قد أعادت تلك الواقعة المخاوف من إمكانية أن تتحول إلى أزمة خليجية – لبنانية تعيد إلى الأذهان ذكريات الأزمة التي فجرتها تصريحات لوزير الإعلامي اللبناني السابق جورج قرداحي، حين قال في مقطع جرى تداوله له إن جماعة الحوثيين اليمنية تدافع عن نفسها ضد عدوان خارجي، في انتقاد للتدخل العسكري السعودي – الإماراتي في اليمن.
اللبنانيون هم من يجب أن يدعمون أنفسهم
في هذا السياق، يقول الدكتور محمد صادق إسماعيل مدير المركز العربي للدراسات، في اتصال لوكالة فرات للأنباء، إن وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام ربما لم يكن يقصد أية إساءة لدولة الكويت، وإنما التصريحات تعبر عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها لبنان والحاجة إلى الدعم الكبير من دول الخليج العربي وعلى رأسها الكويت باعتبارها دولة صاحبة رؤوس أموال واستثمارات كبيرة.
أما عن أسباب تحول الأمر إلى هذه المرحلة من التوتر، يقول "إسماعيل" إن الأمر يعود إلى الخلفية بين الخليج ولبنان وما حدث بعد أزمة تصريحات وزير الإعلام السابق جورج قرداحي، وهو أمر أثر بالسلب على طبيعة المد الاستثماري بين الدولة اللبنانية والخليج، إضافة إلى تبعات انفجار المرفأ وثلاثة سنوات مرت وهناك 60% من بنية العاصمة بيروت منهارة، وأزمة مصارف لبنان، وبالتالي فهي بحاجة إلى الدعم.
لكن مدير المركز العربي للدراسات يستعير ما سبق وصرح به إيمانويل ماكرون رئيس فرنسا حين قال إننا لن ندعم لبنان إلا إذا دعمت نفسها من خلال مبادرة تقضي على المحاصصة السياسية وتنهي حالة الجدلية السياسية بين الفرق المتناحرة، وبالتالي فإنه لا دول الخليج ولا غيرها ستدعم لبنان إلا إذا ساعد لبنان نفسه بالفعل.
ويرى أن المشكلة في لبنان بالأساس تأتي من المخاصمات السياسية، والانتحار الاقتصادي الذي يحدث من خلال سياسات اقتصادية غير موجهة وغير سليمة، فالوزير اللبناني كان يتحدث على سبيل المثال عن تعويم الليرة، وتسائل "إسماعيل": أي تعويم يقصده وزير الاقتصاد اللبناني إذا كانت الليرة اللبنانية عند أدنى مستوياتها ومراحلها، وبالتالي نحن نتحدث عن سياسات فاشلة الكل يعلم تبعاتها.
وفي ختام تصريحاته، لوكالة فرات للأنباء، قال مدير المركز العربي للدراسات إنه في ظل هذه الظروف يجب أن يكون هناك قدر من الحكمة في مثل هذه التصريحات حتى لا تكون سبباً في أزمة جديدة بين لبنان والخليج، ولكن أستبعد أن يتحول الأمر إلى أزمة دبلوماسية بين لبنان ودول الخليج على إثر تلك التصريحات، ولكن ننتظر مستقبل أفضل للدولة اللبنانية لو تم تغيير الأمور التي سبق وأشرت لها.
بداية الأزمة
وبدأت الأزمة بين الكويت ولبنان عندما صرح وزير الاقتصاد اللبناني في مقابلة مع وكالة أنباء سبوتنيك الروسية بأنه قد أرسل خطاباً إلى أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح يناشده بإعادة بناء صوامع القمح التي دمرها انفجار مرفأ بيروت، معتبراً أن هذا الأمر لشعب لبنان وليس للحكومة، لأن الخبز للناس ولا يجوز أن يترك بلد عربي دون مخزون استراتيجي.
وأعرب "سلام" عن أمله في الاستجابة السريعة من قبل أمير الكويت، مؤكداً أن الأمول المخصصة لهذا الأمر موجودة في صندوق التنمية الكويتي وأنه بـ"جرة قلم" يمكن اتخاذ القرار وإعادة بناء الصوامع، لتحدث الأزمة جراء كلمة "جرة قلم" هذه.
وقد رد في المقابل وزير الخارجية الكويتي الشيخ سالم عبدالله الجابر الصباح على هذا التصريح، معرباً عن استنكار واستغراب بلاده الشديدين لهذا التصريح الذي يتنافى مع أبسط الأعراف السياسية، ويعكس فهماً قاصراً لطبيعة اتخاذ القرارات في دولة الكويت، والمبنية على الأسس الدستورية والمؤسساتية بما في ذلك المنح والقروض الإنسانية، بحسب بيان رسمي من وزارة الخارجية الكويتية.
وقال الوزير الكويتي إن بلاده "تمتلك سجلاً تاريخياً زاخراً بمساندة الشعوب والدول الشقيقة والصديقة، إلّا أن دولة الكويت ترفض رفضاً قاطعاً أي تدخل في قراراتها وشؤونها الداخلية"، كما حث الوزير اللبناني على سحب هذا التصريح، حرصاً على العلاقات الثنائية الطيبة القائمة بين البلدين الشقيقين، بحسب البلاد.
اعتذار مبطن
وتعليقاً على تلك التطورات، استبعد محمد سعيد الرز الكاتب الصحفي والمحلل السياسي اللبناني أن تتسبب تلك الواقعة في أزمة خليجية لبنانية تصل إلى حد سحب السفراء كما حدث في أعقاب أزمة تصريحات جورج قرداحي، لافتاً إلى أن وزير الاقتصاد اعتذر لكن بشكل غير مباشر عن هذا التصريح، مؤكداً أن كلمة "بجرة قلم" كلمة عامية وغير مقصود بها أي إساءة.
وأضاف "الرز"، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء، أن الوزير يبدو أنه قليل الخبرة دبلوماسياً، لأن من الحكمة عدم الإدلاء بمثل هذا التصريحات خصوصاً في ظل ظروف لبنان الحالية، مشيداً بقوة ومتانة العلاقات بين لبنان ودول الخليج العربي وأن الأمر لن يشهد أي تطورات أخرى.
ويعيش لبنان أوضاعاً اقتصادية صعبة لا سيما عقب انفجار مرفأ بيروت، والذي كان سبباً في دمار صوامع القمح التي كانت تؤمن احتياجات البلاد من 3 إلى 6 أشهر، لكن لبنان الآن بحاجة إلى استيراد القمح لتأمين احتياجاته، وهذه صعوبة أخرى إذا وضع في الاعتبار أزمة الحبوب العالمية الناجمة عن الحرب الروسية – الأوكرانية.
ويعتمد لبنان بشكل كبير على الدعم الاقتصادي الخليجي خصوصا من السعودية والكويت، لكن تشهد العلاقات توترات من وقت لآخر بين الطرفين، والتي تعود بالأساس إلى الخلافات بين القوى والأطراف المحسوبة على السعودية وإيران، اللتان لديهما انخراطاً كبيراً في التفاصيل السياسية لهذا البلد العربي الذي يقوم نظام الحكم فيه على المحاصصة الطائفية والمذهبية.