خلال القمة العربية الإسلامية التي عقدت في المملكة العربية السعودية نوفمبر/تشرين الثاني كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي التقى نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي، ثم تلقى الأول اتصالات هاتفياً من الثاني يوم 23 ديسمبر/كانون أول، حيث هنأ الرئيس الإيراني "السيسي" بمناسبة إعادة انتخابه، وفي 25 ديسمبر/كانون أول تلقى وزير الخارجية المصري اتصالاً هاتفياً من نظيره الإيراني.
ويجمع مراقبون أن هناك مجموعة كبيرة من المتغيرات التي تشير إلى أن التقارب بين القاهرة وطهران قادم، لا سيما في ظل ما يجري من قبل الاحتلال الإسرائيلي تجاه قطاع غزة، ومخطط تهجير الفلسطينيين الذي تخشى القاهرة تنفيذه، إضافة إلى انعكاسات هجمات جماعة الحوثيين – المقربة من طهران – على السفن في البحر الأحمر ومنطقة باب المندب.
متغيرات تفرض نفسها على مسار العلاقات
في هذا السياق، يقول هاني سليمان المدير التنفيذي للمركز العربي للأبحاث والدراسات، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن العلاقات المصرية الإيرانية ربما ليست بعلاقات العداء، وهي ليست كذلك بعلاقات الصداقة، وربما كان هناك بعض الجذور التاريخية المتعلقة بفترات تاريخية معينة منذ الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وما ترتب عليه من بعض الخطوط العامة في العلاقات.
وأضاف أن الخط العام للعلاقات بين القاهرة وطهران أثر عليه الاتجاه الأيديولوجي للنظام الإيراني ومسألة التشيع وتصدير الثورة، وهذا تسبب في عدم ارتياح بين الجانبين، ولكن كانت إيران دائماً تعطي لمصر مكانتها لما لها من دور محوري ورابط كبير بين الدول العربية والإسلامية، وبالتالي كان هناك قدر من التحفظ الشديد في العلاقات وكانت ليست هي بالجيدة وليس بالسيئة.
ولفت إلى أن توتر العلاقات بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي كان له دور مؤثر على العلاقات بين الجانبين المصري والإيراني، لأن القاهرة دائماً ما تضع أمن دول الخليج العربي ومصالحها وكذلك الأمن القومي العربي على رأس الأولويات وأمام نصب عينها، ولكن هناك جملة من التغيرات التي جعلت هناك قدراً من المرونة بين القاهرة وطهران.
ولفت إلى أن أول هذه المتغيرات التقارب بين دول الخليج وإيران، وكذلك التوترات والتغيرات الإقليمية والدولية وما فرضه من انفتاح بين مصر وإيران لمناقشة بعض الملفات المشتركة سواء ما يتعلق بالسعودية ومسألة الحوثيين في اليمن وكذلك الدور الإيراني والإقليمي.
ويرى "سليمان" أن سبب رئيسي للانفتاح بين مصر وإيران التصعيد من قبل جماعة الحوثيين في اليمن، وما يجري في منطقة باب المندب وأثره على الملاحة وبالتأكيد التأثير على قناة السويس، وبالتالي فإن القاهرة تريد رسم بعض الخطوط مع الجانب الإيراني لا سيما ما يتعلق بتأثيره على جماعة الحوثيين حتى لا يتم توسيع الصراع بأي حال من الأحوال.
ولفت الباحث في الشأن الإيراني إلى أن مصر يهمها تقليل تأثير العمليات التي تقوم بها جماعة الحوثيين على التجارة العالمية والتي تطال قناة السويس، خصوصاً وأن كثير من شركات الشحن بدأت تغير مسارها، إضافة إلى ما لتلك الهجمات من تداعيات أمنية تطال الإقليم ومصر بالتبعية، وكذلك تحركات الحوثيين فيما يتعلق بما يجري في غزة ومساعي مصر لتحقيق السلام بصفة عامة.
وقال إن مصر انفتحت كذلك على إيران في إطار الحشد لمواجهة سيناريو التهجير للفلسطينيين نحو مصر الذي تريد إسرائيل تنفيذه، وبالتالي التأكيد بشكل غير مباشر أن مصر ليست هناك قيوداً على تحركاتها ومستعدة لأي سيناريوهات بما في ذلك بعض التحالفات الدولية، إلى جانب أن القاهرة تدرك مدى تأثير إيران على الفصائل الفلسطينية وتحديداً حركة حماس، وبالتالي نحن أمام عديد من الأسباب والرسائل للتقارب المصري الإيراني.
وقبل أشهر كانت مصادر دبلوماسية تحدثت عن لقاءات جرت بين مسؤولين مصريين وإيرانيين في العراق لبحث بعض الملفات، قبل وقتها إنها لقاءات تمهد لعودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين والتي قطعت عقب ثورة الخميني عام 1979، وقبل ذلك كانت العلاقات بين القاهرة وطهران أفضل ما يكون.
انفتاح مصري يخدم الملفات الإقليمية
من جهته، يرى السفير شريف شاهين مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق أن التطور الإيجابي للعلاقات المصرية مع إيران سينعكس على كثير من الملفات بما فيها كثير من الأمور التي تهم مصر مثل ليبيا والسودان، لما للجانب الإيراني من أذرع في كل دول المنطقة يتم استخدامها بذكاء، مشيراً إلى أنه كان هناك تحفظ مصري نتيجة التهور والعنف لدى السياسة الإيرانية على نحو لا تقبله القاهرة بأي شكل من الأشكال.
وأضاف، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أنه الآن هناك اتصالات وحوار قد يؤدي إلى تحسن في السياسات، وكما قلت فإن هذا سينعكس إيجابياً على الأوضاع المتوترة في المنطقة، مشيراً إلى أن إيران دولة مهمة لمصر والشرق الأوسط لا سيما أن العلاقات بين البلدين ممتدة وطويلة ومرت بكثير من المحطات التاريخية، من ذلك زواج شاه إيران من الأميرة فوزية نجلة ملك مصر فؤاد الأول، ثم التوترات توالت لا سيما بعد الحرب العراقية الإيرانية، ثم السياسات العدائية لطهران تجاه كثير من الدول المنطقة.
وقال "شاهين" إن كل الظروف الجيوسياسية تفرض أن يكون هناك حوار عربي إيراني، وإن كانت طهران كانت تريد أن يكون الحوار مع مصر منفصلاً، لكن القاهرة ترفض ذلك بأن أمن الخليج هو من أمن مصر، لكن عندما حدث تطور في العلاقات الإيرانية – السعودية أصبح لزاماً علينا التفكير ببرجماتية، بأنه حانت اللحظة لتطوير العلاقات، وكل خطوة إيجابية لإيران نحن كمصر نخطو في المقابل لها خطوة، باعتبار أن تحسن العلاقات العربية الإيرانية من شأنه تهدئة التوترات في المنطقة.