الوجود الصيني في أفريقيا والشرق الأوسط في ظل الصراع العالمي.. الواقع والتحديات

تواجه الصين مجموعة من التحديات تجاه خطط تمديد نفوذها الاقتصادي إلى منطقة القرن الأفريقي، خاصة بعد إعلان مشروعها الكبير المتمثل في طريق الحرير مما أثار مخاوف لدى الغرب وأمريكا من سيطرتها على صناعة القرار في أفريقيا والشرق الأوسط.

تحرص حكومات الدول الافريقية إلى جانب دول الشرق الأوسط على خلق حالة من التوازن في العلاقة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب على الصعيدين السياسي والعسكري، متبعة سياسة الحياد الاستراتيجي، وهو ما دفع المؤسسات الأمريكية إلى محاولة خلق توجه جديد لإعاقة المخططات الصينية وتجنب التصعيد غير الضروري.

واقع الوجود الصيني في القارة الإفريقية

ترفض بكين احتكار البيت الأبيض لملفات الأمن في الشرق الأوسط وإفريقيا، وتجلي هذا الرفض في ظهور وجود أمني صيني متنامي لحماية المصالح الاستراتيجية للدولة الصينية من خلال نشر فرقة بحرية لمكافحة القرصنة في خليج عدن 2008 ولازالت تمارس نشاطها حتى اليوم وتضم أكثر من 100 سفينة و 30 ألف جندي لمرافقة أكثر من 7000 سفينة تجارية تابعة للصين ودول أجنبية، وذلك منذ إنشائها.

تجلى الحضور الأمني الصيني في المنطقة أوقات الأزمات والحروب حيث شاركت في عمليات إجلاء مواطنيها من ليبيا واليمن، ومع تعاظم التهديدات الأمنية وتوسع نطاق الحروب في الشرق الأوسط قررت بكين إنشاء أول قاعدة عسكرية خارج حدودها في جيبوتي على البحر الأحمر، كما شارك الجيش الصيني في مناورات عسكرية مع إيران والمملكة العربية السعودية ومصر.

نادر رونج المحلل السياسي الصيني أكد في اتصال لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أكد حرص الصيني على تنمية العلاقات الاستراتيجية مع الدول الإفريقية ودول الشرق الأوسط من خلال دعما الدول وتمويل مشروعات البنية التحتية وتعظيم الشراكات الصناعية الخاصة بالتكنولوجيا والتحول الرقمي، ولفت إلى أن وجود الصين في الشرق الأوسط جاء وفق انفتاحها على التعاون مع جميع الدول لتحقيق التنمية المشتركة طالما كان التعاون يتمتع بالاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة. 

العلاقات الصينية على الصعيد الاقتصادي شهدت زخما قبل كورونا والصين تعطي اهمية كبيرة لما يمكن أن تقدمه للدول الاقتصادية بما يصب في مصلحة التقارب مع أكبر سوق عالمية خاصة وان أفريقيا لا تستطيع استغلال مواردها وتعاونها الصين في تلك القضية لتحقيق منافع اقتصادية وتحقيق الاستقرار وحماية المصالح المشتركة.

تحديات حضور بكين وعلاقته بمصالح القوى العظمى

جاد رعد المحلل السياسي المختص بالشؤون الأسيوية، قال في اتصال لوكالة فرات للأنباء (ANF) إن مشروعات البنية التحتية في إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط تلعب دوراً رئيسياً في تعزيز الوجود الأمني للصين، ولكن بعض دول أوروبا ترى في الوجود الصيني تهديدا لمصالحها رغم أن التحركات الصينية تستهدف خلق تنمية مشتركة، فموضوع طريق الحرير يستوجب التعاون بين دول أفريقيا خدمةً للاقتصاد العالمي وطالما كانت الصين منفتحة على آليات متعددة تسمح لها بالتعاون مع كل الدول لتحقيق التنمية المشتركة.

بوابة الاقتصاد الصيني لدعم الوجود العسكري

وفقا لدراسة أجراها معهد واشنطن تشترط الصين أن يكون لدى المؤسسات الخاضعة لسيطرة الدول الإفريقية في قطاعات معينة القدرة على خدمة الأصول العسكرية الصينية، مما يؤدي إلى طمس الخط الفاصل بين وجودها التجاري والعسكري في الخارج، وهذا المزج بين المؤسسات التجارية الخاضعة لسيطرة الدولة والتطور العسكري، والذي يشار إليه عادةً بمصطلح الاندماج العسكري-المدني، يخلق معضلة في الشرق الأوسط، إذ يمكن للاستثمار الصيني في الموانئ والمجمعات الصناعية، على الرغم من أنه مصمم لتنمية التجارة، أن يدعم أيضاً الأصول البحرية الصينية ويساعد الصين على توسيع وجودها العسكري في المنطقة، واستثمرت الصين في الموانئ والمجمعات الصناعية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما في ذلك في إسرائيل ومصر والسعودية والإمارات، مما تسبب في كثير من الأحيان في ضغوط كبيرة على علاقة الدولة المضيفة بالولايات المتحدة. والجدير بالذكر أن أنشطة الصين في ميناء آل خليفة في الإمارات العربية المتحدة ساهمت في انهيار المفاوضات لحصول هذه الأخيرة على طائرات "إف-35" من الولايات المتحدة.

ووفقا للدراسة يشكل الوجود الأمني المتزايد للصين في المنطقة معضلة للولايات المتحدة وشركائها، ولا تشكل جميع علاقات الصين أو طموحاتها في الشرق الأوسط تهديداً لمصالح الولايات المتحدة ، لكن العديد منها يمثل تحديات خطيرة، وللتغلب على هذه التحديات –بحسب الدراسة- يجب على الولايات المتحدة إجراء تقييم دقيق لنوع الوجود الأمني الصيني في بلد معين والمخاطر المرتبطة بمصالحها من أجل الرد بشكل متناسب، فالتمييز بين دولة تجمعها علاقة اقتصادية في المقام الأول مع الصين، ودولة تجمعها علاقة اقتصادية وعسكرية يضيف فارقاً بسيطاً إلى نهج الولايات المتحدة تجاه الصين ويتجنب الاضطرابات غير المبررة مع الشركاء الإقليميين.