تحليل|| مصر وتركيا.. أفق بعيد لعودة العلاقات رغم التحايل التركي.. وموقف مصري واضح حيال أي تدخل اجنبي

من الواضح أن تركيا عادت لمناوراتها بعد قمة قادة حلف شمال الأطلسي (ناتو) الأخيرة، والتي شهدت لقاءات جمعت أردوغان بالرئيسين الأمريكي والفرنسي إضافة إلى ملف أفغانستان وعرض تركيا تأمين مطار كابول بعد انسحاب قوات التحالف.

خطوات ومواقف تؤكد أن تركيا تنتهج سياسة واحدة في تعاملها مع الملفات الخارجية، بل وتشير إلى أن لا تغير حصل فيما يتعلق بأهداف تركيا وأطماعها الخارجية، وأن الأمر لا يعدو كونه لعب بالأوراق وترتيبها بما يتسق مع تنفيذ سياستها مقابل إخراج الأوراق المحروقة عن الطاولة لتحل محلها غيرها وفي نفس الوقت لتكون بمثابة إشارة كاذبة بتنفيذ تحركات قد تطمئن الآخرين.

ينطبق ذلك على ورقة الإخوان التي تلعب بها القيادة التركية وبقوة على مدار العقد الماضي حتى انتهت كل أدوارها فبدأت تناور بها على أمل أن تحقق بها تهدئة ولو شكلية مع مصر، في وقت ترغب تركيا بإعادة علاقتها الدبلوماسية مع مصر وتضع مصر شروطًا ربما يكون أيسرها ورقة الإخوان والتصعيد الذي كانوا يقومون به على قنوات تبث من تركيا وتدعمها هي ودول أخرى من بينها قطر، التي عادت أخيرًا إلى علاقاتها مع مصر عبر تمثيل دبلوماسي وتسمية سفراء، بل وزيارات متبادلة لوزيري خارجية البلدين، وكذلك رسائل موجهة إلى قيادة البلدين ودعوات بالزيارة.

وقد اتخذت تركيا مؤخرًا إجراءات تجاه عناصر الإخوان والهاربين من مصر منعتهم من الظهور الإعلامي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ما يفتح الباب أمام الخطوة التي سبق الحديث عنها والسعي من أجلها وهي بحث الإخوان عن جغرافيا بديلة في الإقليم لتكون نقطة ارتكاز وظهور لهم فيها، إضافة إلى الوجهات الغربية التي ربما لن يكون لها التأثير المهم لدى الجماعة الإرهابية (بموجب أحكام قضائية مصرية)، التي خسرت طوال السنوات الأخيرة كل أوراقها التي حاول الإضرار من خلالها بمصر.

والواضح أيضًا أن مصر بكل سياقات سياستها الداخلية والخارجية باتت أقوى من أن تؤثر فيها مثل هذه الجماعة، التي سعت على مدار سنوات إلى القتل والتخريب وكل ألوان العنف من أجل إنهاك الدولة المصرية التي أظهرت في ثمان سنوات نجاحات وجهود كبيرة أعادت مصر لتصدر المشهد الإقليمي من جديد وأدت بالعالم الذي وقف ضد مصر ورؤية شعبها بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣ إلى العودة إلى مصر والإشادة باقتصادها وبسياستها بل وبحضارتها التي عادت مصر لتصدر تعامل مختلف وتظهر احتفالات أسطورية ربما تكون احتفالية نقل المومياوات الملكية بداية فيها.

الإخوان والهاربين بعض من كل لا تقبل تركيا بتنفيذه

وقد كانت مصر واضحة في مواقفها التي لم تتغير من ملف عودة العلاقات مع تركيا، والذي أعلنته مباشرة في المباحثات الاستكشافية على مستوى نائبي وزيري الخارجية في البلدين، والتي عقدت في مايو الماضي في مقر وزارة الخارجية المصرية بالقاهرة، وكان فيها الإخوان والهاربين جزء من كل يبدو أن تركيا لن تقبل بتنفيذه بدليل التصريحات التركية المتواصلة بشأن القضايا والملفات التي طرحتها مصر والتي تدور كلها في إطار عدم التدخل التركي في الشؤون الداخلية لمصر ولدول الإقليم العربي ثم الدائرة المتوسطية المتمثلة في شرق المتوسط.

وقبل يومين قال وزير الخارجية المصري سامح شكري تعقيبا على القرار التركي بمنع الهاربين والإخوان من منصات التواصل الاجتماعي بعد وقفهم من خلال التلفزيون، "إنها خطوة إيجابية من تركيا"، مجددا تأكيده على أن العلاقات الطبيعية بين الدول هي مبنية على عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وبالتالي عدم السماح لأطراف مناوئة بأن تعمل على أراضي دولة في مواجهة دولة أخرى.

