أعلن وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية عماد الطرابلسي، التوصل إلى اتفاق لإنهاء التصعيد العسكري الذي شهدته العاصمة الليبية طرابلس، مؤكداً مباشرة الأجهزة الأمنية تأمين المقرات الحكومية، وتأمين المنافذ الجوية والبرية حصراً عبر الأجهزة الرسمية.
وكان قد أعلن الطرابلسي منذ المجزرة التي قامت بها تلك الميليشيات في حي بو سليم وأسفرت عن مقتل 10 أشخاص على اتفاق مع ما أسماهم" الأجهزة الأمنية" لإخلاء العاصمة بالكامل خلال المدة المقبلة، مما يثير التساؤلات حول أهمية الاتفاق الأخير وتأثيره على تواجد الميليشيات داخل العاصمة الليبية.
الاتفاقية الجديدة
يقول العقيد الليبي عادل عبد الكافي، المستشار العسكري للجنة الدفاع والأمن القومي للمجلس الأعلى للدولة في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الاتفاقية التي قام بها وزير الداخلية تحت رعاية رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة كانت لها نتائج ملموسة على الأرض، وبالفعل تم التواصل مع قادة التشكيلات العسكرية والأمنية، سواء كانت تابعة للقائد الأعلى للمجلس الرئاسي أو التشكيلات تابعة لوزارة الدفاع، أو التشكيلات التابعة لوزارة الداخلية، والتي لديها قوة عسكرية، وتتمركز في العديد من النقاط، منها مقرات الوزارات وبعض المواقع من الموانئ البحرية والجوية، وتم الاتفاق من خلال الاجتماع على أن تنسحب هذه التشكيلات، وذلك من خلال إعطاء الأوامر لها من قياداتها إلى مقراتها الرئيسية ومنها ما هو خارج العاصمة طرابلس.
وأضاف، أنه استجابت جميع هذه التشكيلات، خاصة قياداتها، وتم نشر قوات أفراد الشرطة النظامية في العديد من المواقع سواء كانت الموانئ البحرية أو الجوية، أو بعض مواقع المفترقات التي كانت في السابق تتمركز بها بعض عناصر هذه التشكيلات، بالفعل بدأت المظاهر جميع أعين المواطنين من خلال انتشار الشرطة النظامية وبدأت تقوم بمهامها، وكذلك الدوريات، بمعنى أن أصبح العمل الأمني عمل مهني وحرفي، مما شكل نقلة نوعية بشأن تكليف تلك المهام لوزارة الداخلية وأفراد الشرطة النظامية التي استطاعت أن تعمل بمنتهى الراحة الآن.
يقول عز الدين عقيل، رئيس حزب الائتلاف الجمهوري الليبي. إن الاتفاق الأخير هي عملية تقاسم نفوذ بين المليشيات، حيث أصبح لكل مليشيا داخل طرابلس مكان جيوسياسي تتمركز فيه، وغالباً ما تنشب الاشتباكات بسبب تعدي سيارة أو عنصر على الطرف الآخر.
وأضاف، أن الميليشيات في طرابلس تتعامل وفق تكتيك إشعال معارك في منطقة طرف آخر لاختبار قوته، فإذا كان ضعيفا قاموا بالاستيلاء على منطقة نفوذه، مبيناً أن هذا التكتيك كانت له نتائج كبيرة في طرابلس، حيث تحولت الميليشيات المتنازعة من ٢٠٠ مليشيا إلى ٥ مليشيات فقط.
وتسيطر على العاصمة الليبية عدد من الميليشيات أبرزها وأكبرها "جهاز قوة الردع" عبد الرؤوف كارة، ذو التوجه السلفي وتدير مطار معيتيقية وسجن يوجد بها رموز نظام القذافي، و"جهاز دعم الاستقرار" ويقوده عبد الغني الككلي "غنيوة"، الذي تتهمه منظمة العفو الدولية بارتكاب جرائم مشمولة في القانون الدولي، وتسيطر على منطقة بوسليم والهضبة وأجزاء من طريق المطار، قوات "اللواء 444 قتال" بقيادة محمود حمزة التي انشقت من قوة الردع وتتمركز بمعسكر التكبالي وترهونة، و"اللواء 111" الذي يترأسه عبد السلام زوبي، ويسيطر على منطقة النجيلة وطريق المطار.
