المطالبة الأممية بقوة مستقلة في السودان.. هل تكون بداية للتدخل الدولي بالبلاد؟

لا يزال التدخل الدولي في الأزمة السودانية والحرب الطاحنة يطل برأسه بين الحين والآخر، وكان آخر ظهور له حين أوصت لجنة خبراء الأمم المتحدة بنشر قوة مستقلة ومحايدة في البلاد لحماية المدنيين.

طالب خبراء من الأمم المتحدة بنشر قوة "مستقلة ومحايدة" في السودان، بهدف حماية المدنيين من طرفي الصراع بالبلاد، وهو أول تقرير يصدر عن البعثة المكونة من ثلاثة أعضاء التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في تشرين الأول 2023. 

وأوضحت البعثة أن تقريرها الذي يقع في 19 صفحة، توثق انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، استند إلى 182 مقابلة مع ناجين وأسرهم بالإضافة إلى شهود عيان. 

أسباب القوة المحايدة والمستقلة 

تتعدد الأسباب التي أدت للتوصية الأممية بإنشاء قوة محايدة ومستقلة في السودان، وفسرت لجنة خبراء الأمم المتحدة طلبها بأن المتحاربين ارتكبوا سلسلة مروّعة من انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم دولية، يمكن وصف كثير منها بأنّها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مما يدعو إلى اتخاذ إجراءات فورية لحماية المدنيين.

"كرت ضغط" بتلك الكلمات وصف خليل حسن الضو المتحدث باسم المقاومة الشعبية المسلحة في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء (ANF)، الأسباب خلف إصدار لجنة خبراء الأمم المتحدة طلب القوة المحايدة والمستقلة في السودان، مبيناً أن الخيار المطروح على الطاولة واحد وهو أن يوافق السودان بمخرجات مؤتمر جنيف أو أن يحصل تدخل من مجلس الأمن الدولي.


 بينما يقول مبارك النور، الأمين العام للتنسيقية العليا لكيانات شرق السودان في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الدعوة الأممية لإنشاء قوة مستقلة ومحايدة في السودان تعمل لدعم مليشيا الدعم السريع وحمايتها، خاصة وأن الجيش السوداني متقدم، والشعب ملتف حول جيشه، مبيناً أن الدعوة تأتي بعد سلسلة جرائم قامت بها المليشيا من تدمير البنية التحتية في السودان، وحرق دور الوثائق، وتدمير المتاحف، وتشريد المواطنين، واحتلال المدن، والتمثيل بالجثث، وطرد المواطنين من منازلهم.
وأشار النور إلى أن الهدف الرئيسي من إنشاء تلك القوة المزعومة هو تدويل قضية السودان وحماية المليشيا، وإعادة إحياءها، وصولاً إلى التدخل في شؤون السودان.

وضع حقوق الإنسان

يرى البعض أن الوضع المتدهور لحقوق الإنسان في البلاد كان الدافع الحقيقي للتوصية الأممية، وفي هذا الصدد، يقول عادل عبد الباقي رئيس منظمات المجتمع المدني السودانية في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه في الأسبوعين الماضيين عبر بيان مشترك لمنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية طالبوا الأمم المتحدة بتمديد مهام البعثة الأممية في السودان لعام إضافي، لتقصي الحقائق في الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها طرفي الحرب على المواطنين في بورتسودان وكسلا والخرطوم وفي دارفور وكردفان تعد الأسوأ بالإضافة إلى تدهور الأوضاع الإنسانية التي يعيشها الشعب والمواطنين العزل في مناطق مختلفة.

