يبدو أن التنظيمات المتطرفة في الإقليم تعيش كلها أزمة حقيقية بداية من الإخوان وصولًا إلى غيرها من التنظيمات، ما يدعوها إلى بحث سبل إعادة التموضوع وترتيب الأوراق وغيرها من المظاهر الملموسة والتي تختلف من حالة لأخرى.
حول هذا الموضوع وحول واقع تنظيمات الإرهاب والتطرف ومستقبلها أجرت وكالة فرات للأنباء ANF مقابلة خاصة مع الباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي منير أديب، والذي أكد خلاله أن تنظيم الإخوان يعيش مرحلة شتات حقيقي وأنه قد يختفي عن الوجود، وشدد على أن عودة طالبان إلى الحكم قد تكون أقرب من أي تصور موجها انتقادات واسعة للولايات المتحدة بسبب انسحابها المفاجئ من أفغانستان ومعتبرًا أنه بمثابة جريمة مكتملة الأركان، فإلى نص الحوار:-
** بداية يبدو أننا وبعد مرور عشر سنوات من الحراك العربي أمام إعلان فشل مخطط الولايات المتحدة تمرير الإسلاميين إلى سدة الحكم وتسليم سلطة المنطقة للإخوان بل ونشهد نفس السيناريو بالنسبة لأفغانستان التي وبعد عقدين من حرب أمريكا والتحالف على طالبان تعود لتسلمها.. كيف تقييم المشهد من هذا السياق؟
بالنسبة لسيناريو أفغانستان أنا أعتقد أن الولايات المتحدة ترتكب جريمة كبيرة بانسحابها المفاجئ من أفغانستان خاصة أن أغلب التقارير الاستخباراتية تؤكد أن طالبان سوف تسيطر على السلطة ومن ثم سوف تتحول أفغانستان إلى منصة لتصدير الإرهاب ليس فقط لآسيا وإفريقيا وإنما أيضَا لأوروبا والعالم بأكمله.
وهذا أيضًا يمثل خطورة على الأمن العالمي إن جاز التعبير وهذا سيصل إلى قلب الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فإن الولايات المتحدة تعيد إنتاج تنظيم قاعدة الجهاد جديد خاصة أنها دعمت ذات التنظيم في العام ١٩٧٩ أثناء خلافها مع الاتحاد السوفيتي، فدعمت ما يسمى بالمقاتلين العرب أو المجاهدين العرب، الذين شكلوا فيما بعد نواة تنظيم ما يسمى بالقاعدة- الجهاد.
انتهت الحرب الأفغانية وانتصر الأفغان ودُحر السوفيت وخرجوا من أفغانستان وتفكك الاتحاد السوفيتي وحققت الولايات المتحدة ما أرادته، ورغم ذلك غضت الولايات المتحدة بعد كل تلك الاحداث وبعد كل ما حققته من انتصار عن ما يسمى بالمقاتلين العرب الذين أتوا من عواصم عربية كثيرة أو ما يطلق عليهم بالمجاهدين العرب، وهم من شكلوا فيما بعد تنظيم القاعدة والذي قام بتنفيذ عمليات نوعية وضرب برجي التجارة العالمي داخل الولايات المتحدة في ٢٠٠١.
إذا فإن أصل هذا التنظيم المتطرف كان بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، وهي التي قامت بشن حرب في العام ٢٠٠١ بعد هذه الضربات التي منيت بها، فقامت بغزو أفغانستان واستمرت في ذلك ٢٠ عامًا لم تحقق مما أرادته غير أنها أسقطت نظام طالبان، ثم أخذت قرار بشكل أحادي ومنفرد بالانسحاب من أفغانستان هو أشبه بالهزيمة رغم أن كل التقارير الاستخباراتية أثبتت أن طالبان سوف تسيطر على السلطة.
هي تخرج من أفغانستان بينما تنظيم القاعدة ما زال قويًا، هي دخلت أفغانستان وغزتها ورغم ذلك لم تنجح في الوصول إلى رأس هذا التنظيم، أسامة بن لادن، إلا في العام ٢٠١١ أي بعد عشر سنوات من غزوها لأفغانستان، وهي الآن تخرج بينما أيمن الظواهري مازال موجودًا وحيًا يرزق ويدير التنظيم الذي نعتقد أنه سوف يتصدر المشهد الجهادي في الفترة القادمة.
