مثقفون في ندوة جديدة: أوجلان أيقونة عالمية وتأثيره يتخطى مانديلا وكيفارا
يمتلك عبدالله أوجلان سيرة فكرية وفلسفية ونضالية تبقى دائماً مصدر إلهام لحل كثير من القضايا والمشكلات، جعلت تأثيره يتخطى حدوده الإقليمية ويصل إلى آفاق عالمية رحبة.
يمتلك عبدالله أوجلان سيرة فكرية وفلسفية ونضالية تبقى دائماً مصدر إلهام لحل كثير من القضايا والمشكلات، جعلت تأثيره يتخطى حدوده الإقليمية ويصل إلى آفاق عالمية رحبة.
في هذا السياق، عقد مركز الخليج للدراسات الإيرانية – ومقره القاهرة – ندوة عبر الفضاء الإلكتروني تحت عنوان "ربع قرن على اعتقال مانديلا الشرق"، بمشاركة نخبة من الكتاب الصحفيين والسياسيين والمثقفين من عدة دول عربية، وقد تناولت كتاب "ربع قرن على اعتقال مانديلا الشرق" 500 شخصية ومنظمة دولية تطالب بالإفراج عن القائد عبدالله أوجلان.
وقد صدر مؤخراً كتاب "ربع قرن على اعتقال مانديلا الشرق: 500 شخصية ومنظمة دولية تطالب بالإفراج عن القائد عبدالله أوجلان"، للكاتب والباحث شريف عبد الحميد رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية، والذي يلقي من خلاله الضوء على سيرة القائد أوجلان المعتقل في تركيا منذ 25 عاماً، والذي يتعرض لعزلة تامة منذ عدة سنوات في سجن جزيرة "إمرالي" التركي.
ويؤكد الكتاب أنه رغم مرور 25 عاماً على اعتقاله وسجنه في تركيا بمؤامرة دولية معلومة للكافة، سيظل القائد والمفكر الكردي الأممي عبدالله أوجلان، قائد حزب العمال الكردستاني، أيقونة عالمية، ورمزاً إنسانياً للكفاح الوطني من أجل التحرر والعدالة، ليس فقط بالنسبة للكُرد، بل أيضاً لشعوب الشرق الأوسط والعالم أجمع.
مكانة أوجلان
قدم الندوة الكاتب شريف عبدالحميد وقد استهلها بالتأكيد على القيمة والمكانة التي يحظى بها المفكر عبدالله أوجلان الذي تحول إلى أيقونة عالمية مع مرور أكثر من ربع قرن على اعتقاله في إطار مؤامرة دولية، مستعرضاً عدد من أبرز محطات حياته منذ نشأته وعمله كموظف فني للسجلات العقارية في آمد ودراسته للحقوق وعمله إلى جانب دراسته الجامعية، ثم انخراطه في العمل السياسي ومشاركته في العديد من الاحتجاجات المنددة بالمجازر التركية بحق الكرد، وتعرضه للاعتقال أكثر من مرة، وانضمامه للحركات اليسارية التركية وانفصاله عنها بسبب شوفينيتها، وصولاً إلى تأسيسه حزب العمال الكردستاني عام 1978، ثم نضاله من خارج تركيا.
وأكد أن حزب العمال الكردستاني لم يكن مجرد حركة تحررية من أجل الاستقلال، بل كان حركة إنسانية فريدة من نوعها في التاريخ الحديث، لاستعادة شعب حُرم من الحرية لقرون طويلة التي سلبهم إياهم العثمانيون وصولاً إلى العثمانيين الجدد (النظام التركي الحالي)، وجعل الكرد مجرد مكون بشري يقع تحت رحمة رجال السياسة وحرمانهم من حقوقهم الوطنية، وبالتالي كان حزب العمال الكردستاني ردة فعل على الأعمال الإجرامية التركية ضد الكرد والتعامل معهم كلاجئين لا كأصحاب أرض.
وقد استعرض الكاتب شريف عبدالحميد محطات المؤامرة الدولية لاعتقال المفكر عبدالله أوجلان، منتقداً حالة العزلة المفروضة عليه في جزيرة إمرالي وحرمانه من أدنى حقوقه الإنسانية، مشيراً إلى أنه في تشرين الأول الماضي كانت أول زيارة لأوجلان مع أفراد من عائلته منذ آذار من عام 2020.
صوت يعلو رغم القيود
بعد ذلك انتقلت الكلمة إلى الكاتب الصحفي إلهامي المليجي منسق المبادرة العربية لحرية القائد عبدالله أوجلان، الذي أعرب عن شكره للكاتب شريف عبدالحميد على تنظيم هذه الندوة المهمة، التي تسلط الضوء على كتاب "ربع قرن على اعتقال مانديلا الشرق" الذي يشكل أهمية كبيرة من حيث مضمونه وتوقيته، والذي شارك فيه بورقة.
