فبينما العالم منشغل بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، شنت تل أبيب قبل عدة أيام عملية عسكرية هي الأعنف منذ عام 2002 في الضفة الغربية وتحديدًا الشمال بداعي ملاحقة عناصر إرهابية، إلا أن تلك العملية رافقتها دعوات إلى تهجير الفلسطينيين من تلك المناطق، على نحو يتشابه مع ما حدث في بداية الحرب على غزة، فضلًا عن خروج تقارير عدة، أمس الثلاثاء، تشير إلى استيلاء مستوطنين إسرائيليين على أراض للفلسطينين بالضفة.
وسط هذه الأجواء التي توحي بأن الحكومة الإسرائيلية يبدو قد عقدت عزمها على السيطرة على الضفة الغربية، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحفي يتحدث عن أهمية سيطرة بلاده على محور فيلادلفيا الحدودي مع مصر، لكنه كان يستخدم خريطة لا تظهر فيها مدن الضفة الغربية أي وكأنه يقول إن الضفة جزء من إسرائيل، على نحو جعل الكثيرين يتسائلون حول الرسالة التي أرادها باستخدام تلك الخريطة.
ماذا في رأس نتنياهو؟
يقول الدكتور محمود الهباش مستشار الرئيس الفلسطيني، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن استعراض نتنياهو خريطة إسرائيل تضم مدن الضفة الغربية أمر ليس بجديد عليه، فقد فعلها من قبل أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، معتبرًا أن هذا تصرف يعبر عن العقلية التي تحرك الاحتلال الإسرائيلي، فهي عقلية لا تؤمن بالشرعية الدولية ولا تؤمن بحقوق الشعب الفلسطيني ولا تؤمن بفكرة حل الدولتين.
وحذر المسؤول الفلسطيني البارز من خطورة تصرفات نتنياهو، إذ قال إنه ستكون لها تداعيات كبيرة، كونها تعني إجهاض حل الدولتين تمامًا، ومن ثم إعادة الصراع إلى المربع الأول، مؤكدًا أن نتنياهو من الأساس ضد الاتفاقات المعنية بحل الدولتين بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل، ومنذ قدومه إلى السلطة عام 1996 وهو يقوم بمثل هذه التصرفات وكان من أبرزها حادث "هبّة النفق" عندما أوعز بفتح سور في المسجد الأقصى.
وشدد الهباش على ضرورة أن يكون هناك تحرك للمجتمع الدولي للضغط على نتنياهو من أجل وقف تلك الممارسات التي تسد كل الطرق أمام إرساء السلام خاصة منذ عام 2009، والتي تحول دون تحقيق الاستقرار في المنطقة، مشددًا على ضرورة وقف تصرفات رئيس الوزراء الإسرائيلي التي تأتي انطلاقًا من العداء التام للشعب الفلسطيني، محذرًا من أنه إن لم يكن هناك تحرك فإن الجميع سيدفعون الثمن، على حد تصريحه.
وفي تعليق منها، اعتبرت وزارة الخارجية الفلسطينية، أمس الثلاثاء، أن الخريطة التي استعرضها نتنياهو تكشف أجندات اليمين المتطرف، كما أنها تجسيد عملي لمحاولة نفي الوجود الفلسطيني وحقوقه الوطنية العادلة والمشروعة على طريق تهجيره من أرض وطنه، مؤكدة أنها تنظر بخطورة بالغة لهذا الانتهاك الصارخ للقانون الدولي "خاصة وأن الاحتلال يمارس أبشع أشكال الجرائم ضد الشعب الفلسطيني"، حسب بيان رسمي حصلت وكالة فرات للأنباء على نسخة منه.
وتقوم فكرة حل الدولتين على إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية وفق حدود ما قبل حرب يونيو/حزيران من عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفكرة هذا الحل تعود إلى عام 1947، إلا أن اتفاقية أوسلو لعام 1993 كانت أول تفاهم مشترك من نوعه بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على هذا الطرح والقبول بحق بعضهما البعض في قيام دولة.
