الذكرى السابعة لمجزرة كوباني: لن ننسى اللحظات المؤلمة والأيام السوداء

مضى على مجزرة كوباني 7 أعوام، وماتزال آثار ذلك اليوم الأسود محفورة في كل منزل في كوباني، لن تُنسى تلك اللحظات المؤلمة أبداً.

قامت عصابات داعش بالتعاون مع دولة الاحتلال التركي بشن هجوم على كوباني بعد تحريرها على ما يقارب 5 أشهر، حيث استشهد نتيجة هذا الهجوم العدواني ما يقارب 233 شخصاً، كما أصيب المئات من الاشخاص.

هاجمت عصابات داعش مدينة كوباني في 15 أيلول عام 2014 من جهاتها الثلاثة، الغرب والجنوب والشرق، احتلت داعش 350 قرية في كوباني، وبعدها هاجمت مركز مدينة كوباني، لكن بفضل مقاومة ونضال مقاتلي وحدات حماية الشعب (YPG) ووحدات حماية المرأة(YPJ) تم هزيمة داعش في 26 كانون الثاني عام 2015 حيث تلقى داعش ضربات كبيرة وكسرت شوكته آنذاك.

لم تتلقى داعش وحدها هذه الضربة الكبيرة، بل دولة الاحتلال التركي أيضاً، لأنها كانت تدير هذه العصابات الإرهابية، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقول في ذلك الوقت "ستسقط كوباني وها هي على وشك السقوط "، لكن هذه الكلمات لم تنال من عزيمة ونضال وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة بل على العكس رفعت من معنوياتهم، في 25 حزيران عام 2015 هاجمت داعش مدينة كوباني من جديد مما أدى إلى استشهاد أكثر من 233 من بينهم أطفال ونساء وشيوخ.

استشهد ما يقارب من 27 مدنياً في قرية برخ باتان، التي تبعد عن مدينة كوباني 27 كيلومتراً من الجهة الجنوبية، قرية برخ باتان قرية معروفة بوطنيتها، حيث قدمت الكثير من التضحيات في ثورة روج آفا، والثورة في كردستان، وقد لعبت دوراً مهماً في ثورة روج آفا، كما أنها أبدت مقاومة ونضال لا مثيل له ضد عصابات داعش وجبهة النصرة. 

حاولت الدولة التركية بشتى الوسائل والطرق كسر إرادة ومقاومة شعوب المنطقة من خلال عصابات داعش وجبهة النصرة ومرتزقة ما تسمى بـ "الجيش الحر"، حيث هاجمت دائماً للقضاء على الادارة الذاتية وتدميرها.

كما إن مجزرة كوباني وقرية برخ باتان كانت من أكثر الاحداث دموية على الأراضي السورية، في يوم 25 حزيران عام 2015، هاجمت العشرات من عصابات داعش، قرية برخ باتان ومدينة كوباني، ونفذت مجزرة وحشية بحق المدنيين، حيث استشهد 233 مدنياً من بينهم 27 شخصاً من قرية برخ باتان.

لماذا كوباني؟

تقع مدينة كوباني في شمال وشرق سوريا على الحدود السورية التركية، تبعد 30 كيلومتراً شرقي نهر الفرات وحوالي 150 كيلومتراً شمال شرق حلب.

تحررت كوباني من سيطرة قوات حكومة دمشق في 19 تموز عام 2019، وكانت المدينة الكردية الاولى التي تحررت من سيطرة الحكومة السورية.

قام أهالي كوباني، بتأسيس ادارة ذاتية وتشكيل قوات عسكرية خاصة بها مثل منطقتي عفرين والجزيرة، لكن وجود هذه القوة والادارة الذاتية لم ترق لتركيا ومرتزقتها في هذه الجغرافية السورية، لذلك تابعت في كانون الثاني عام 2014، بمراقبة الإدارة الذاتية في الجزيرة وكوباني وعفرين عن كثب من كل الاطراف.

وبدأت في 15 أيلول عام 2014 هجوماً كبيراً على كوباني وقراها، حيث احتلت معظم القرى وأكثر من نصف المدينة في وقت قصير من قبل داعش، لكن وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة دافعت عن مدينة كوباني وحررتها بعد 134 يوماً من المقاومة المستمرة، بالكامل في 26 كانون الثاني عام 2015.

لهذا بدأت وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة بحملة لتحرير جميع قرى كوباني ووصلوا الى كري سبي في الشرق، وعين عيسى في الجنوب الشرقي، والقرى المحيطة في ناحية صرين في جنوب مدينة كوباني والتي تحررت بالكامل، كما تم تحرير كوباني، واحيائها والقرى المحيطة بشكل كامل بعد عدة أشهر.

دخلت داعش مدينة كوباني بعد هزيمة تلو الأخرى، ارتكبت مجزرة وحشية ضد المدنيين رداً على هزائمها في المنطقة، للانتقام من هزيمتها وهزيمة تركيا التي كانت تساندها.