حديث وزير الخارجية المصري والذي جاء خلال مداخلة هاتفية مع قناة القاهرة والناس، حمل رسائل وإشارات كثيرة، رغم أن البعض اتخذها من طابع الترحيب والإشادة فحسب، لكنه في الوقت نفسه يؤكد على أن هذه الخطوة التي وصفها بالإيجابية هي الأساس المفروض التعامل في سياقه في العلاقات بين الدول، والتي تتسق، وفق ما أكده الوزير المصري مع قواعد القانون الدولي.

ليبيا وأهميتها بالنسبة لمصر

ولفت شكري إلى أن هذه الخطوة "إذا ما استقرت وكانت مستمرة فهي بالتالي تؤدي إلى تطبيع العلاقات واستمرار الاتصالات على مستويات مختلفة لوضع الإطار الأمثل للعلاقات وكيفية استئنافها". ما يعني أنه يقدم أيضًا محددات واضحة لمسألة عودة العلاقات التي تحدثت عنها تركيا مرارا وقالت مؤخرا انها ستعود إلى مسار التمثيل الدبلوماسي الكامل قريبا، لكن الواضح في الرؤية المصرية التي تقدر كافة المواقف حتى لو كانت أقل من المنتظر لا تتغير في هذا السياق خاصة أن تركيا تواصل سياستها التي تعني مساسا بالأمن القومي المصري المباشر، سواء بالتواجد في ليبيا أو حتى فيما يخص شرق المتوسط، وكذلك الأمن القومي العربي فيما يتعلق بالوجود التركي في سوريا والذي هو بمثابة احتلال واضح المعالم.

يوضح هذا أيضًا رد وزير الخارجية على سؤال خلال مداخلته مع قناة القاهرة والناس ليلة الأحد (مساء السبت) حول ارتباط العودة للعلاقات وتطبيعها بين مصر وتركيا بليبيا كونه بعد أمن قومي مصري، حيث أجاب: "الأمر له مناحي كثيرة وهذا كان الهدف من الاتصالات الاستكشافية التي تمت على مستوى نواب وزيري الخارجية ونستمر في الاتصالات المحسوبة التقييم الخطوات التي نتوقع أن تكون أرضية جيدة لعودة العلاقات الطبيعية".

وحول ما إذا كان الأساس فيها ليبيا أم لا قال: "هي عناصر كثيرة، بالتأكيد أن المجريات في ليبيا والأحداث في ليبيا ذات أهمية وقصوى بالنسبة لمصر باعتبار أن الشأن الليبي له تأثيره المباشر على الأمن القومي المصري لكن هناك أمور متعددة يجب أن تؤخذ في الاعتبار أيضًا".

قاعدة ٣ يوليو العسكرية رسالة قوة للجميع

ويأتي ذلك في الوقت الذي افتتحت فيه مصر قاعدة ٣ يوليو شمالي البلاد، وبالقرب من الحدود مع ليبيا وعلى ساحل البحر المتوسط، تزامنًا مع ذكرى احتفالات ثورة ٣٠ يونيو التي أطاحت بالإخوان وبحضورهم ليس عن رأس السلطة في مصر بالإطاحة بمرسي، الذي لم يكن سوى واجهة ديكورية للجماعة الإرهابية، بل أنهت شعبية سعت الجماعة إلى تأصيلها على مدار ثمانية عقود وكشفت عن الوجه القبيح لهذه الجماعة التي لم يكن ولاءها هو وأعضائها للوطن

وتأتي قاعدة ٣ يوليو لتكون أحدث القواعد العسكرية المصرية والتي تمثل وفق ما أفاد به المتحدث باسم الرئاسة المصرية "إضافة جديدة لمنظومة القواعد البحرية المصرية" لمجابة أي تحديات أو مخاطر قد تتواجد بالمنطقة، إضافة إلى مكافحة التهريب والهجرة غير الشرعية. لتكون أيضًا بمثابة رسالة قوة وتأثير تقدمها مصر للداخل والخارج وإعلان قوة جديد للقوات المسلحة المصرية التي استطاعت أن تتبوأ مكانة كبيرة في السنوات الأخيرة، لتصبح ورقة صعبة وتصنف كأهم جيوش المنطقة قوة ومناعة وتأثيرًا.

