انتفاضة آمد في 28 آذار...الشرارة الأولى

وصلت انتفاضة آمد عام 2006 والتي بدأت بـ "الحجر الأول"، إلى هدفها ضد فاشية حزب العدالة والتنمية في جميع أنحاء كردستان، وفي مقدمتها في آمد، وأصبحت من أهم فترات حركة الحرية الكردية.

يقول فرانز فانون: "إن طبيعة الثورة ليست النضال من أجل الخبز، إنها النضال من أجل كرامة الإنسان" ويشير إلى أن المجتمعات التي ترزح تحت الاحتلال، وعبر إطلاقها الرصاصة الأولى ضد الاحتلال، فإنها تصيب نفسها في البداية، بعد الرصاصة الأولى، يتم قتل الشخص العبيد والمضطهد والخانع والخائف وبناء حياة جديدة مكان ذلك الشخص، فرانز فانون من خلال نظرية الطلقة الأولى، أصبح نوراً للمجتمعات التي ترزح تحت الاحتلال وقال الحقيقة.

في كردستان والتي ترزح بكافة اجزائها تحت الاحتلال، تم إطلاق الرصاصة الأولى من قبل حركة التحرر الكردستانية في عام 1984 وبدأت المقاومة العظيمة لحزب العمال الكردستاني (PKK) والتي تعيش الآن في عامها الخمسين، ومنذ ذلك الوقت، تحدث انتفاضات مهيبة وحاشدة في كافة أجزاء كردستان.

وإحدى هذه الانتفاضات حدثت في 28 آذار 2006 في مدينة آمد الكردستانية، فلنركز على الشرارة الأولى التي أشعلت ضد الاحتلال التركي في هذه الانتفاضة البالغة من العمر 16 عام.

إعلان الكونفدرالية الديمقراطية

في آذار 2005 تم الاحتفال بعيد نوروز في مدينة آمد بمشاركة حشود غفيرة حيث بلغ مئات الآلاف من الشعب الكردي، وقد تم الإعلان عن "الكونفدرالية الديمقراطية" باسم القائد عبد الله اوجلان في نوروز ذاك العام، في هذا العيد الذي أطلق فيه حمائم السلام، انتقد رئيس حزب الشعب الديمقراطي (DEHAP) تونجر باكيرهان موقف حزب العدالة والتنمية حيال القضية الكردية وقال " السيد رئيس الوزراء، لا يمكن حل القضية الكردية عسكرياً، إذا استمر هذا الوضع، سوف يحدث لكم ما حدث لحزب الوطن الأم (ANAP) وحزب اليسار الديمقراطي (DSP)، لا نتوقع الحل من أمريكا أو الاتحاد الأوربي، سوف نحل القضية مع الدولة التركية، ممثلو الشعب الكردي مستعدون لحل القضية الكردية في وقت قصير و خلال مدة ثلاثة اشهر، وقد حان الوقت لمناقشة فكرة الكونفدرالية الديمقراطية التي طرحها القائد أوجلان، فلو تعتبرون ذلك خطأ ً، فليقرر الشعوب التركية ذلك.

كذبة " قضية الشعب الكردي هي قضيتي"

اعلان الكونفدرالية الديمقراطية التي طرحها القائد عبد الله اوجلان من أجل حل القضية الكردية، كانت خطوة مهمة من أجل حل القضية الكردية بالطرق السلمية، في الثاني عشر من آب 2005، عندما كان رجب طيب اردوغان رئيساً للوزراء، صرح في آمد بالقول" إن القضية الكردية هي قضيتي" وأشار الى الحل الديمقراطي للقضية الكردية.

في تلك الفترة، قامت حركة المجتمع الديمقراطي (TCD)للمرة الأولى بتنظيم المجتمع وحققت نتائج ملموسة، حيث بدأت بحملة " مسيرة كملك" و " القائد هو إرادتي" في أيلول 2005.

وفي 21 آذار نوروز آمد عام 2006 شارك مئات الآلاف من الشعب الكردي ودون أن يعلموا بأن هناك مجزرة تنتظرهم بعد ثلاثة أيام، وهتفوا بشعارات السلام.

وفي الرابع والعشرين من آذار 2006 قيل بأنها يمكن أن تكون الشرارة الأولى لانتفاضة آمد، حيث قام جيش الاحتلال التركي باستخدام السلاح الكيماوي ضد مقاتلي الكريلا وبالتعاون من الاستخبارات وطائرات الاستطلاع في منطقة شانيايلا في جنوب موش، حيث استشهد نتيجتها 14 مقاتل من قوات الدفاع الشعبي (HPG)، وبالرغم من مطالبات السلام لم تتوقف حكومة حزب العدالة والتنمية، وبعد مرور عام، وفقًا لـ "القضية الكردية هي قضيتي"، أظهرت الفاشية نفسها مرة أخرى، لكن رد فعل الشعب الكردي على هذه المجزرة كان أكبر مما كان متوقعاً.