اقتحمت عصابات داعش مدينة كوباني وعدد من قراها في حوالي الساعة الرابعة فجراً يوم 25 حزيران. وبحسب شهود عيان على الحادثة، تم تنفيذ مجازر وحشية بطرق القتل وقطع الرؤوس بالإضافة الى عمليات القنص والتفجيرات الانتحارية.

حيث نفذت عصابات داعش مجازر وحشية بحق الاهالي في الاحياء، بالقرب من فرن علي ومبنى مجلس ناحية كوباني، على طريق حلب، جنوب المدينة، في محيط محطة البنزين مصطفى درويش على طريق شيران، في شرق المدينة، وخاصة أحياء كانيا كردان ومكتلا، في حي الجمارك شمال المدينة، في مركز المدينة بالقرب من ساحة الحرية، في سوق الهال القديم، مشفى مشتنور، شارع 48، في قرية طرمك، قرية برخ باتان.

دخلت عصابات داعش الأحياء المحاصرة، وظل اهالي المدينة محاصرين لمدة ثلاثة أيام، حيث تمكنت وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة بعد ذلك من تحرير المدنيين المحاصرين وإخراجهم بواسطة المدرعات وسيارات الإسعاف إلى خارج المدينة، خاصة في غابة كوباني التي نزح إليها المدنيين، وفي قرية مزرعة داوود التي بقي فيها المئات، عبر مئات الأشخاص الحدود إلى تركيا لمدة ليلتين وتم محاصرة المئات في روج آفا.

المذابح وصلت لمرحلة الإبادة

استخدم العديد من الاساليب الوحشية من قطع الرؤوس والقصف ضد الشعب في كوباني، حيث تم استخدام جميع الاسلحة المحرمة دولياً وضد الانسانية من قبل عصابات داعش ضد هؤلاء المدنيين.

داهمت عصابات داعش وعصابات الجيش الحر المدنيين في منازلهم باللباس والزي العسكري لوحدات حماية الشعب، وقتلوا كل شخص اعترض طريقهم.

وبحسب العديد من تقارير المنظمات المدنية، فقد وصلت المجازر التي قام بها عصابات داعش ضد الاهالي في كوباني الى مستوى الإبادة الجماعية.

وتحدثت الأم سارة حسن علي، زوجة الشهيد محمد حجي رشو، عن يوم مجزرة كوباني واستشهاد زوجها وقالت : " كان صوت الرصاص عالياً في الساعة الخامسة صباحاً، حيث قيل لنا أن هذه الأصوات هي الاحتفال بتحرير صرين، كان الشهيد محمد ينظر إلى ذلك المشهد عبر النافذة ، فقلت له أن يبتعد قليلاً حتى لا يصل الرصاص اليه، فرد علي ما زلتِ تخافين، وخرج الى الساحة ليرى ما يجري، ورأى صديقه علي الذي كان بالخارج ايضاً وقال له سوف ابتعد قليلا لأرى ماذا يجري هناك ، فتوجه الاثنان الى مكان الهلال الأحمر معاً، وهناك رأينا بعض الأشخاص مرتدين لباس وزي  وحدات حماية الشعب ورافعين اعلامهم، كنا نظن أنهم مقاتلون، لكن كانوا عصابات ومرتزقة داعش ممن اتوا الى مدينة كوباني في الليل ".

وأضافت الأم سارة قائلةً: “سألت تلك المجموعة من المرتزقة محمد باللغة العربية وقالت من أنتم؟ أجاب محمد، نحن أصدقاؤكم، نحن أيضاً كرد، عندما قال محمد ذلك قال هؤلاء المرتزقة أطلقوا عليهم النار، حينها استشهد محمد وأصيب صديقه علي بجروح خطيرة، وبعد إصابة علي، قال المرتزقة إن عملهم قد أنتهى ومن ثم غادروا المكان، وفي لحظة مغادرة المرتزقة، عاد علي بسرعة إلى منزله في سيارة، عندما عاد إلى المنزل، اجتمع الجميع حوله، وفي تلك الأثناء، فقط علي من تكلم وقال أن محمد معي لا تخافي، لم نكن نعرف بأنه استشهد، فنحن نعرف فقط أن علي يقول إن محمد معي".

كما وقع انفجار  قوي عند البوابة الحدودية التركية في ذلك الوقت، عندها عرف الشعب أن هذا الانفجار ليس احتفالية الانتصار، إنما هو لحظة توغل العدو إلى مدينة كوباني، وتحدثت الأم سارة بقلب مملوء بالألم والأسى عن لحظة سماعها لنبأ استشهاد زوجها، وفقاً لحديثها، رأت أن السيارة توقفت أمام منزلها ونزل منها علي، و قال لها أن العم حامد قد استشهد، وأضافت الأم سارة قائلةً: “ أبنائي  قالوا نريد أن نأخذ والدنا إلى المشفى، وأرادوا نقل ابن عمي إلى المشفى، لكن المرتزقة حاصرت المشفى مرة أخرى، ومن ثم تمكن أبنائي الأثنين الوصول إلي بسيارة الإسعاف، وبالتالي قال لنا مقاتلو وحدات حماية الشعب (YPG) إنه علينا مغادرة المنزل".

