صعود حزب العمال البريطاني للسلطة بعد 14 عام.. ماذا يحمل في جعبته للشرق الأوسط
صعد حزب العمال البريطاني إلى السلطة من جديد بعد غياب 14 عام عن السلطة، مع تأثير قوي لقضايا الشرق الأوسط وعلى رأسها القضية الفلسطينية وحرب غزة.
صعد حزب العمال البريطاني إلى السلطة من جديد بعد غياب 14 عام عن السلطة، مع تأثير قوي لقضايا الشرق الأوسط وعلى رأسها القضية الفلسطينية وحرب غزة.
سجل حزب العمال البريطاني مفاجأة مدوية بعد ان عاد إلى الحكم من جديد في البلاد وحقق فوز تاريخي أطاح عبره بحزب المحافظين، الذي كان له نصيب الأسد من الفوز في الثلاثة دورات الماضية، مما يثير التساؤلات حول موقف الحزب من قضايا منطقة الشرق الأوسط ولا سيما الملفات الساخنة مثل القضية الفلسطينية والقضية الكردية.
نشرت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية تقرير عن تأثير مواقف حزب العمال البريطاني من الشرق الأوسط وتحديداً قضية غزة على صعوده في الانتخابات الأخيرة، مشيرة إلى أن موقف الحزب المتأرجح فيما قبل الانتخابات من الحرب وضعه في موقف حرج بسبب الأغلبية المؤيدة له لا سيما من أبناء الأقليات العربية والمسلمة، ولكن مع تعديل مواقفه من حرب غزة نجح في أن يحصد الأغلبية في البرلمان.
وأكد التقرير أنه في المجتمعات المسلمة في بريطانيا، تلقي الحرب في غزة بظلالها على كل شيء، ويشعر الناخبون من اليسار وفي المجتمعات الإسلامية بالغضب من تأخر حزب العمال في المطالبة بوقف إطلاق النار من إسرائيل بسبب ردها على هجمات 7 أكتوبر\تشرين الأول، وهم مصممون على إسماع أصواتهم للحزب.
وأشار التقرير إلى مدن بريطانية بعينها أثرت الجالية المسلمة في أصواتها وكادت أن تطيح بحزب العمال في البداية نتيجة تذبذب مواقف الحزب مثل مدينة برادفورد ويست وهي واحدة من الدوائر الانتخابية ذات الأغلبية المسلمة في المناطق الحضرية في إنجلترا حيث تم الشعور بالغضب والألم بشكل كبير من موقف الحزب المتذبذب، ونتيجة لذلك، فإن ممثلة المدينة نوز شاه، رغم كونها واحدة من أبرز النواب المسلمين في برلمان المملكة المتحدة، وتعد مدافعة منذ فترة طويلة عن الحقوق الفلسطينية، وجدت نفسها قبيل الانتخابات تتوسل الناخبين لعدم سحب دعمهم.
في بريستول سنترال، وهي أبرز مدينة بجنوب غرب إنجلترا، كان هناك احتمال كبير لإطاحة أحد كبار مساعدي ستارمر وهي ثانغام ديبونير، وزيرة ثقافة الظل في حزب العمال وهي مكانة تجعلها في منصب وزاري إذا فاز حزب العمال في الانتخابات، كانت تواجه تهديداً من قبل خصم مختلف وهو حزب الخضر اليساري، ولكنها حصلت حالياً على أغلبية هائلة تبلغ 28219 صوتاً بعد تعديل الحزب من مواقفه.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أنه تحت ضغط من نواب حزب العمال الخائفين بشأن أغلبيتهم، اتخذ ستارمر عدة خطوات نحو دعم أقل لإسرائيل، حيث ضغط من أجل أن تنشر حكومة المملكة المتحدة التي يقودها المحافظون مشورتها القانونية حول ما إذا كان ينبغي اعتبار حرب إسرائيل غير قانونية، وتعهد باستخدام التوجيهات لتحديد ما إذا كانت حكومته ستدعم إنهاء تصدير بريطانيا المحدود للأسلحة إلى تل أبيب.
