تشكيل حكومة اقليم كردستان.. التعثر سيد الموقف
يترقب إقليم كردستان انطلاق مفاوضات تشكيل الحكومة بعد الانتخابات الأخيرة، التي تأخرت بشكل كبير وسط اتهامات للبارزانيين وتدخلات تركيا بعرقلة العملية.
يترقب إقليم كردستان انطلاق مفاوضات تشكيل الحكومة بعد الانتخابات الأخيرة، التي تأخرت بشكل كبير وسط اتهامات للبارزانيين وتدخلات تركيا بعرقلة العملية.
وجرت الانتخابات البرلمانية في الإقليم قبل أسابيع بعد تأخر لأكثر من عامين، وجاءت نتائجها على غير هوى الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البارزاني، حيث فشل في تحقيق أغلبية تضمن له تشكيل الحكومة دون الحاجة إلى التنسيق مع قوى سياسية أخرى، بحصوله على 39 مقعداً من أصل 100، ما يعني أن واقع التحالفات بالإقليم ربما تتغير خريطته.
أيضاً جاءت نتائج الانتخابات ليست كما كان يتمنى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني بعد أن حصل على 23 مقعداً، فرغم أنه كان شريكاً في الحكومة السابقة مع البارزانيين، إلا أنه عارض بشدة سياستهم في الفترة الأخيرة، ودعا الناخبين إلى إسقاط حكم تلك العائلة عبر صناديق الاقتراع، إلا أن البارزانيين حصلوا على العدد الأكبر من المقاعد، ولو كان هناك نجاح للاتحاد فهو حرمان غريمه الوطني من تشكيل الحكومة منفرداً.
لماذا التأخير؟
"تعودنا على التأخير"، بتلك العبارة استهل السياسي الكردي العراقي الدكتور حكيم عبدالكريم تعليقه لوكالة فرات للأنباء (ANF) على تأخر تشكيل الحكومة، قائلاً: "اعتدنا على تأخير الانتخابات وتأخير تشكيل حكومة الإقليم"، مفسراً هذا الوضع بأنه يعود إلى تمسك الحزبين الرئيسيين بذمام السلطة، لا سيما الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارزانيين).
وأوضح أن الحزب الديمقراطي يتعامل مع السلطة وكأنها مملوكة له، ولديه رغبة في أن يكون في مراكز القرار المهمة وكذلك المناصب السيادية، باعتبار أنه حزب أكثرية، على الرغم من أنه إذا تساهل وتعاون مع الأحزاب الأخرى يمكن تشكيل الحكومة في أسرع وقت، لكن البارزانيين سيتمسكون بمناصب رئيس الحكومة وكذلك رئيس الإقليم على الأقل، ما يؤدي إلى تأخير تشكيل الحكومة.
ويلفت عبدالكريم إلى أن هناك أسباباً أخرى تتمثل في التدخلات الإيرانية والتركية، لا سيما الضغوط القادمة من أنقرة التي تؤثر بكل تأكيد على تشكيل الحكومة المقبلة في إقليم كردستان، مشيراً إلى أن المتغير الأهم بعد الانتخابات الأخيرة عدم قدرة البارزانيين على تشكيل الحكومة أو عدم امتلاكهم الأفضلية لخسارته الأغلبية البرلمانية.
وقد كانت الفترة الماضية شاهدة على تصاعد وقوة العلاقات بين تركيا وحزب البارزانيين، ما ترجم في عديد من الاتفاقيات، وبينها ما يسمح بتنفيذ أنقرة عملياتها العسكرية على عديد من المناطق في الإقليم والتي راح ضحيتها أبرياء، وسط رفض واسع لهذه الممارسات التركية ليس على مستوى الإقليم فحسب، بل حتى على الصعيد الوطني العراقي، وبالتالي فإن الجانب التركي يبحث عن حكومة تسير على نفس النهج.
ويعتقد قطاع من المراقبين كذلك أن القوى السياسية سواء الشيعية أو السنية خارج الإقليم لديها مصلحة في استمرار الخلافات بين الحزبين الرئيسيين في كردستان، إذ أن ذلك يمنح الحكومة المركزية في بغداد نفوذاً أكبر داخل الإقليم على نحو يجعلها قادرة على تنفيذ أجنداتها، الأمر الذي كان واضحاً على مدار السنوات الماضية.
هل تعاد الانتخابات؟
وسط هذا التأخر يطل شبح إعادة الانتخابات برأسه، حيث صرح طالباني باستعداد حزب الاتحاد لإعادة الانتخابات حال عدم الجلوس على طاولة حوار لتشكيل الحكومة الجديدة، مضيفاً أنه لا يرغب في أن تستمر عملية تشكيل الحكومة طويلاً، مشيراً إلى أن تمرير حكومة الإقليم بحاجة إلى أغلبية النصف زائد واحد من عدد أعضاء البرلمان.
لكن الدكتور غازي فيصل مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية يرى، في اتصال لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أنه من الصعب إعادة الانتخابات، فلا يوجد أي مبرر قانوني أو دستوري أو أخلاقي لإعادتها، فضلاً عن أن المرحلة الحالية هي لترتيب المواقف بشأن المشاركة وعدم المشاركة في حكومة الإقليم، فهناك من يبقى معارضاً خارج الحكومة ولديه مواقفه الخاصة في مناقشة القوانين والتشريعات في برلمان الإقليم.
وأضاف أن هناك البعض الآخر ربما يشترك في الحكومة ويتفق على مناصب وزارية معينة، وكذلك على مواقع في المؤسسات المختلفة، وبالتالي فإن الأمور تسير حتى الآن طبقاً للسياقات الدستورية، وربما تكون هناك اختلافات عميقة في وجهات النظر بين الأحزاب الكردية، لكن يبقى القانون هنا سيد الأحكام، ومن ثم فلا حاجة لإعادة الانتخابات.
ويشهد البرلمان المنتخب مشاركة عدد من الأحزاب والقوى السياسية لأول مرة في مقدمتها "الجيل الجديد" تحت قيادة السياسي الشاب شاسوار عبد الواحد الذي حل ثالثاً، وتبعه الاتحاد الإسلامي الكردستاني، فيما توزعت باقي النسب على قوى أخرى مثل الموقف وجماعة العدل وجبهة الشعب، فيما كانت المفاجأة بالخسارة المدوية لحركة التغيير التي أسسها الراحل نوشيروان مصطفى عام 2009، أقوى معارضة عبر تاريخ برلمان كردستان لكن لم تحصل إلا على مقعد وحيد.
وفي كل الأحوال سيكون من الصعب أن يشكل أي من الحزبين الحكومة منفرداً دون الشراكة مع الآخر، خاصة في ظل تقاسم النفوذ بينهما على الأرض وامتلاك كل حزب قوات تابعة له، ومن ثم صعوبة تحكم أي حزب يقود الحكومة في مناطق نفوذ الحزب الآخر، وهي إشكالية تؤكد أن الانقسامات ستبقى مستمرة في الإقليم.