وذكرت الأم سارة، أن "هذا اليوم كان يوماً أسوداً، فليذهب ولا يعود مرة أخرى"، وقالت في ختام حديثها، "لم يستشهد افراد من عائلتنا فقط، وإنما وصل سبعة إلى تسعة أشخاص من بعض العوائل الوطنية، إلى مرتبة الشهادة".

كما تحدثت ابنة وأخت الشهيدين محمود ونوري، حليمة عن استشهاد والدها وشقيقها، وقالت: “كان يوم حدوث مجزرة كوباني يوماً أسوداً، قبل يوم من المجزرة، كان بعض الأقارب من مدينة الرقة في زيارتنا، استيقظنا في الساعة 05:18 صباحاً على دوي انفجار قوي، لم نكن نعرف ما حدث، وما رأينا هو الدماء والجثث الملقاة على الأرض، حينها قالت عمتي أن هناك شخص مجهول مصاب داخل المنزل، ولم تكن تعلم أن الشخص المصاب المجهول هو روج ابنتها.

خرجت ورأيت أن الجميع يصرخون ويولولون ويبكون، كما أني رأيت أن هناك جثمان شخص ما أمام بابنا ويقف عمي إلى جانبه ويبكي عليه، عندما وصلنا إليه اتضح أن الشهيد هو زوج عمتي، وتصرخ والدتي وعمتي ويدعون أبي، فقط أسمع أصواتهن وهن تقلن رحل لقد رحل، نادتني جارتي وقالت هل تبحثين عن والدك؟ قلت نعم، قالت هذا هو والدك، ورأيت جثمان على الأرض، وهرعت إليه لكنهم لم يسمحوا لي بالنظر إلى والدي، عندما وصلت إلى والدي، ارتجفت ركبتاي، فقط رأيت أن والدي كان على الأرض، ناديته وبكيت وصرخت، لكن والدي لم يرد، كان أملي الوحيد هو نهوضه وقوله بأنه كان نائماً.

ثم قالوا أن الوضع ليس جيداً وكان علينا نقله إلى المستشفى، لقد نسينا أخانا هناك، ولم نكن نعلم أين هو، هل هو مستشهد أم لا، كان يوجد جثمان لطفل في غرفة المستشفى، لم نكن نعلم أنه جثمان أخي، ونحن في المستشفى حوصرنا من قبل المرتزقة، وبقينا محاصرين لفترة طويلة، وثم توغلنا في غابة كوباني، لكننا كنا ما زلنا لا نعرف إذا كان أخي قد استشهد أيضاً أم لا، فقط كانوا قد أخبرونا بأنه مصاب ويتعالج في شمال كردستان، وبعد ثلاثة أيام طلبوا منا استلام جثامين شهدائنا من أجل دفنهم، لكن عمي لم يسمح لنا بذلك، حيث شيع الشعب جثمان والدي، وبعد أن ووري جثمان أبي إلى مثواه الأخير، قيل لوالدتي أن أبنك لم يتم التعرف عليه، ولا شيء يتضح بشأنه، لا يوجد وصف هذه الأحداث المأساوية التي عشناها في ذلك الوقت، تلطخ، ملابسنا، حياتنا وكل شيء بالدم".

وبدورها تحدثت ابنة الشهيد إبراهيم وأسمهان، آلجين إبراهيم، عن أيام مجزرة كوباني واستشهاد والديها، وقالت: “مشاهد مجزرة كوباني دائماً أمام أعيينا، ذلك اليوم هو يوم أسود بالنسبة لنا، نفذت هذه المجزرة في وقت كان الناس نائمين، في البداية وقع الانفجار أمام البوابة الحدودية، في ذلك الوقت خرج والداي وأعمامي وسألوا، قال إن سيارة انفجرت على الحدود، وذهب والدي إلى مكان الحدث دون سلاح، وكان يناديه عمي لأجل العودة، لكن والدي ذهب ولم يستمع لمناداة عمي، وادخلوا والدتي للمنزل، وقال عمي إن الرصاصة أصابت إبراهيم، وفي ذلك الوقت، ألقت والدتي، التي كانت ترضع أخي البالغ من العمر 9 أشهر، زجاجة حليبه على الأرض وهرعت  إلى الخارج، وأنا أيضاً لحقتها في الخروج، لكن وأثناء محاولة والدتي رفع والدي من على الأرض، استهدف المرتزقة والدتي بطلقات الرصاص، ورأيت أن الرصاصة أصابت والدتي أيضاً.

عندما خرجت رأيت مرتزقة تنظيم داعش الإرهابي بين الأشجار وكانت تشتد أصوات الرصاص، لقد صدمت في تلك اللحظة، رأيت أمي تبكي ووصلت إلى باب جيراننا، فقط أخبرتني أن أرفع يديها وانزلها، وأشعر أن يدي أصبحتا مثقلتين، تقول لي انت اذهب، والدي أيضاً أصيب، وقد وضع يده على رأسه، لكنني لم أستطع الذهاب إلى والدي، لأن المرتزقة كانوا قريبين منا، وفي ذلك الوقت، أخرجنا مقاتلو وحدات حماية الشعب (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ) من هناك وأخذونا إلى غابة كوباني.