وتتواجد القوة المتحركة جنزور بقيادة أبو زايد الشواشى وتسيطر على المنطقة بين بوابة كوبرى 27، حتى كوبرى 17، بالإضافة إلى بعض الميليشيات المتطرفة مثل ميليشيات البقرة بقيادة بشير البقرة وتتحالف مع قوى الإسلام السياسي وتتهم بعمليات خطف وتسيطر على ضاحية تاجوراء، و"جهاز الأمن العام" بقيادة عبدالله الطرابلسي "الفراولة" شقيق وزير الداخلية، و"الشرطة القضائية" ويرأسه أسامة انجيم ويختص بحراسة بعض السجون.
هل ينهي الاتفاق سيطرة الميليشيات على طرابلس
يعد السؤال الأبرز هل يستطيع الاتفاق إعادة الهدوء للعاصمة طرابلس، ووقف النزاعات المسلحة للميليشيات داخلها، والتي أبرزها ما حدث بين قوات الردع و444.
وأعرب عبد الكافي عن أمله في عودة الشرطة وممارسة مهامها التي كانت في السابق وتحافظ على الأمن والاستقرار، وهو سيكون له واقع ملموس على حياة الناس، مشيراً إلى أن قادة التشكيلات المسلحة استجابوا لعملية الدمج التي تمت على مدار الأشهر الماضية إلى جهات رسمية في الدولة.
وشدد المستشار العسكري للجنة الدفاع والأمن القومي للمجلس الأعلى للدولة، أن الخلل يكمن في أن عملية الدمج اكتفت بإعطاء أرقام عسكرية وأمنية ودمج إلى مؤسسات الدولة ودون القيام بعملية تأهيل حقيقية وعمل دورات تدريبية وفتح مراكز دراسة بشأن المواد القانونية حتى تلتزم عناصر هذه التشكيلات بالأوامر، وهو خلل مهني قامت به بعض العناصر في وزارتي الدفاع والداخلية، ولو تمت عملية إعادة التأهيل بطريقة سلسة وتراتبية، كان يمكن احتواء هذه الأزمة وإنتاج عناصر تلتزم باللوائح العسكرية والأمنية والفصل بين اختصاصاتها حسب تبعيتها، واستمرت الصورة التي تصدر للوضع المحلي والدولي بأنها مجموعة من الميليشيات والتشكيلات غير المنضبطة.
ويري عقيل، أن الاتفاق الأخير هش ومؤقت، يمكنه فقط الاستمرار لفترة من الوقت، وذلك لأن القوى الغربية لا ترغب في استقرار دائم للعاصمة الليبية طرابلس، وذلك حتى يستكملوا قواعدهم العسكرية ومنشآتها مثل قاعدة معيتيقة، والتي سماها معمر القذافي بهذا الاسم على اسم طفلة ليبية سقطت على رأسها طائرة من القاعدة العسكرية الأجنبية القريبة منها، إلى أن الوضع في طرابلس يتناغم مع التوصيف الدولي كدولة نزاع مسلح، وكان يتوقع المجتمع الدولي أن تتحول ليبيا إلى اليمن أو العراق، وتتناثر الجماجم هنا وهناك، ولكن ليبيا دولة متماسكة دينياً وعرقيا، والنزاع المسلح بها صنع في أروقة الأمم المتحدة، زاده تعقيدًا خط الهدنة الذي تورط به خليفة حفتر عام 2019، ليشكل مع الفصل السابع وضع مثل الكوريتين والألمانيتيين.
التدخل الأجنبي
تعتبر من أكثر الأمور تعقيداً هو ارتباط قادة التشكيلات المسلحة مع جهات أجنبية ومدى تأثير تلك الجهات على التزامها بالاتفاق الأخير وتحركاتها، وهي العلاقات التي ظهرت في العلن، حيث استقبل السفير الليبي لدى روما رئيس جهاز دعم الاستقرار، بينما زار الملحق العسكري الأمريكي معسكر اللواء 444، بينما تلقت عناصر قوات الردع تدريب من الاتحاد الأوروبي.
أكد "عبد الكافي" في ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن ارتفاع مستوى الوعي لدى العديد من قادة التشكيلات دفعت بهم إلى عدم الانجرار وراء أي دعوات من معسكر الرجمة من أجل إثارة القلاقل في المنطقة الغربية، أو حتى من أطراف خارجية لا تريد استقرار لليبيا وامتنعت عن الاستجابة لهذه الأطراف.
بينما أوضح "عقيل"، أن الراعي الأساسي للمليشيات هي واشنطن ولندن، ومن خلال توازن الرعب بين تلك المليشيات يخضعوا للعمل تحت أمرتهم، سواء بشكل مباشر عبر الملحق العسكري الأمريكي والبريطاني، أو بشكل غير مباشر عبر المسار العسكري والأمني في البعثة الأممية، والتي يأتي معظم عناصرها من بلاد ضعيفة ومأزومة، مثل لبنان واليمن والعراق.