28 آذار كان الحجرة الأولى

وبدأت انتفاضة آمد، حيث سخرت الحركات السياسية الكردية عامة امكانياتها التنظيمية لأجل ذلك، ومهما كانت التضحيات، تبنوا شهداؤهم، وساروا في طريقهم في 27 آذار من أجل استلام جثامينهم من المشفى الحكومي في ملاطيا، حيث كان سيتم ارسال جثامين شهيدين ممن جلبوهم الى آمد، إلى ايله وسيرت، حيث كان مكان الاجتماع شارع المدينة في باغلار، وقد توجه الشعب إلى هذه المنطقة القريبة من مقبرة يني كوي، حيث سيوارى جثامين الشهداء فيها، كما تجمعت حشود غفيرة أمام جامع شفيق أفندي وايضاً اغلق أصحاب المتاجر في آمد محلاتهم.

بعد دفن جثامين المقاتلين بولنت تانيشيك ومظفر بهلوان وفاتح جتين ومحمود غولر في مقبرة يني كوي، تحدث البرلماني السابق في حزب الديمقراطية (DEP) خطيب دجلة وقال:" في نوروز، طالب الشعب بالسلام، ولكن في 24 آذار رد الجيش التركي بارتكاب مجزرة، وهذا يدل على عدم احترام الشعب الكردي، في تلك الاثناء حاصرت القوات الخاصة للشرطة التركية المقبرة في محاولة لتفريق الحشد، ولكن المرأة الكردية والشبيبة الكردية كانوا قد قاموا بتنظيم الشعب ومستعدون، حيث ان الشبيبة الكردية التي كانت تقود الحشد الجماهيري قد رمت الحجرة الأولى وبدأت الاشتباكات في محيط مخفر 10 نيسان في باغلار وبالقرب من مقبرة يني كوي، هذه المرحلة التي كانت كبداية عادية للاشتباكات، تحولت الى حرب المدن وتحولت في كردستان الى انتفاضة شاملة.

واستخدمت قوات الشرطة القنابل الغازية والسلاح ضد الشعب، كما جابهت الشبيبة المنظمة والبالغ عددهم 150 شخص قوات الشرطة بالمولوتوف كوكتيل والحجارة، وانتشرت الانتفاضة من باغلار في آمد الى ناحية بياسة ويني شهر وسور ومنها الى عموم كردستان، كانت الانتفاضة مستعرة في شارع كورو جشمه ووسط باغلار وبوابة ماردين وحي مليك أحمد وشارع أوريل مدينة وشوارع سقاريا وأمك، وقد أصيب سبعون شخصاً خلال هذه الاشتباكات، كما تم اعتقال مائة شخص منهم 29 طفل، حيث ان الطفل محمد آكبولوت (18) عام وخليل سوغوت (78) عام كانت إصابتهم بليغة منذ اليوم الأول وبعد عدة أيام فقدو حياتهم واصبحوا الشهداء الأوائل للانتفاضة.

في اليوم الأول أي في يوم الثلاثاء في 28 آذار، ومن أجل الّا يتصاعد وتيرة الصراع، التقى المسؤولون في حزب المجتمع الديمقراطي (DTP) ورئيس بلدية آمد اوصمان بايدمير مع المسؤولون الاتراك ومع المنتفضين، ونتيجتها انتهت الاشتباكات في الساعة 21:30.

مبادرة الشعب في آمد، دعت من أجل دعم ومساندة الانتفاضة

في 29 آذار يوم الأربعاء، تصاعدت وتيرة الاشتباكات واستمرت، تصدرت حركة المواطنين الأحرار والمجالس الشعبية مع الحركات النسائية والشبابية زمام المبادرة، وأغلق أصحاب المحال التجارية مرة أخرى متاجرهم وأقاموا حواجز في عدة أحياء، كما وصلت الاحتجاجات إلى جامعة دجلة وتم مقاطعة الدروس، وكانت الشرطة تقوم بتفتيش كل الداخلين والخارجين وتعتقل المواطنين عشوائياً، في 29 آذار يوم الأربعاء أصيب 28 شخصاً بالسلاح، منهم طارق آتاي كايا(22) عام وإسماعيل أركك(8) أعوام ومحمد ايشيكجي (19) عام فقد حياته نتيجة اصابته البليغة واتقى الى مرتبة الشهادة.