وعدّد عبد الباقي الانتهاكات التي قام بها طرفي الحرب، مثل تجنيد الأطفال واستغلال النساء في أم درمان بممارسة العلاقات المحرمة من أجل الحصول على الغذاء، والاعتقالات والاغتيالات التعسفية في كسلا ونهر النيل وبورتسودان في استهداف عرقي بحجة انتماء جماعات عرقية معينة لصفوف الدعم السريع، وأيضاً حجز الإجراءات القانونية والسفر مثل جوازات السفر والبطاقات القومية والأرقام الوطنية وهذا انتهاك لحقوق الإنسان في السودان، وأيضاً شاهدنا النهب والسلب في دارفور وكردفان والخرطوم تقوم بها قوات الدعم السريع، وقتل المواطنين كل هذا انتهاكات إنسانية، والمجتمع الدولي لم يرصد كل هذه الانتهاكات بشدة ونحن نتابع تصاريح وبيانات فقط ولا يتحصل على أدلة حقيقية.

وأضاف، أنه من الأهمية بمكانة إرسال قوات حفظ السلام في كل المناطق التي سيطرت الأطراف المعنية في الولايات في دارفور في الجزيرة وفي شمالية وفي النيل الأبيض، وفي كل المناطق يجب أن تكون هناك لجان لتقصي الحقائق وتقديم المجرمين للعدالة الدولية ومعاقبتهم.

ويرى رئيس منظمات المجتمع المدني السودانية، أن هناك العديد من الأوبئة في ولايات مختلفة مثل وباء الكوليرا ومرض حمراء العين منتشر بصورة كثيفة جداً وهناك غياب تام لمنظمات الصحة العالمية، مشيراً إلى أنه في هذا الإطار يجب على الأمم المتحدة والمنظمات المعنية التدخل فوراً لمجابهة الأزمة، لأن السوداني يعاني من ويلات الحروب والكوارث الطبيعية ومن وباء وفيروسات، والمجتمع الدولي مازال صامتاً ويجب التحرك فوراً قبل أن ينتشر الوباء وتتسع نقاط الحرب إلى نقاط مختلفة ودول إقليمية، ولذلك من الأهمية بمكان يجب على المجتمع الدولي التحرك فوراً لمجابهة الأزمة وإحلال السلام والاستقرار في السودان.

تجارب القوات الأممية في السودان

لم تكن توصية خبراء الأمم المتحدة بوجود قوة أممية محايدة هي التجربة الأولى للقوات الأممية في السودان، حيث شهدت البلاد وجود قوات يوناميد في إقليم دارفور منذ ما بعد حرب دارفور عام 2003 وحتى انتهاء عصر البشير.

وفي هذا السياق يقول أحمد حسين مصطفى أدروب، المتحدث باسم القوة المشتركة للحركات المسلحة في مدينة الفاشر في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه إذا نظرنا إلي تجربة الأمم المتحدة داخل السودان لدينا تجربة ماثلة، حيث أن الأمم المتحدة كانت موجودة في دارفور فيما عُرف بالقوة الهجين التي تسمي{اليوناميد} قوى بين الاتحاد الأفريقي وقوى الأمم المتحدة وهذه القوى لم تستطع أن تحمي نفسها وكانت تُهاجم دائماً ولن تستطيع أن تحمي موظفيها ولم تحمي الإغاثة ولم تحمي أي مهمة أوكلت عليها. 

طلبات أخرى من المجتمع الدولي

ترى كل اتجاهات الطيف السياسي في السودان سواء المؤيدة أو المعارضة للحرب أو المنحازة لأحد طرفيها أن هناك أدوار يُفترض أن يقوم بها المجتمع الدولي غير نشر تلك القوة المزعومة.

وحول تلك النقطة يقول المتحدث باسم القوة المشتركة للحركات المسلحة في مدينة الفاشر، إن من يقوم بارتكاب الجرائم ضد الإنسانية الآن في السودان من قتل المواطنين وتشريدهم واحتلال منازلهم وارتكاب عمليات التطهير العرقي والإبادة الجماعية كما حدث في مدينة الجنينة مثالاً واغتصاب واسترقاق الفتيات السودانيات هم مليشيات الدعم السريع الإجرامية وهي جرائم وثقوها بأنفسهم والعالم كله يشهد على ذلك، إذاً على الأمم المتحدة أن تصنف هذه المليشيات جماعة إرهابية وأن توضع خطوات جادة لحسم هذه المليشيات.

