهيئة الوطنية الأرمينية أن  المشروع سيظل حبر على ورق بسبب الفيتو الإيراني والارمني، والإيرانيين زاروا أرمينيا وشددوا على وحدة أراضي الأرمينية وهي بذلك تتحدث بشكل مباشر أنها ضد فتح الممر، وهناك خلاف غير ظاهر للعلن بين إيران وروسيا وتركيا حول الممر رغم كونهم متفقين في ملفات اخرى مثل الملف السوري والعديد من الاتفاقيات الاستراتيجية بين الأطراف الثلاثة. 

كما يؤكد "ساركيسيان" بأنه لن يتحقق هذا الممر، لأن إيران جادة برفضها وتستطيع منع الممر، بينما أرمينيا لا تملك سبل منعه وتعتمد بذلك على إيران.