وفي إطار هذا، فإن من شأن سيطرة تل أبيب على الضفة الغربية وتهجير الفلسطينيين منها إجهاض حل الدولتين تمامًا، خاصة وأن هناك كثيرًا من الاقتراحات تظهر داخل الأوساط السياسية الإسرائيلية بفرض حكم عسكري على غزة، ومن ثم فإنه واقعيًا لن تكون هناك أرض لإقامة دولة فلسطينية، خصوصًا وأن الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية التي تتوالى منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع تزعج تل أبيب بشدة.
مسار التهدئة
هذه التصرفات الإسرائيلية ومحاولات تصدير حرب غزة إلى الضفة الغربية تثير شكوكًأ عدة حول فرص التوصل إلى تهدئة في القطاع ووقف الحرب التي شارفت على دخول عامها الثاني، في وقت يبدو بوضوح أن المفاوضات متعثرة، بالتزامن مع توترات طفت على السطح بين تل أبيب ومصر، علمًا أن الأخيرة أحد أهم أضلاع مثلث الوساطة الذي يضم الولايات المتحدة الأمريكية وقطر.
فقد أعلنت وزارة الخارجية المصرية، في بيان رسمي أمس، رفضها تصريحات نتنياهو بشأن البقاء في محور فيلادلفيا الحدودي بين غزة ومصر، معتبرة أنها محاولة لعرقلة التوصل إلى وقف لإطلاق النار بالقطاع ولصفقة تبادل الأسرى والوساطة المصرية الأمريكية القطرية، معربة عن رفضها تلميحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن الأسلحة تأتي إلى حماس عبر الحدود المصرية.
وكان مصدر مصري رفيع المستوى أكد أن القاهرة جددت تأكيدها لجميع الأطراف المعنية بعدم قبولها أي وجود إسرائيلي بمعبر رفح أو محور فيلادلفيا، حسب ما نقلت قناة القاهرة الإخبارية المصرية، فيما كانت القاهرة انتقدت في بيان رسمي العمليات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وحذرت من خطورة "سياسة الأرض المحروقة".
يقول المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور ماهر صافي، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن نتنياهو رغم كل ما ارتكب من جرائم بحق الشعب الفلسطيني فشل في تحقيق أي من أهدافه الرئيسية لهذا العدوان، سواء القضاء التام على حركة حماس أو قتل يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي للحركة ورئيسها في غزة أو استرداد جميع المحتجزين الإسرائيليين، وبالتالي فإنه يتهرب من المفاوضات ويرتكب هذه الانتهاكات في الضفة وآخرها خريطته التي تضمها.
وأضاف المحلل السياسي الفلسطيني أن واشنطن اقترحت بعض البنود التي كان يمكن أن تؤدي إلى انفراجة في المفاوضات، لكن نتنياهو لا يريد إلى الآن إنهاء الحرب، لأنه يعلم جيدًا أن نهاية العدوان تعني نهايته السياسية وليت الأمر يتوقف على هذا، بل بمجرد خروجه من السلطة ستتم محاكمته لا سيما ما يثار عنه بشأن ارتكابه أعمال فساد ومخالفات، مشيرًا إلى أنه لهذا يستنسخ ما فعله في القطاع ويصدره إلى الضفة الغربية.
وفي السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي شنت إسرائيل عدوانًا هو الأعنف على قطاع غزة إثر هجوم لحركة حماس على مستوطنات إسرائيلية بغلاف قطاع غزة، وقد تسبب العدوان في سقوط عشرات آلاف القتلى والمصابين فضلًا عن تهجير مئات الآلاف، في وقت تتواصل جهود الوساطة لا سيما من قبل القاهرة والدوحة وواشنطن.
لكن جهود الوساطة لم تسفر عن شيء بعد باستثناء فترة هدنة قصيرة قبل أشهر، وذلك في ظل حالة التعنت الكبيرة لدى نتنياهو الذي يواجه انتقادات داخلية كبيرة وشعبية متراجعة مع تحمليه مسؤولية ما جرى في السابع من تشرين وفشله في تحرير المحتجزين الإسرائيليين أو عدم إنجازه صفقة للإفراج عنهم.