بينما ترى الجهات المؤيدة لنشر القوات الأممية أنه أيضاً إجراء غير كافي، حيث يطالب رئيس منظمات المجتمع المدني السودانية، بحظر الطيران زاعماً أنه يضرب المواطنين العزل في الخرطوم والجزيرة وفي دارفور وكردفان، وقد خلف مئات الآلاف من الضحايا ولذلك يجب حظر الطيران وحظر الأسلحة الثقيلة التي يستخدمها الأطراف في الصراع  والتي أصبحت تستهدف المواطنين العزل في الولايات، مناشداً المجتمع الدولي بإرسال قوات حفظ السلام وإذا اقتضى الأمر يجب وضع السودان تحت البند السابع، لأن أطراف الصراع اتخذت مسار سلبي يضر ويشكل خطر لوحدة وأمن السودان والأمن الإقليمي القومي.

نشر القوة المحايدة

يظل السؤال الحائر في السودان حول إمكانية تطبيق التوصية الأممية ونشر القوة الأممية المحايدة في السودان وطريقة تطبيقه ومدى تقبل السودانيين له.

وأشار "الضو"، إلى أن الحكومة السودانية لن توافق على دخول أي قوات عسكرية إلى أرض السودان، مبيناً أن مجلس الأمن حتى في بند تدخل الأمم المتحدة يكون بطلب من الحكومة كما فعل حمدوك عندما جلب فولكر بيرتس وبعثته إلى السودان، ولطالما الحكومة غير موافقة لن تكون هناك قوات أممية في السودان.

وقال المتحدث باسم المقاومة الشعبية المسلحة في ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن كل الضجيج الذي قامت به الأمم المتحدة كان لتبرئة الإمارات من مشاركتها في حرب السودان، حيث تدخلت الإمارات في قرارات الأمم المتحدة وقامت بشراء بعض ضعاف النفوس من متخذي القرار. 

كما أوضح الأمين العام للتنسيقية العليا لكيانات شرق السودان، أن الخارجية السودانية تقوم بعمل جبار للتصدي لتلك المخططات، والشعب السوداني لن يسمح بوجود أي قوة لا محايدة ولا مستقلة، ولكن القوات المسلحة السودانية هي فقط من يحق لها حماية أراضي السودان، مبيناً أن الشعب السوداني وعي حجم المؤامرة، وعرف قدر الجيش، واشتعلت المقاومة الشعبية في كل المدن والقرى، وكل القبائل والأقاليم. 

وأردف، إن المؤسسات الدولية غير محايدة ومنحازة، وتهدف إلى تنفيذ مخطط تقسيم السودان برعاية دولة الإمارات، وبعض دول الجوار، مثل تشاد، حيث تدخل معظم الأسلحة للدعم السريع، عبر مطار أم جرس، وإثيوبيا التي تستضيف الغطاء السياسي للدعم السريع المتمثل في قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، ولا يوجد من جيران السودان من يقف معها سوى مصر وإرتيريا.

بينما حذر عبد الباقي، من أنه إذا لم يتحرك المجتمع الدولي تحرك فعّال، سيكون هناك بؤرة من الهجرة من السودان إلى دول أخرى، ولذلك يجب الضغط على هذه الدول التي تمد أطراف الصراع بالسلاح ومنع السلاح العشوائي من الدخول إلى السودان لكي ينعم السودان بالسلام والاستقرار ودول الجوار مثل مصر وإثيوبيا تعاني من الأزمة السودانية وأيضاً هناك عدد كبير من المهاجرين غير الشرعيين في السودان استغلوا ظروف الحرب ويستغلون الحدود السودانية والتشادية والليبية، لذلك خطر الهجرة غير الشرعية قائم.