لكن المليجي يرى أن المقارنة بين عبدالله أوجلان والزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا وإن بدت عادلة فهي تظلم أوجلان في جوانب جوهرية، فصحيح أن كليهما ناضل من أجل الحرية والسلام، وأن كليهما قضى في السجن لأكثر من ربع قرن، لكن أوجلان لا يزال خلف القضبان حتى الآن محروماً من لقاء ذويه ومحاميه، بينما يستمر هو بصلابة في تقديم فكره للمستقبل.
وأكد المليجي في كلمته أن ما يميز أوجلان ليس نضاله فقط، بل أن لديه فلسفته وأفكاره لإحلال السلام وأهم الحلول الواقعية لكثير من أزمات المنطقة، فلم يدعو فقط لمجرد السلام، بل أسس لنظرية جديدة شاملة تنبع من فهمه لتنوعنا العرقي والطائفي، على نحو يمكن وصفه بـ"الفكر الأوجلاني" بما يحمل من قدرة على مقاومة التفرقة بين البشرية والتمييز.
ويشدد المليجي على أن صوت أوجلان صوت لكل الشعوب الباحثة عن الحرية، كما أن رؤيته النابعة من صمود أسطوري وفلسفته العميقة تعد إرثاً تاريخياً يحمل في طياته حلولاً ملهمة لمجتمعات غارقة في الصراعات والتمييز، كما جسدها في "مانفيستو الحضارة الديمقراطية"، مؤكداً أنه بوجوده في المعتقل وفكره الحر يعيد تعريف النضال ليصبح أملاً مستمراً وصوتاً يعلو رغم القيود.
الفكر لا يموت
ثم انتقلت الكلمة إلى المحلل والناشط السياسي العراقي صبحي البدري الذي يرى أن عبدالله أوجلان بفكره ليس معتقلاً، بل أن النظام السياسي التركي هو المعتقل بهذا الفكر الذي وصل إلى العالم كله، فأوجلان معتقل جسدياً فقط، كما أن فكره لا ولن يموت، كما أن أوجلان في حد ذاته قضية، فهو يختلف تماماً عن مانديلا وكيفارا، كونه يناضل على مساحة عالمية واسعة.
ويؤكد الناشط العراقي أن شعوب العالم لا تعتبر أوجلان مفكراً كردياً، بل مفكراً عالمياً يؤمن بفكره الجميع، فهو يقاتل ويناضل من أجل الإنسان وضد التعصب الفكري والمذهبي والطائفي من أجل دولة إنسانية يعيش فيها الجميع من أجل الحرية والمساواة والسلام، ويحقق ما لم يحققه الغرب الذي يدعي الديمقراطية، كما أن زنزانته مع الوقت تتحول إلى مركز إشعاع فكري.
مقاومة تاريخية
انتقلت الكلمة في الختام إلى السيدة هند داغستاني عضو مبادرة نون لحرية القائد عبدالله أوجلان، التي قالت إنه على مدار 26 عاماً والإدراك يزداد أن السلطات القمعية العالمية لم تصل إلى النتيجة التي يريدونها بالقضاء على فكر أوجلان، الذي بفضل مقاومته التاريخية التي يقودها في إمرالي أفشل جميع مخططاتهم تجاه المنطقة وفي مقدمتهم الشعب الكردي، مضيفة إننا كشعوب الشرق الأوسط نستمد العزيمة من مقاومة إمرالي، ونواصل الضغط لكسر العزلة ومن أجل الحرية الجسدية للقائد عبدالله أوجلان الذي طور أفكاراً لحل القضية الكردية والقضايا الإنسانية العالقة في الشرق الأوسط وثقلها بشكل مهني بالفكر والمبادئ.
ولفتت هند داغستاني إلى أنهن في مبادرة نون كمبادرة نسوية لحرية أوجلان يجتمعنَّ فيها كثير من النساء من مناطق مختلفة ومن جميع دول الشرق الأوسط، وقد اتحدنَّ في كلمة واحدة هي ضرورة تحرير القائد عبدالله أوجلان، كما تؤمن أنه مقيد الجسد لكن فكره عمّ العالم كله، فمبادرة نون بدأت في 74 دولة وهي الآن في أكثر من 100 دولة، مشيرة إلى تشكيل المبادرة لجنة قضائية لمتابعة قضية المفكر أوجلان من الناحية القانونية.
وانتقدت هند داغستاني، في ختام حديثها، الممارسات التركية التي تؤكد أن النظام التركي متشبث بالذهينة الشوفينية والديكتاتورية، وأن كل ما يُعلن عنه بشأن حقوق الكرد مجرد حبر على ورق، من ذلك عزل رؤساء البلديات الكردية المنتخبين وتنصيب آخرين بدلاً منهم، وقصف الأبرياء في شمال وشرق سوريا وجنوب كردستان وهذه الهجمات التي لا تتوقف.