كما يُلزم بيان ستارمر الانتخابي حزب العمال بالاعتراف بالدولة الفلسطينية كجزء من عملية السلام، على الرغم من عدم تحديد جدول زمني، وقالت النائبة البريطانية نوز شاه إنها تريد أن يذهب الحزب إلى أبعد من ذلك وتعهدت بالضغط من أجل الاعتراف الفوري بفلسطين إذا أعيد انتخابها.
وأوضحت الصحيفة أنه يدرك مسؤولو حزب العمال بشكل أنهم يواجهون معارك بشأن غزة في مقاعد متعددة في جميع أنحاء المملكة المتحدة، والدليل على ذلك وفي روتشديل، وهي بلدة في شمال غرب إنجلترا تضم جالية مسلمة كبيرة، اضطر حزب العمال إلى سحب دعمه لمرشحه البرلماني في الانتخابات الفرعية التي أجريت في شباط الماضي، عندما ظهر على شريط فيديو وهو يشير إلى أن إسرائيل "سمحت" بهجوم حماس، ونتيجة لذلك، حقق جورج غالاوي، وهو ناشط يساري مثير للجدل ومؤيد لفلسطين فوزاً ساحقا.
وكشف عيدروس النقيب، النائب بالبرلمان اليمني والسياسي الجنوبي المقيم في بريطانيا، أن حزب العمال البريطاني سقط في الانتخابات البريطانية بعد فضيحة رئيس الوزراء السابق توني بلير في حرب العراق وتبعيته للولايات المتحدة وأكذوبة أسلحة الدمار الشامل، مما أدى إلى ظهور الحزب أكثر يمينية من اليمين البريطاني وسقط سقوط مدوي لثلاثة دورات انتخابية متتالية، مبيناً أن الحزب يعود اليوم بقضيتين أساسيتين الأولى هي الحرب الأوكرانية والتي أثرت تأثير مباشر على المواطن البريطاني وحياته وقضية غزة.
وأكد النقيب في تصريح خاص لوكالة فرات، أن الفارق الأساسي بين حزب العمال والمحافظين هو تأكيد حزب العمال على حل الدولتين للقضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن حزب العمال نفسه يوجد به تياران الأول هو تيار يساري خالص كان يقوده جيرمي كوربن وهو أقرب لقضايا الشرق الأوسط والتيار الذي فاز مؤخراً وهو تيار أقرب للصهيونية من سابقه وأكثر تخبطا.
وأضاف السياسي الجنوبي والنائب في البرلمان اليمني المقيم في بريطانيا، أن حكومة حزب المحافظين في الصراع العربي الإسرائيلي الذي اختزل في قضية غزة قدمت دعم مباشر لإسرائيل في حربها الأخيرة وقدمت حشود بحرية لنصرتها، ولم يعترض حزب العمال على ذلك، ولكنه ركز في حملته الانتخابية على إدانة ما حدث بعد ٧ أكتوبر\تشرين الأول والمطالبة بحل الدولتين.
وبيّن النقيب، أنه بالنسبة لباقي القضايا في الشرق الأوسط فإن حزب العمال أكثر انفتاحاً عليها عن حزب المحافظين الأقرب إلى فكرة الإسلام فوبيا، ولذلك في القضية الجنوبية نجحت الجالية الجنوبية بإنشاء تجمع يسمى أصدقاء الجنوب من البرلمانيين في مجلس العموم البريطاني معظمهم من حزب العمال البريطاني باعتبار أن بريطانيا لها مسؤولية تاريخية في قضية الجنوب لأنها كانت الدولة المستعمرة له والعلاقات التاريخية بين الجانبين، والمجتمع الجنوبي واختلافه من المجتمع في الشمال خاصة بعد الانقلاب الحوثي وعودة الحكم السلالي القائم على التمييز العنصري، ولأول مرة تصل نائبة عربية امرأة في البرلمان البريطاني من أصول جنوبية، يمكن أن تكون صوت الشعب الجنوبي تحت قبة البرلمان.