** برأيك إلى أين يذهب المسار بتنظيم الإخوان بعد حالة التشرذم التي أصابته وسياسة التجريم التي تتخذها الدول العربية باعتباره إرهابيًا؟
الإخوان المسلمين يعيشون الآن مرحلة شتات حقيقي، خاصة بعد التقارب المصري التركي المحتمل، وإن كانت هناك عواقب أمام هذا التقارب، نظرًا لتقاعس تركيا عن القيام بدورها واحتضان التنظيمات المتطرفة، لكن يبدو أن تركيا رغم ذلك ولأنها تشعر بعزلة سياسية ولديها أزمة في الحصار الذي فرضته مصر عليها، فإنها أبلغت قيادات الإخوان بأنهم غير مرغوب فيهم على أراضيها.
هذا التقارب ربما حصل الإخوان بصورة كبيرة في الداخل التركي، خاصة وأن هذا التقارب وكذلك تقارب من نوع آخر بين الجانب المصري والجانب القطري، وبالتالي أصبح الإخوان الآن مهيضي الجناح، لا يستطيعون القيام بأدوار ربما كانوا يقومون بها في السابق، مثل النشاط الإعلامي على سبيل المثال والذي كانوا يحرضون من خلاله ضد الدولة المصرية.
مسارات الإخوان قد يتجهون إلى بعض العواصم الأوروبية مثل هولاندا على سبيل المثال، وقد يتجهون إلى ماليزيا على سبيل المثال، كون بها الحزب الإسلامي، الإخوان المسلمين، وهناك تجربة حكم لا مركزية بين الولايات ويسير الحزب عبر ذلك على بعض الولايات وبالتالي سوف يعتقد الإخوان أن ماليزيا ستمثل حاضنة حقيقية لهم يستطيعون أن يسيطروا من خلالها. هذا فضلًا عن أنهم يسعون للحصول على الجنسية من دول أخرى، وحتى من تركيا حتى لا تكون هناك فرصة لتسليمهم، أو حتى التقليل من نشاطهم سواء داخل أوروبا أو بعض البلدان الأوروبية التي اتجهوا إليها بالفعل.
** الواضح إذًا وبعد كل ذلك أن ورقة الاخوان التي ناورت بها تركيا أصبحت بلا قيمة وبالتالي تابعنا الإجراءات التركية تجاه عناصر التنظيم على أراضيها.. إلى أين ستصل هذه المسألة فيما يتعلق بنظام أردوغان والإخوان الآن؟
هذا كان أمرًا متوقعًا، فاحتضان جماعات التطرف والعنف هو جزء من الأمن القومي التركي.. تركيا تعتبر أنه لا امتداد لهم وتعتبر أن أمنها القومي في وجود هذه التنظيمات المتطرفة، ولذلك استقبلت الإخوان ولازالت تستقبلهم على أراضيها بل وتقدم لهم دعمًا كبيرًا وكانت حاضنة لأغلب منصاتهم الإعلامية التي كانت تحرض ضد الدولة المصرية وأنشأتها لهم تركيا أو ساعدت في إنشائها أو حتى استضافت هذه المنصات على أراضيها، لذلك نظام أردوغان يراوغ بهذه الورقة، لكنها ورقة خاسرة ومصر لن تتفاوض مطلقًا على دماء أبنائها أو دماء شعبها خاصة أن هؤلاء تورطوا في استخدام دماء وأوغلوا في ذلك، لذلك مصر تُصر على أن تتسلم هؤلاء من تركيا رغم إصرار تركيا على عدم تسليمهم أو تمييع قضية تسليم قيادات الإخوان المتورطين في الدماء.
لذلك أعتقد أنه سوف تتوقف عمليات التباحث أو التقارب المصري التركي إلى أن تُثبت تركيا حسن نيتها، لذلك نحن نقول ردًا على السؤال: هل ينجح التقارب المصري التركي؟ إن نجاح هذا التقارب أو فشله مرتبط بتركيا نفسها وبمدى التزامها بما ينبغي أن تقوم به من رفع يدها عن جماعات العنف والتطرف فضلًا عن تسليم أمراء هذه التنظيمات المتطرفة إلى مصر خاصة أنه قد صدرت ضدهم أحكامًا قضائية نهائية.
