في ذروة الأزمة والاحتقان الشعبي التونسي، رفضًا لسياسات حركة النهضة، وضربها عرض الحائط بكل الدعوات لعودة سياسة البلاد إلى الطريق السليم بعد أزمات متلاحقة سياسية واقتصادية، وحتى فشل في سياسات التعامل مع وباء كورنا خرج الرئيس التونسي قيس سعيد بقرارات أثلجت قلوب المواطنين التونسيين وأعلنت بداية النهاية لسيطرة وهيمنة حركة النهضة سواء خلال البرلمان أو في الحكومة التي تسيطر على مقادير القرار فيها.
وكان الرئيس سعيد قد أعلن، أمس، في اجتماع طارئ للقيادات العسكرية والأمنية تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب إضافة إلى إعفاء رئيس الوزراء هشام المشيشي من منصبه، كما أعلن تولي السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة جديد يعينه بنفسه. وأكد الرئيس التونسي أن هذا القرار كان يجب اتخاذه قبل أشهر.
وأضاف الرئيس التونسي أنه قرر أيضا تولي السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة جديد يعينه بنفسه.
وقابل الشعب قرارات الرئيس التونسي بالخروج إلى الشوارع للاحتفال والتعبير عن فرحتهم بترديد النشيد الوطني، ورحبت في السياق حركة الشعب بالقرارات التي أصدرها رئيس الجمهورية مساء أمس معبرة عن مساندتها ومشددة على أنها "طريقا لتصحيح مسار الثورة الذي انتهكته القوى المضادة لها وعلى رأسها حركة النهضة".
وفي السياق اعتبر الكاتب الصحفي التونسي نجم الدين العكاري، رئيس تحرير جريدة الأنوار التونسية أن الرئيس اتخذ قرارات لحماية البلاد وأنه لا حلول أخرى غير ذلك.
وأضاف العكاري "لا صوت يعلو فوق صوت الشعب التونسي الآن.. قضي الأمر والشارع التونسي بأسره أعلن السير وراء الرئيس وتأييد قراراته التي جاءت انحيازًا للشعب وإنهاءً للمهزلة التي عاشتها تونس في ظل سياسات النهضة وتابعيها".
وشدد على أن الإخوان في كل مكان يتبنون نفس التفكير ويلجأون إلى العنف في حال وقوعوا في مأزق الغياب، لافتًا إلى أن أي موقف يتخذه منتسبي النهضة بعد قرارات الرئيس لن تؤدي إلى شيء حتى لو لجأوا إلى العنف كما فعل إخوان مصر بعد الثورة الشعبية في ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
وفي وقت أكد فيه الرئيس التونسي أنه لن يعطل العمل بالدستور، وأن القرار المتخذ كان لابد منه ووفق مقتضيات الدستور فإنه لا يمكن حل البرلمان لكن رغم ذلك فإن قراراته جاءت في السياق الدستوري للحفاظ على الأمن والسلم الوطني خرجت أصوات ممثلي حركة النهضة باعتبار الخطوة التي اتخذت غير دستورية، وقال رئيس مجلس النواب التونسي راشد الغنوشي إن تجميد أعمال المجلس "دعوة لا دستورية وغير قانونية ولا تستقيم".
ووفقًا لقرارات الرئيس قيس سعيد فإنه تم تجميد كلّ اختصاصات مجلس نواب الشعب ورفع الحصانة عن النواب ومحاكمة من تتعلّق بهم تهم الفساد، وهو ما يعني إمكانية مثول الغنوشي إلى المحاكمة اذ يواجه اتهامات بتسريب أسرار الدولة، والعمالة لدول أجنبية (تركيا)، الأمر الذي أدى بأعضاء البرلمان إلى الدعوة لسحب الثقة منه لأكثر من مرة.
ويبدو أن الرئيس التونسي وهو أستاذ في القانون الدستوري سيسير باتخاذ المهام التنفيذية للدولة، كما أنه يمارس مهامه التي يكفلها له دستور ٢٠١٤، بل وأن قراراته التي صدرت والتي ستصدر عنه هي "وفق الدستور حتى تعود السلم الاجتماعية لتونس وحتى ننقذ الدولة والمجتمع" وفق ما أعلنه الرئيس التونسي.
ولم يقف ضد قرارات الرئيس التونسي سوى عناصر جماعة الإخوان الإرهابية في مختلف أماكن تواجدهم، وكذلك تركيا التي سارعت إلى إعلان رفض قرارات الرئيس مدعية أنه انقلاب على الدستور.
وتعقيبا على ذلك قال الأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي التونسي محمد عبو، إن ما قام به الرئيس قيس سعيد ليس انقلابًا، وأن المؤسسة الأمنية والعسكرية لم تقم بانقلاب.
وشدد عبو في تصريح لإذاعة شمس التونسية على أن ما يحدث هو معركة ضد الفساد، الذي تتورط فيه قيادات حركة النهضة، الذين كونوا في تونس عصابة لابد من محاسبتها وفتح ملفات الفساد فيها.
وأكد أن ما يحدث من ادعاء قيام الرئيس بانقلاب هو سياسة ممنهجة، لافتا إلى أن كل ما جرى هو عبر تطبيق المادة ٨٠ من الدستور وبالتالي فإن كل القرارات التي اتخذها الرئيس هي قرارات دستورية.
واعتبر الباحث في الشؤون الإفريقية أحمد حسني وديع أن وصف ما حدث في تونس بالانقلاب أمر مخالف للمنطق، كوننا أمام رئيس منتخب من الشعب ومعه شرعية اتخاذ قرارات تصحيحية تتوافق مع نص دستوري، حتى لو كان هناك خلاف على تفسير هذا النص إلا أنها في النهاية تتوافق معه.
وشدد على أن الدعايات الإخوانية لا تستهدف إلا التمهيد لموجة من العنف وأنهم يلجأون إلى تلك الدعايات من أجل أن نصدق بأن ماحدث هو انقلاب على الشرعية الدستورية وأن العنف الذي يُجهزون له الآن هو للدفاع عن هذه الشرعية المزعومة.
وشدد العميد المتقاعد مختار بن نصر في تصريحات تلفزيونية على أن الشرعية التي يتشدق بها الغنوشي وأتباعه أدت لانهيار الدولة وتوقف كافة دوالبيها وتعطل تام في عمل البرلمان مما يستوجب مراجعتها، لافتًا إلى أن جيش بلاده لا يأتمر إلا بأوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأن الرئيس قام بدور شجاع يحسب له.
وفيما يعتصم راشد الغنوشي الآن أمام البرلمان ويدعو أنصاره للنزول لمواجهة ما وصفة بالانقلاب على الثورة، يبدو جليًا أن الرئيس التونسي وهو بالأساس أستاذ في القانون الدستوري يقود ثورة تصحيح في تونس بإطار دستوري مستندًا على دعائم دستور ٢٠١٤، رافضًا أن تقع تونس فريسة لجماعة أقرت التخريب والعنف في كل مكان وُجدت فيه، فالغنوشي الذي مارس سلطات إقصائية لمعارضيه داخل البرلمان هاهو اليوم لا يمانع من العنف وإراقة الدم في سبيل العودة لما قبل قرارات الرئيس التي لم تأت من فراغ وانما سبقتها تحذيرات من الرئيس وتهديدات وصلت إلى حد تلويحه باللجوء إلى انتخابات مبكرة لإنهاء الأزمات المتسارعة التي تمر بها البلاد لكن دون جدوى.