عفرين التاريخ والحضارة ومقاومة العصر

تقع منطقة جبل الكرد أو كرد داغ القديمة في أقصى الزاوية الشمالية من الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وتشغل الزاوية الشمالية الغربية من قوس الهلال الخصيب وسورية، وتعتبر مرتفعاتها من النهايات الجنوبية الغربية لجبال طوروس.

عفرين في اللغة الكردية تعني التربة الحمراء الغنية بالماء والتي تلعب دوراً مهماً وأساسياً في العطاء والنماء، وتشتق كلمة عفرين  من كلمة “آف” أي بمعنى “الماء”، واسمها يلتقي مع اسم آفرين الذي ذكره المؤرخ سترابون في القرن الخامس قبل الميلاد، حيث ظهر الإنسان القديم مثل أركتوس ونياندرتال في هذه المنطقة وتحديداً في منطقة جياي كورمنج أي عفرين الآن، وقد ترك أثاراً في كهوفها مثل كهف دودري ثم تعاقبت على عفرين حضارات تاريخية أصيلة كالحضارة الهورية، الجودية، الميتانية، الآشورية، الميدية، الفارسية، البيزنطية، الإسلامية، العثمانية ثم سوريا الحالية، وتكثر في عفرين الأثار التاريخية التي يعود عمرها إلى عهد الامبراطورية الهورية الكردية والتي أقامت مملكة الالاخ عام 2700 قبل الميلاد في سهل همك على نهر العاصي؛ وكذلك أثار عنداره وقلعة النبي هورو التي تشهد قبر القائد هوريان بن حنان والذي كان قائداً للنبي داؤود كما وبنى اليونانيون على قبره قلعة في عام 300 قبل الميلاد على يد القائد سلوقس بن كاتوت سميت بـ: قلعة كورش.

بعد التخلص من الاحتلال العثماني وفي بداية تشكل سوريا الحديثة تم تقسيم شمال عفرين في عام 1922 بين سوريا و تركيا، ثم شهدت عفرين حركة عمرانية حديثة مهمة.

عفرين في تاريخها الحديث كما في تاريخها القديم لعبت دوراً وطنياً كبيراً حيث أطلق محو ايبو شاشو عام 1939 أول طلقة في وجه الاستعمار الفرنسي ومن بعدها قاد حركة ثورية استمرت إلى أربعينات القرن المنصرم وكذلك ابراهيم هنانو الابن البار لعفرين وقائد ثورة الشمال السوري ذو الفضل الأكبر في استقلال سوريا كان أحد الأبطال والشخصيات الكردية آنذاك، كما ولعفرين فضل على مصر حيث خرج من أحشائها الثائر سليمان الحلبي الذي قتل كليبر عام 1880. أما عفرين إبان الأزمة السورية عام 2011 حافظت على استقلاليتها وهي تبني وتدافع عن نفسها في وجه المجاميع الإسلامية المتطرفة، واحتضنت ما يقارب نصف مليون نازح سوري حمتهم تحت ظلال أشجارها وكان لها الفضل في نجاة هؤلاء من القتل والتدمير وهي تعتمد على أبنائها ومواطنيها ووحدات حماية الشعب والمرأة وفي الحفاظ على أمانها واستقرارها.

هذه نبذة بسيطة عن تاريخ مدينة كردية مسالمة تنتفض كي لا تقبع تحت نير حكومة فاشية (حكومة العدالة والتنمية).

الموقع والمساحة والتضاريس

 تقع عفرين في أقصى الزاوية الشمالية الغربية لسوريا تقع على الحدود السورية التركية، يحدها من الغرب سهل العمق في لواء اسكندرون والنهر الأسود الذي يرسم في تلك المنطقة خط الحدود، من الشمال خط سكة القطار المار من ميدان أكبس حتى كلس في تركيا، من الشرق سهل اعزاز ومن الجنوب منطقة جبل سمعان، عفرين تبعد عن مركز مدينة حلب بنحو 60كم وتحاذي ولاية هاتاي على عكس منطقتي كوباني والجزيرة تقع عفرين في نقطة بعيدة نسبياً عن المناطق الكردية الأخرى ولا تحاذيها مدن ومناطق عربية ولا تجاورها من الناحية التركية مدن ولا قرى كردية.