** قطر أيضا رقم مهم في معادلة الإخوان كما أشرت في حديثك.. فبرايك ما المنتظر من قطر والإخوان خاصة بعد عودة العلاقات المصرية القطرية وكذلك الخليجية بعد قمة العلا؟
أعتقد أن ثمة تقارب مصري قطري ربما أكبر بكثير من التقارب المصري التركي، وأبدت قطر ربما حسن نيتها إزاء هذا التقارب وأعتقد أن هذا التقارب سيأخذ أبعادًا ربما أكبر وأقوى خلال الفترة القادمة خاصة أن قطر كان لديها إرادة حقيقية للتقارب مع مصر، ولذلك هي التزمت على الأقل بالشروط التي وضعتها مصر لهذا التقارب أو على الأقل أبدت مرونة وفتحت حوارًا إزاء هذا التقارب بخلاف تركيا التي مازالت متعنتة تقول شيئًا وتفعل آخر، حتى أن مصر قالت أننا لم نتحدث كثيرًا فيما ينبغي أن تقوم به تركيا، تركيا تعرف ما ينبغي القيام به من رفع يدها عن تنظيمات العنف والتطرف وتسليم كل من تلطخت أيديهم بالدماء من قيادات وأفراد جماعة الإخوان.
** تتعالى الأصوات بأن الإخوان يتمزق من الداخل وأن ذلك قد يكون إعلان وفاة للتنظيم بعد كل هذه العقود.. ما تعقيبك؟
صحيح تنظيم الإخوان يعاني من حالة انشقاق وتشرذم وتفكك من الداخل، خاصة ما تعرض له التنظيم في مصر من ضربات قوية ساعدت في تفكك هذا التنظيم، يتبعه تفكك للفكرة المؤسسة لو أن جهودًا بذلك في هذا الاتجاه سوف يختفي التنظيم تمامًا وسوف يصبح ربما سطرًا في كتب التاريخ، وينتهي حال التنظيم كما انتهت أحوال فرق وجماعات ومليشيات ربما ظهرت في العصر الإسلامي بمراحله المختلفة، ولكن حكم الناس على هؤلاء ربما أنهى هؤلاء بصورة كبيرة.
نعم الإخوان يعانون من تشرذم، تفكك والقيادة دخلت في صراع وعناد شديد مع بقية أفراد التنظيم، وهذا العناد الشديد والصراع الممتد بين الحرس القديم والجديد سينهي التنظيم ويقضي عليه تمامًا، ونحن نعتقد أن التنظيم مر بمرحلة الشيخوخة ووضعه الآن أصعب بكثير مما كان عليه في السابق وهذا ما قد يؤدي إلى تلاشي التنظيم وانتهائه تمامًا.
** مؤخرًا أيدت محكمة النقض المصرية حكم المؤبد على مرشد الإخوان.. كيف تؤثر هذه الخطوة أيضًا على التنظيم؟
الحكم ضربة موجعة للتنظيم وأعتقد أن هذه الأحكام ستنعكس على حال التنظيم وعلى قوته وعلى قدرته على النشاط والحركة، وبالتالي التنظيم لم يعد له وجود حقيقي على أرض الواقع، وهو يمر بمراحل ضعف شديدة وربما يؤدي هذا إلى انتهاء التنظيم تمامًا ليس فقط في مصر وإنما أيضا في المنطقة العربية خاصة أنه يأتي مع تنامي الأزمات بين الحرس القديم والجديد فيمن خلفوا محمد بديع في إدارة شؤون التنظيم وهنا أقصد إبراهيم منير أمين عام التنظيم الدولي والقائم بأعمال مرشد الإخوان، ومحمود حسين أمين عام التنظيم السابق والذي أقاله إبراهيم منير من منصبه وعينه عضوًا فيما سماه بالمكتب الإداري للإخوان في تركيا، فكل هذا الصراع مع هذه الأحكام القضائية تُنهي على التنظيم بحيث يصبح قوة ضعيفة، أداة غير فاعلة لتمرير فعاليات وأنشطة الإخوان المسلمين.
** استكمالًا للحديث عن وجهة الإخوان وإشارتك إلى ربما هولاند وماليزيا هناك أصوات تتحدث أيضًا عن إيران وأخرى تشير إلى واجهات غربية تصل حتى كندا؟
ربما بالفعل يتجهون إلى إيران، ربما يتجهون إلى اليمن، وقد رحب محمد علي الحوثي قائد الحركة الحوثية بالإخوان، والإخوان لديهم تقارب شديد مع إيران والمشروع الفارسي، ولذلك فإن إيران قد توفر لهم مكانًا آمنًا كما وفرت للجماعة الإسلامية والتنظيم في ثمانينيات القرن الماضي حينما دخلوا في خلاف مسلح مع الدولة المصرية.
وبالفعل اتجه بعض قادة الإخوان إلى كندا ودول أخرى مثل ماليزيا التي تمثل ملاذ حقيقي للإخوان، حيث يتواجد الحزب الإسلامي كما تحدثنا سابقًا.