كما تطرق النائب في البرلمان اليمني إلى القضية الكردية وموقف حزب العمال من تركيا، مشيراً إلى أن الحكومات البريطانية المتعاقبة حتى قبل حكومة حزب العدالة والتنمية كانت مناصرة للنظام التركي، ولكن حزب العمال أقل تطرفا في مجاملة النظام التركي وغيره من الأنظمة المختلطة أي التي تجمع بين النظام الديمقراطي والشمولي.
بينما كشفت سارة كيرا، رئيسة المركز الأوروبي الشمال أفريقي للدراسات، أن موقف حزب العمال البريطاني من الحرب في غزة أثر على حظوظه الانتخابية في انتخابات ٢٠٢٤، وذلك لأنه يسكن في بريطانيا أكبر الجاليات المسلمة في أوروبا وتليها فرنسا وألمانيا، ولذلك أثرت تلك الجالية تأثير مباشر في الانتخابات البريطانية.
وأكدت سارة كيرا في تصريح خاص لوكالة فرات، أن موقف حزب العمال البريطاني من الشرق الأوسط تمركز حول قطاع غزة وهو موقف محترم سيضيف إلى حل الدولتين، مشيرة إلى لم يكونوا في البداية يستطيعون اتخاذ موقف بعيداً عن موقف أمريكا وإسرائيل ولكن مع الحملة الانتخابية وظهور تأثير الرأي العام العربي والإسلامي هناك بدأت تظهر مواقف أكثر صلابة، حيث كانوا في البداية يطالبون بوقف مؤقت لإطلاق النار ثم تحول الموقف إلى حل الدولتين ووقف إطلاق النار الإنساني في غزة.
وأضافت رئيسة المركز الأوروبي الشمال أفريقي للدراسات، أن حرب غزة أثرت بشكل مباشر في الانتخابات البريطانية وصعدت حزب العمال البريطاني، وخاصة الجالية المسلمة وليست العربية وحدها لوجود عدد كبير من المنحدرين من باكستان وبنغلاديش.
وبينت سارة كيرا، أن الملف الكردي لن يفتح إلا إذا حاولت الحكومة البريطانية في مضايقة تركيا، هي ستركز في الحديث عن ملف حقوق الإنسان أما إذا اختلفت مع الحكومة التركية ستتحدث عن حق الشعب الكردي في تقرير مصيره.
وأوضحت رئيسة المركز الأوروبي الشمال أفريقي للدراسات، أن المحافظين كانوا الأكثر ترددا إلى تركيا، مشيرة إلى أن حزب العمال يمكن أن ينادي بملف حقوق الإنسان وانتهاكاته في تركيا ولكن لا ننسى أن تركيا عضو في الناتو، ولم تدخل السويد الناتو إلا عندما صنفت بعض المنظمات.
كما تطرقت سارة كيرا لموقف حزب العمال مع أوروبا، مبينة أنه سيعمل على توازن العلاقات الأوروبية-الأوروبية وسيكونون أكثر لينا وتقارباً مع الاتحاد الأوروبي عن حزب المحافظين، كما أنهم سيكونون أكثر ميلا للسلام سواء في الملف الأوكراني أو الشرق الأوسط.
جدير بالذكر، أن حزب العمال تأسس عام 1860 كحزب اشتراكي يطالب بحقوق العمال في بريطانيا، وأول مرة يصل فيها حزب العمال إلى رئاسة الوزراء كان عام 1924 بوصول رامزي ماكدونالد لرئاسة الوزراء، وكان أصغر رئيس وزراء عمالي هو توني بلير حيث وصل لرئاسة الوزراء وعمره 44 عام.