وتُعتبر الربابة من أقدم وأشهر الآلات التي ما زال لها حضور قوي، في مجالس السمر، وأفراح البادية، والأرياف، ودائماً تكون أنغامها حاضرة في المهرجانات والاحتفالات الشعبية في الماضي والحاضر.
كيف تُصنع الربابة
وبعد انتشار الربابة في أرجاء المناطق الفراتية تطورت صناعتها، حيث تتألف من عصا طويلة هي عنق الربابة التي يركب عليها الوتر الوحيد، ومثبت أسفلها طارة الربابة، وفي أعلاها مجرى يثبت بها "الكراب" الذي يعمل على شد الوتر من أسفل العصا لأعلاها والجزء الآخر منها هو "السبيبة"، وهو الوتر، والذي يؤخذ من "ذيل الخيل"، والجزء الآخر هو القوس الذي يصنع من عود الرمان أو الخيزران ليشد عليه الوتر.
ما معنى الربابة باللغة العربية
تلفظ الربابة بفتح الراء أي (رَبابة) وتعني السحابة البيضاء أو السوداء وجمعها (رباب)، أي قطع السحاب غير المتجمع دون السحاب وتحت السحاب المتجمع، ومن أحسن ما قيل في وصف السحاب الرباب (السحاب غير المتجمع) قول عبد الرحمن بن حسان "كان الرباب دوين السحاب".
متى اكتشفت الربابة وما قصة اكتشافها
قصص كثيرة تداولتها الأجيال حول قصة اكتشاف الربابة، إلا إن أقرب هذه القصص للواقعية كانت قصة ذلك الرجل وزوجته ، حيث نشب خلاف بينهما حيث اتهم الزوج زوجته اتهاماً باطلاً، وأدرك فيما بعد أنه مخطئ مما جعل الزوجة أن تذهب لبيت أهلها، ورفضت جميع محاولات الزوج بأن يرضيها فاشترطت عليه قائلةً (لن أعود حتى يتكلم العود).
والمقصود بالعود هو قصب الشجر أو الخشب فوقع الرجل بالحيرة، فذهب بعدها إلى مرأة حكيمة من أهل قبيلته وقص عليها ما حدث فقالت له، الأمر بسيط وطلبت منه إحضار عود من عوشيزة ( نبات صحراوي يسميه البعض (عوسج)، فأحضر ما طلبت منه وقالت له أخرق رأس العود من الأطراف وأحضر جلد حوار والحوار هو ابن الناقة ، وقام بحشو الجلد بأوراق نبتة العرلج، وأخيراً طلبت منه إحضار سبيبٍ من ذيل الخيل (شعرة)، وقالت له اجعل هذا السبيب في العود الذي خرقته، ثم قالت له اعزف الآن فعزف فإذا بالعود يتكلم أي يُصدر لحناً ثم أسرع به إلى أهل زوجته وطلب مقابلة زوجته ليقول لها أنه فعل المستحيل لإرضائها، وقد لبى شرطها وجعل العود يتكلم ثم أنشد بعدها بيتاً من الشعر أثناء عوتهم إلى البيت وقال:"يا بنت لا يعجبك صوت الربابة "يا بنت لا يعجبك صوت الربابة تره جلد حوير فوق عيدان".
ولمعرفة تفاصيل أوسع عن آلة الربابة والغناء الفراتي العربي الأصيل، التقت وكالة فرات للأنباء ANF، مع العازف والمغني الفراتي، محمود حسين الحسن "امتهنت العزف على آلة الربابة من والدي حسين الحسن المعروف في غنائه الشعبي الفراتي في المنطقة، ومنذُ نعومة أظفاري كنت أشاهد والدي بتمعن وهو يعزف على آلة الربابة، أحببتها، وأصبحت جزءاً من حياتي".
وبيّن، حسين الحسن "وفي بداية دخولي إلى عالم آلات الموسيقا الشعبية، واجهت صعوبة في الموازنة بين الغناء والعزف، وبعد التدريبات استطعت المزج فيما بينهما، والربابة ليست بالآلة السهلة، حيث تضم وتر واحد ، وسلم موسيقي ناقص دون علامات، وتُعتبر آلة روحية ، ويختلف صوتها عن باقي الآلات الموسيقية".
وشبه المطرف حسين الحسن صوت الربابة ب"صهيل الفرس"، بسبب تميز نغماتها عن باقي الآلات الموسيقية الحديثة منها والقديمة.
وحول طريقة صناعة آلة الربابة الشعبية، قال، حسين الحسن "تُصنع الربابة من إطار خشبي يكسوه الجلد الطبيعي، والوتر الذي يربط جسم الربابة ببعضها، ويُصنع الوتر من "ذيل الخيل".
مشيراً "للربابة شعبية متوارثة، حيث كانت تتواجد في كل مضافة ومنزل، وليس بضرورة أن يكون مقتني الربابة يجيد العزف عليها، وتستخدم في المآثر والبطولات وقصص الحب".
الربابة وألوانها الغنائية
واوضح، حسين الحسن "يعزف ويغنى على الربابة كافة الألوان الغنائية الفراتية الشعبية، ويأتي لون "العتابة" في المرتبة الأولى في الغناء الفراتي الشعبي، ويُعتبر العمود الفقري للغناء الفراتي، وتم وصفها في القدم "حزن الرجال"، حيث تمزج ما بين الغز والوصف، وتعدد الألوان الغنائية الفراتية الشعبية منها "العتابة، والناي، الكاحي، السويحلي، الموليا"، فيما تندرج الإيقاعات السريعة تحت لون يسمى "التشاطيف".
وأكد عازفو الربابة أنهم ماضون في حِفظ هذه الآلة التراثية العريقة، ويحثون على الحفاظ عليها لعدم اندثارها، وانتشارها، برغم غزو الآلات الموسيقية الحديثة.