** الأمر لم يتوقف على الإخوان في مصر بل في الجوار الفلسطيني حيث جماعة حماس في غزة نراقب مواقف مغايرة من حماس تجاه مصر منذ وصول يحيى السنوار إلى رأس الجماعة.. وصولا لأحداث غزة الأخيرة وموقف مصر وتحركاتها حيال الملف كيف ترى تقييم ذلك أيضا؟
فيما يتعلق بالملف الفلسطيني حماس ربما حاولت التقرب مع الجانب المصري، وكان الجانب المصري يتعامل بطريقة قوية وربما أفاد القضية الفلسطينية بصورة كبيرة وما زالت مصر تقدم دبلوماسيا وأمنيا وربما سياسيًا لفلسطين، ولذلك إدراك حماس لذلك من خلال قيادتها الجديدة ممثلًا في يحيى السنوار هذا ربما يدفع إلى مزيد من الإنجازات التي تحققها مصر على مستوى القضية الفلسطينية وأتوقع أن التفاهمات التي تبديها حماس ستؤدي إلى مزيد من التقارب وسوف يخدم ذلك القضية الفلسطينية بصورة كبيرة.
** غاب الإخوان عن المشهد وتم القضاء على وجود داعش في سوريا والعراق.. وتراجعت أدوار تنظيمات كالقاعدة في اليمن، النصرة وغيرها وما أعقبتها من تسميات على نفسها للخروج من وصمتها.. وحتى التنظيمات والجماعات السلفية أصبحت مرفوضة شعبيا في دول عدة.. هل يعني ذلك انتهاء كل هذه التنظيمات.. أو أنها ستعيد تموضعها من جديد وتعود ربما بثوب جديد وأفكار تتناسب مع الوضع الراهن؟
تنظيمات العنف والتطرف الموجودة ربما تمر بمراحل ضعف لكنها تخرج منها ربما أكثر قوة ربما لأسباب ترتبط بأن من يواجه هذه التنظيمات لا يواجهها بصورة صحيحة عسكرية وأمنية وفكرية، لذلك هناك أيضًا جهود تبذلها بعض الدول بينما هناك دول أخرى تحتضن هذه التنظيمات وهذا ربما يعطي مساحة قوة لهذه التنظيمات.
هذه التنظيمات ليست قوية وليست قادرة على إنتاج نفسها، لكن الدول التي تواجه هذه التنظيمات هي دول ضعيفة وليست على قدر كبير من المواجهة، ولذلك تبقى هذه التنظيمات بينما تذهب جهود مواجهة هذه التنظيمات سُدى، لذلك أتوقع أن هذه التنظيمات ستعود إلى العمل وستكون أكثر قوة مما كانت عليه لو أن المجتمع الدولي استمر في مواجهته الضعيفة وفق استراتيجية عليها ملاحظات كبيرة في مواجهة تنظيمات العنف والتطرف.
** عودة لملمح من السؤال الأول حول طالبان والانتصارات التي تحققها على الأرض في أفغانستان كيف تقرأ هذا المشهد.. وهل نحن أمام عودة كاملة لطالبان رغم سنوات الحرب الطويلة التي قادتها الولايات المتحدة عليها؟
نعم بكل تأكيد، طالبان سوف تعود إلى الحكم بهذا المشهد الذي نتابعه، وهناك أيضًا تقارير استخباراتية أشارت إلى أن طالبان قادرة على العودة إلى سدة الحكم خلال ستة أشهر، لكنني أرى أنها قد تعود إلى الحكم وتنقلب على الأوضاع في فترة زمنية أقل من ذلك بكثير، خاصة أن أغلب التقارير تتحدث بأنها نجحت في السيطرة على ٨٥٪ من الأراضي الأفغانية، نجحت في السيطرة على أغلب القرى، بينما تركت المدن الكبيرة، وسيطرت أيضًا على أغلب الحدود التي تفصل أفغانستان عن جيرانها.
لذلك طالبان تسير في اتجاه الصعود إلى السلطة والانقلاب على الحكومة الأفغانية الشرعية الموجودة الآن، وأعتقد أن التصريحات الأمريكية هي مخيبة للآمال، وبعض هذه التصريحات خرج إلى القول بأننا يمكن أن نتفاهم مع طالبان وأن كالبان لا تستطيع السيطرة على الحكم وأن الوضع في أفغانستان آمن، وهذه التصريحات هي لحفظ ماء الوجه أمام القوات الأمريكية التي انهزمت أمام هذه الحركة المتطرفة مما دفعها إلى الهروب من أمام هذا التنظيم الذي فشلت الولايات المتحدة في القضاء عليه رغم غزو واحتلال أفغانستان عقدين كاملين من الزمن.