تمتازعفرين بتنوع تضاريسها بين الجبال والسهول ويمر منها نهر عفرين الذي يعتبر من أهم المصادر التي تمد الأراضي الزراعية بالماء ويتراوح ارتفاع المدينة بين 700 -2-1296 م ويعتبر الجبل الكبير أو جيايي كري مزن أعلى قممها وتبلغ مساحتها 2 % من مساحة سوريا. وتتميز بمناخها المتوسطي صيفاً وشتاءً، بدرجة حرارة معتدلة، ومعدلات أمطار تتراوح سنوياً ما بين 400 -600 ملم، أما نهر عفرين يمر بالمدينة من الشمال إلى الجنوب ويرفده نهر سابون قرب الحدود التركية في الشمال، كما ويجري النهر الأسود على حدودها الغربية، إلى جانب تواجد العشرات من الينابيع والجداول في سهولها ووديانها أهم هذه السهول

سهل جومه الخصب يمتد لعشرات الكيلومترات على ضفتي نهر عفرين. إضافة إلى المناطق المنخفضة الأخرى بين المرتفعات الجبلية، وهي صالحة لمختلف أنواع الزراعات الموسمية والأشجار المثمرة، هضاب جبلية قليلة الارتفاع نسبياً، وهي صالحة للسكن والإقامة في مختلف فصول السنة، كما تناسب الرعي، وتتيح سفوحها القليلة الانحدار المجال للزراعات المنزلية الصغيرة والأشجار المثمرة. فمنحت هذه الخصائص الجغرافية مجتمعة، منطقة جبل الكرد فرصاً مواتية للسكن والاستيطان منذ العصور

كانت المنطقة لقرون طويلة، إحدى مناطق العبور الرئيسية من الأقسام العليا من بلاد الرافدين وبلاد الشام إلى ساحل البحر المتوسط وآسيا الصغرى، ومنها كانت تمر الطرق المؤدية إلى انِطاكية من جهتي الشمال والشرق هي منطقة غنية بالمياه، أراضيها خصبة. الأمر الذي جعل منها عبر العصور منطقة استيطان هامة، ومحل نزاع وتنافس بين دول وأقوام مختلفة عرقياً وحضارياً، ولذلك شهدت بعض أكبر الأحداث أهمية في التاريخ ويأخذ جبل الكرد، اسمه من القوم الذي يقيم في أرجائه وهم الكرد، وهي تسمية قديمة للجبل، ولا نعرف تسمية أخرى غيرها، واستعمله العثمانيون قبل ذلك، ويسميه الكرد بلهجتهم المحلية “جياي كرمانج”، والكرمانج هي تسمية لإحدى لهجات الكرد أيضاً.

تشير بعض المصادر إلى أن الاسم القديم لمنطقة عفرين هو جبل كرمانج وأطلق عليها اسم كورداغ خلال الاحتلال العثماني وبعد استقلال سوريا أطلق عليها اسم عفرين وتعني الماء، يبلغ عدد سكانها حسب احصائيات 2004 إلى أكثر من نصف مليون نسمة معظمهم من الكرد يتوزعون في القرى ومركز المدينة وتضم عفرين نحو 366 قرية و9 نواحي رئيسية ناحية جندريسه، شيه، شرا، ميدانكه، موباتا، شيراوا، بلبلة، بعدينا.

الاقتصاد

الزراعة: يعتمد النشاط الزراعي بمقاطعة عفرين أساساً على الزيتون إذ تضم 18 مليون شجرة زيتون ونحو ثلاثين الف شجرة رمان لقرب مقاطعة عفرين من البحر ولكونها منطقة جبلية يعتبر مناخها متوسطياً، حيث أنه معتدل صيفاً وبارد شتاءً والأمطار غزيرة نسبياً وتهطل الثلوج، لهذا تعتبر منطقة خصبة ونموذجية لمختلف أنواع المزروعات فالمناخ المتوسطي وجود الوديان والسهول والجبال وخصوبة التربة ووفرة المياه في منطقة عفرين جعلها منطقة زراعية بامتياز حيث تزرع الحبوب بكافة أنواعها من: القمح، العدس، الشعير… كما وتزرع الخضار بأنواعها والقطن والشوندر السكري والبطيخ والخيار والتفاح والحمضيات بالإضافة إلى مزروعات أخرى.

كما تتميز المنطقة بوجود غطاء حراجي طبيعي وصناعي كثيف وكبير نسبياً، إذ يعد الأكبر في محافظة حلب كلها. والأشجار الحراجية في معظمها صنوبرية إلى جانب السرو. وهذا الغطاء الحراجي يستفاد منه في استخراج الأخشاب وإنتاج البذور من أشجار الصنوبر المثمرة. كما يمكن الاستفادة من هذه الحراج في تنشيط السياحة.

