وأصبحت منطقة الشرق الأوسط تعاني أزمات معقدة ومركبة للغاية، والصدامات الحالية ما هي إلا وليدة مشروعات اعتمدت على فكرة التلاعب بالقوميات والشعوب والأعراق والطوائف، وبدلًا من السعي للعيش المشترك والاستفادة للجميع أصبحنا أمام مشروعات تتنافس تارة وتتوافق تارة حسب مصالحها سواء الأتراك أو الإيرانيين أو الإسرائيليين وحتى القوى الغربية التي قادت الاستعمار سابقا.
الإشكالية لم تكمن في تحديد المشكلة فهي معروفة، ولكن كانت كذلك في الحلول المطروحة، فجرى استيراد أفكار لا تتناسب مع خصوصية وهوية شعوب ومكونات الشرق الأوسط، وتفشل الفكرة تلو الأخرى، في وقت يتوقف كثير من السياسيين عند فلسفة المفكر عبدالله أوجلان وطرحه حول "الأمة الديمقراطية" والذين يؤكدون أنه بقليل من عدم الانحياز سنرى أننا أمام مشروع قادر على حل جميع أزمات هذه المنطقة.
المشروع الوحيد المطروح
"هو ابن هذه المنطقة وقدم حلولا تناسبها"، بتلك العبارة استهل إبراهيم مسلم ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي في اليونان حديثه لوكالة فرات للأنباء (ANF) حول فلسفة أوجلان وما يمكن أن تقدمه من حلول لأزمات الشرق الأوسط، مؤكدا أن مشروع الأمة الديمقراطية هو الوحيد المطروح حاليا، خاصة مع فشل المشروعين العثماني الإخواني والفارسي الشيعي، الذين قاما على فكرة الهيمنة ومحو الآخر.
وأوضح مسلم أن الظروف المختلفة التي مرت بالشرق الأوسط أثبتت أن فكرة الحلول القائمة على الخيار العسكري لن تفلح في حل الأزمات، في ظل الصراع بين القوى الغربية في مواجهة الصين وروسيا، وكذلك الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وكذلك المشروعين العثماني والفارسي وغيرها من الصراعات.
ويؤكد أنه بالنظر للحاجة إلى الأفكار السياسية والسلمية القائمة على خيارات الشعوب ومصالحها، فإن مشروع الأمة الديمقراطية للمفكر عبدالله أوجلان تظهر قميته، والذي طرحه من سجنه في إمرالي، حيث يرى أن فكرة القومية غريبة على شعوب الشرق الأوسط التي على مدار التاريخ كانت متعايشة جنبا إلى جنب ولا يمكن فصلها عن بعضها البعض في ظل التدخل الكبير بينها.
ويلفت إلى أن فكرته تقوم على أن كل القوميات والشعوب والإثنيات أن تدير شؤونها بنفسها في إطار إدارات ذاتية يتمتع فيها الجميع بكافة حقوقهم، وهو النموذج الذي تم تطبيقه في مناطق شمال وشرق سوريا، حيث يعيش الكرد إلى جوار العرب والآشوريين والأرمن وكل الديانات، وجميع هذه المكونات لها الحق في إدارة ذاتها حسب مصالحها الاقتصادية والاجتماعية دون الحاجة إلى تغيير الخارطة الديمغرافية للمنطقة.
ويلفت مسلم إلى أن أفكار عبدالله أوجلان هذه طرحها بعض المفكرين اليونانيين كحل مثالي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي والصراع الطائفي في لبنان، لأنه لو نظرنا إلى الواقع فلا يمكن فصل هذه الجماعات عن بعضها البعض وهناك تداخل في المصالح على نحو لا يمكن وضع حدودها بينها، لكن إذا تم بناء نظام ديمقراطي على أساس المساواة بين جميع الشعوب والمكونات الثقافية والسياسية وتمتع كل مكون بإدارة ذاتية، فإن هذا سيولد إدارات ذاتية ديمقراطية تتمتع فيها شعوب المنطقة بالحرية، وبالتالي سنكون أمام نموذج منافس للنموذج الأوروبي.
ويؤكد في ختام تصريحاته أن فلسفة عبدالله أوجلان قدمت حلولا تتوافق مع هذه المنطقة، لأنه ابن المنطقة وعاش صراعاتها المختلفة، وبالتالي لديه تجربة قدم من خلالها مشروعا يقوم على حرية جميع الشعوب والمرأة والمعتقدات، على نحو لم تتضمنه المشروعات الأخرى سواء العثماني أو الفارسي التي كان كل هدفها السيطرة والهيمنة والقضاء على الآخر.