وقد افتتح الرئيس المصري أيضا القاعدة بحضور ومشاركة كل من رئيس المجلس الرئاسي الليبي وولي عهد أبوظبي في إشارة مهمة ومؤثرة لاسيما فيما يتعلق بالعلاقات مع تركيا، فقد سعى الإخوان من تركيا للترويج بأن ثمة خلاف بين مصر والإمارات، وذلك في وقت لم يتغير موقف الإمارات من تركيا، وهو ما يظهر واضحًا في سياسة الإعلام الإماراتي التي لم تتغير تجاه تركيا، بل وفي ظل ادعاءات تركية بأن الإمارات تستضيف زعيم المافيا التركية سادات بيكر، والذي انقلب على النظام وبدأ يعلن عن سياسات نفذها النظام التركي بأيادي المافيا التركية وكان بيكر ضالعا فيها بل وصل الأمر بأردوغان بتهديد الإمارات، وهو أمر ليس بجديد فقد سبق أن خرج واتهمها بالضلوع في انقلاب ٢٠١٦ عبر القيادي الفلسطيني محمد دحلان.

وكذلك رئيس المجلس الرئاسي الليبي وكأنها رسالة طمأنة وتجديد التأكيد على دعم مصر للعملية السياسية في ليبيا ورفضها لأي صور التأثير عليها لا سيما بعد فشل مؤتمر برلين الثاني في اتخاذ قرار وموقف فعلي من المرتزقة ووجود القوات الأجنبية في ليبيا، وبالتأكيد الحديث عنها عن تركيا وقاعدتها ووجودها العسكري وكذلك وجود مرتزقتها الذين نقلتهم إلى ليبيا بما يهدد عودة الاستقرار في ليبيا وسير العملية السياسية في مسارها وفي نفس الوقت يهدد الجوار الليبي بل وإفريقيا التي قد يشكّل هؤلاء المرتزقة نقطة انطلاق من ليبيا إلى باقي أرجاء القارة.

أردوغان يعود إلى لهجته التصعيدية

ورغم محاولات التهدئة الواسعة التي انتهجها أردوغان ومسؤوليه تجاه مصر والمنطقة، إلا أنه عاد من جديد ليمارس نفس سياسته التصعيدية ولتظهر لهجته الحادة من جديد خاصة بعد قمة قادة شمال الأطلسي (ناتو) والتي بدى من الواضح أنه منح النظام في تركيا قبلة حياة جديدة، ليعود أردوغان إلى سابق عهده ويواصل التصعيد عبر تصريحات استفزازية، يقول فيها إن تركيا موجودة في سوريا وليبيا وأذربيجان وشرق المتوسط، وإنها لن تخرج منها، بل إنه عاد أيضًا ليتحدث عن التنقيب عن الغاز قرابة قبرص في شرق المتوسط.

وبالتأكيد تحتاج هذه التصريحات لحديث طويل مفصل حول الأسباب التي دفعت بأردوغان إلى اتخاذ هذه الخطوة من إعادة التصعيد والتلويح بالقوة والوجود العسكري والتأكيد على بقائه بما يتعارض مع كافة الأعراف الدولية، لكن الواضح أنه أخذ دفعة من قادة الناتو خاصة الولايات المتحدة وحتى فرنسا رغم ما بينهما من خلافات سابقة ليعود ويمارس دوره كمرتزق مأجور من قادة العالم الغربي ليواصل ممارساته في المنطقة تحت غطاء الناتو ودوله، وليعود وينشر جنوده الذين حولهم إلى مرتزقة ومأجورين في مشهد يقول إن الجيش التركي تحول ليكون جيش من المرتزقة المتجولين في المنطقة لتنفيذ أهداف أردوغان وأهداف من يدفع أكثر أيضا.

 

وأخيرًا فمن مجمل ما سبق يبدو من الواضح أن تركيا لن تكون جادة في سياسة التهدئة مع مصر وأنها تسعد لكسب مزيد من الوقت لترتيب الأوراق، إلا أنها في الوقت نفسه قد تقدم تنازلات بما يتواقف مع سياساتها المرحلية، وصولًا لرؤيتها وهدفها الأكبر بأوهام وأطماع عودة الخلافة العثمانية التي كانت هي السبب في كل التراجع والخراب الذي منيت به المنطقة حتى الآن ولا تزال، وبالتالي فإن أفق عودة العلاقات بين مصر وتركيا بعيد المنال رغم كل صور التحايل التركي ورغم الترحيب المصري بعودة العلاقات وقف الشروط التي أعلنتها خلال اللقاء الاستكشافي في مايو الماضي.