تربية الحيوان: سابقاً طبيعة عفرين ووفرة المياه وكثرة الوديان أدى لوجود مراعي كثيرة فيها مما ساعد سكانها على تربية الماشية والتنقل بين هذه الوديان وعلى ضفاف الأنهار أما الأن فقد تراجعت هذه المهنة كثيراً ولا تلعب دوراً يذكر في حياة المنطقة الاقتصادية، وذلك لفقدان المراعي واستقرار السكان في قراهم منذ زمن طويل فلا وجود لقطعان الماشية ولكن توجد بعض الأسر التي تربي عدداً محدوداً من الماعز أو الغنم التي إنتاجها بالكاد يفي حاجة الأسرة ذاتها.

الصنـاعة: نجد في عفرين بعض الصناعات أهمها صناعة السجاد اليدوي التقليدية والصناعات المرتبطة بالزيتون حيث تعد عفرين من المناطق المشهورة في سوريا بالزيتون وتقوم بصناعة الزيت واستخراجه من الزيتون التي تشتهر به كما وتتميز بصناعة الصابون والبيرين والفحم وهذه تعتمد على زراعة الزيتون أيضاً وتتأثر به، مما أدى إلى انتشار المنشآت والمعامل والمصانع والمحلات التجارية الهامة في المدينة، هذا وتعتبر مقاطعة عفرين مركزاً تجارياً وإدارياً أكثر من مقاطعتي كوباني والجزيرة لأنها تضم معامل ومنشآت صناعية كبيرة خاصة تلك التي تعتمد على المنتجات الأولية ولا سيما الزراعية وإبان الأزمة السورية انتقلت الكثير من المعامل بحلب إلى عفرين بسبب الوضع الأمني المتدهور ومن هذه المعامل معامل الألبسة وورشات التطريز ومعامل الكونسروة ….الخياطة.

اجتماعياً

في القرن التاسع عشر توطدت السلطة المركزية في الدولة العثمانية في سوريا وترسخت على حساب الحكم الذاتي المحلي. مما أدى إلى زوال الزعامات التقليدية المحلية وظهور طبقة ارستقراطية جديدة تشكلت من ملاّكي الأرض الكبار – الإقطاعيين. وبالتالي فقدت الزعامات القديمة سلطتها ونفوذها مفسحة المجال للزعامات الجديدة. وهكذا اختفت العشائر والعلاقات العشائرية وتحولت البنية العشائرية لبنية إقطاعية. فبعد أن كان الزعيم يستمد سلطته ونفوذه سابقاً من العشيرة والأسرة أصبح يستمدها من قوته الاقتصادية، ومن اتساع رقعة الأرض التي يملكها. وبعد أن كان الولاء للعشيرة وشيخها، أصبح للأرض ومالكها الاقطاعي، فلم يعد الفلاح مرتبطاً بعشيرة أو زعيم معين، إنما بالأرض التي يعمل فيها وبالإقطاعي – الآغـا المالك لهذا تميزت بوجود عشائر كردية عديدة لعبت دوراً هاماً في حياة المنطقة وبقيت هذه العشائر يومنا هذا منها عشيرة مللي، عشيرة شيخان، رشوان، روباري، أمكا، شكاك، بيان، كوجر.

بالنسبة للمرأة العفرينية لها مكانة مرموقة فهي تساعد الرجل جنباً إلى جنب في كافة نواحي الحياة.

الناحية الخدمية والتعليمية:

كما نعلم أن اهتمام حكومة دمشق بمدينة عفرين والمناطق الكردية الأخرى من تأمين الخدمات كتعبيد الطرق وإقامة المشاريع وبناء المعامل يجري بشكل بطيء أو يكاد أن يكون معدوماً، كون المنطقة ذات أغلبية كردية ولكن وعي سكان المدينة وحبهم لمدينتهم وتمسكهم بأرضهم شجع كل هذا على تنمية القطاع الخاص في المدينة وكونها منطقة أثرية يقصدها السياح من كافة أنحاء العالم هذا ما شجع إلى بناء الفنادق والمطاعم التي توفر الخدمات الأساسية للزائرين والسياح أما بالنسبة إلى الناحية العلمية كما كل المناطق الكردية فإن نظام البعث كان يجبر الأهالي على الدراسة باللغة العربية ويتبع سياسة التعريب كما كانت مدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية في بعض المناطق والأهالي يعانون من صعوبات كثيرة في تعليم أبنائهم أما بالنسبة للمعاهد المتوسطة والجامعات فهذا عيب أن تبنى في مناطق كردية لذا على الطالب متابعة تعليمه في إحدى المحافظات الأخرى أما بعد الثورة تأسست هيئة التربية في مقاطعة عفرين من أجل تطوير وقيادة وحماية نظام تعليمي وتربوي ذو هوية وثقافة ولغة كردية بدون الاعتماد على الدولة في ظل الإدارة الذاتية الديمقراطية وعلى أساس الوصول إلى مجتمع ديمقراطي يصفان فيه جميع الحريات ولكل فئات المجتمع وتم تأسيس هيئة التربية من أجل خلق نظام تربوي معاصر اجتماعي أخلاقي ليكون الحجر الأساس بين الشعوب القاطنة في عفرين لذا كانت من أولويات الهيئة جعل اللغة الكردية هي اللغة الرسمية إلى جانب اللغة العربية والسريانية كما افتتحت جامعة في عفرين تضم مختلف الاختصاصات.

عفرين والأزمة السورية

في بداية الأزمة السورية وكأي بقعة من سوريا شاركت عفرين كمدينة سورية كردية الشعب السوري ووقفت مع سلمية الثورة وتمكن شعبها في من بناء إدارة في ظل غياب الأمن سورياً وحاولت تدارك الموقف بحماية مدينتها وتشكيل لجان حماية في بداية الأمر ثم تشكيل وحدات حماية الشعب والمرأة التي كان لها دور بارز في محاربة أقوى قوى إرهابية ظلامية في المنطقة والعالم ومن ثم تم تشكيل قوات سوريا الديمقراطية ومن ناحية أخرى كانت المنطقة تدار من قبل الإدارة الذاتية الديمقراطية التي حرصت بهيئاتها المختلفة على تأمين مستلزمات سكان المدينة ولكن الدولة الطورانية العثمانية كانت دائماً ومنذ اليوم الأول للثورة تهدد مقاطعة عفرين هذه المنطقة المسالمة التي أوت أكثر من نصف مليون لاجئ لا بل أبت دولة الاحتلال التركي أن تنقل نشاطها من دعم المجموعات الإرهابية من الجيش الحر المتواجد في الباب وإعزاز وجرابلس من أن تعزل عفرين عن المناطق وخاصة بعد طرح مشروع فدرالية الشمال السوري وتمنع التواصل الجغرافي بين مناطق روج آفا والشمال السوري ومنع وصل تلك المناطق بعضها ببعض لذا في 20/1/2018 أعلنت عن غزوها لهذه المدينة الآمنة بحجة تواجد إرهابين أي ارهاب تدعييه وهي التي أوت اللاجئين وحاربت داعش إلا أن أردوغان يفعل ما يفعله من قصف للمدنيين والأطفال والشيوخ والنساء وكذلك قصف النقاط الطبية والأماكن الأثرية ودور العبادة في ظل صمت دولي مريب

المقاومة في وجه الاحتلال التركي

شن جيش الاحتلال التركي في كانون الثاني عام 2018 أشرس هجوم إرهابي على إقليم عفرين، واستخدم أحدث الأسلحة الجوية والبرية وبمشاركة العديد من الفصائل المرتزقة، بهدف تدمير البنية التحتية للمنطقة وزعزعة الأمن واستقرارها وإضعاف مقاومة أهالي عفرين وإنكار قيمها التاريخية عبر أساليب سياسية وعسكرية همجية متعددة لتحقيق أحلامها وأطماعها الطورانية التوسعية، وتوطين الإرهاب من خلال عمليات التغيير الديمغرافي وبناء المستوطنات، ناهيك عن قطع الأشجار وتدمير الآثار وعمليات الاختطاف والقتل اليومية ونهب الممتلكات.

إن عفرين وأهلها وكل مكوناتها وشرائحها المجتمعية والثقافية ستبقى صاحبة أكبر مقاومة عصرية. المقاومة التي أدهشت الشعوب وأحرار العالم وأصحاب الضمائر الحية. ومازالت هذه المقاومة مستمرة ومستدامة بمبادئها وقيمها لحين تأمين عودة آمنة لأهالي عفرين إلى ديارهم.