وخلال العقد الماضي كان ظاهرا بوضوح تحالف تركيا مع تنظيم الإخوان الإرهابي وكذلك دعم داعش من أجل السيطرة على مناطق واسعة في سوريا والعراق في إطار ما عرف بـ"العثمانية الجديدة"، والذي كسر بهزيمة الدواعش بدور كردي لا يُنكر، في وقت تعمل إيران على بسط هيمنتها عبر مليشيات طائفية تمتد بين العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها من المناطق.
نظرة دون تحيز
بدورها، تقول الدكتورة فرناز عطية أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه لو جرى التمعن في أفكار السيد عبدالله أوجلان دون تحيز سنجد أن هذه الأفكار إن طبقت ستقدم حلولا كثيرة لأزمات الشرق الأوسط، لا سيما أنها أفكار قابلة للتطبيق وذات طبيعة أممية تصلح للتطبيق في كافة بقاع العالم والشرق الأوسط.
وأضافت أنه على سبيل المثال إذا نظرنا إلى مشروع الأمة الديمقراطية الذي هندسه أوجلان سنجد أن هذه الفكرة تتسع لجميع الأعراق والطوائف والقوميات، مشيرة إلى أنه لا يخف على أحد أن منطقة الشرق الأوسط بها عدد كبير من العرقيات والطوائف والتي كانت مدخلا يلعب عليه دائما المستعمر سواء في الحقبات الماضية وحتى في الوقت المعاصر وقد جرى استغلال هذا الأمر أسوأ استغلال عبر إثارة البلبلة والقلاقل وإثارة الفتن وتفتيت الدول.
وقالت الدكتورة فرناز عطية إن فكر أوجلان وفلسفته الخاصة بالأمة الديمقراطية إن طبق هذا المشروع في الشرق الأوسط لانتهت معاناة كثير من الشعوب والدول التي تشهد تنوعا ديمغرافيا وعرقيا، ولضمنت كثير من الدول السلام والاستقرار والازدهار لشعوبها، فالتعاون والتعايش وتقبل الآخر يحل كثير من مشكلات المنطقة.
التشاركية واللامركزية
تشير أيضا الدكتورة فرناز إلى أفكار أوجلان الخاصة بالمرأة والتي دعت إلى التشاركية، ورأت أن تطبيقها سواء داخل الأسرة أو على النطاق الأوسع في الدولة والمجتمع ككل من شأنه حل مشكلات النساء في الشرق الأوسط، فهي تشاركية لا تقوم على مجرد الشعارات ولا في نفس الوقت بها استهانة بحقوق المرأة وإنما وفق مبدأ موضوعي بين الرجال والنساء، مشددة على أن هذا من شأنه سد ثغرة تحرير المرأة التي كان يتدخل من خلالها الغرب في شؤوننا.
وأكدت أن أفكار أوجلان ليست مستوردة وليست ديمقراطية زائفة مفروضة من الخارج، ولكن هي وليدة المجتمعات ذاتها، فأوجلان أتى بأفكار تتلائم مع شعوب الشرق الأوسط بما أنه ابن هذه المنطقة، وبالتالي جاءت فلسفته ملائمة للمنطقة وعاداتها وتقاليدها، على عكس التجربة الغربية التي أهملت السمات الخاصة بنا.
وأشارت كذلك إلى مناداة أوجلان بفكرة اللامركزية وأن تكون الأقاليم مستقلة بذاتها، وهو استقلال لا يعني الانفصال وإنما يعني تحقيق الاكتفاء الذاتي وأن تعتمد أجزاء الدولة الواحدة على بعضها بشكل إيجابي وليس سلبيا، مشيرة إلى أن التجربة العملية أثبتت فوائد اللامركزية في حل كثير من المشكلات وساعدت على تسهيل العمل ومن شأنها تقليل التبعية كذلك للدول الخارجية وتمكن الدول من الاستفادة من ثرواتها، كما أن من خلالعا تكمل الأقاليم الداخلية بعضها البعض.
وقد اعتقل المفكر عبدالله أوجلان في إطار مؤامرة دولية ألقت بها في السجون التركية لنحو 25 عاما، فلا يزال حتى الآن في سجن إمرالي يخضع لعزلة ظالمة فرضها عليه نظام الديكتاتورية التركية.