ودعت كل من مبادرة الشعب في آمد والمؤتمر الوطني الكردستاني الشعب الكردي وكرد أوروبا والمدن الأخرى والرأي العام العالمي الى دعم الانتفاضة، في اليوم الثاني، تعدت الانتفاضة حدود المدينة ووصلت الى ايله وجولمرك ورها وسيرت وشرناخ وماردين وديرسم ووان، كما شملت كافة مناطق سرحد، فاشية حزب العدالة والتنمية استخدمت مرةً أخرى جيشها ونشرته في الشوارع، قام الجيش التركي بنقل عدد كبير من الأفراد والدبابات والعربات المدرعة من اللواء 16 مدرع في منطقة أرزنجان إلى قيادة الكتيبة السابعة للجيش في سيران تبه في الصباح، ونشرت عدة دبابات وعربات عسكرية في منطقة المكاتب ومنطقة المحطة.

في يوم الأربعاء 29 آذار، التقى الوالي آنذاك أفكان علاء بقادة حزب المجتمع الديمقراطي والمتظاهرين، حيث توقف الصراع في ليلة 29 آذار في الساعة 23:00، في نفس اليوم استشهد 3 اشخاص واعتقل 200 شخص وجرح 130 شرطياً.

كان ذلك في 30 آذار 2006، نمت المقاومة ومع نمو المقاومة هاجمت فاشية حزب العدالة والتنمية الشعب بكل قوتها، لدفن جثامين أولئك الذين فقدوا حياتهم خلال الانتفاضة، تجمع الشعب في اليوم التالي في جادة المدينة، استؤنف القتال أمام مخفر الشرطة 10 نيسان على طريق مقبرة يني كوي، تم إطلاق النار على أنس آتا (6 أعوام) وإسماعيل أركك (8 أعوام) من المخفر حيث فقد الطفلان حياتهما، وفي اليوم نفسه، فُقِدَ محسون مزراق (17 عامًا) الذي كان معتقلاً في السجن، وعثر عليه بعد أربعة أيام على أنه "جثة مجهولة الهوية"، شهيد آخر هو الياس آكتاش، الذي كان يعمل في المجال الإعلامي، وكان موظفاً في صحيفة "الديمقراطية الثورية من أجل الشعب"، ودرس في الصف الثاني في قسم الهندسة المعمارية في جامعة دجلة، أصيب آكتاش برصاصة في عينه في 30 آذار واستشهد في 7 نيسان.

في اليوم الرابع من الانتفاضة أي في 31 آذار 2006، استؤنف القتال في آمد، لم يفتح أصحاب المتاجر في جميع أنحاء المدينة متاجرهم مرة أخرى، قررت فاشية حزب العدالة والتنمية، التي كانت تخشى حتى جثث الأطفال الصغيرة، دفن جثتي أنس آتا وإسماعيل أركك في الساعة الخامسة صباحاً وبحضور عائلاته فقط، لم يسمح لهم بدفنهم في وسط المدينة، حيث تم دفن جثتا أنس آتا وإسماعيل إركك في صمت.

خلال انتفاضة آمد التي اندلعت في 28 آذار، تم اعتقال 563 شخصاً، 200 منهم من الأطفال، وسجن 91 طفلاً من أصل 382شخص، وتعرض الأشخاص الموقوفون للتعذيب الممنهج، وأصيب 161 شخصاً، قُتل 14 شخصاً بالرصاص أو بالضرب، وكان من بين القتلى كان هناك 7 أطفال.

في الأول من نيسان، وصلت انتفاضة آمد والتي بدأت بـ "الحجر الأول"، إلى هدفها في كل شبر من كردستان وفي مقدمتها في آمد بالرغم من الظلم وعظمة قوة فاشية حزب العدالة والتنمية، وأصبحت من أهم فترات حركة الحرية الكردية. ‏

جرح له علاقة مع الانتفاضة

في الأيام الأولى لانتفاضة آمد، قال رئيس الوزراء آنذاك، رجب طيب أردوغان في كلمة له: "ستتدخل قواتنا الأمنية، أياً كان المحتجون، سواءً أكانوا أطفالاً أم نساءً".

نور الدين دميرتاش، عضو لجنة التعليم في حزب العمال الكردستاني الذي شهد الصراع ونجا منه، قال في مقابلة إنه تم تقديم طلبين لهم أثناء وجودهم في مديرية الأمن، كما علق على هذه المطالب:

عندما كنا في مديرية الأمن طلبوا منا أمرين: الأول هي وقف الانتفاضة وكان ردنا واضحاً، لم نكن نحن من بدأنا بها لكي نوقفها، بل كانت ردة فعل الشعب تجاه المجزرة، والثاني، أخبروا مراد قره يلان، أنه إذا أوقف الاحتجاجات في المدن، وبالأخص عدم ارسال مقاتلو قوات الدفاع الشعبي (HPG) الخاصة إلى المدن، سيبدأ رئيس الوزراء أردوغان بعملية سياسية للتوصل إلى حل، وطلبوا منا إبلاغه هذا الشيء بشكل فوري".