"أرتميسيا"... المرأة كما ينبغي أن تكون... هي الأصل ولو شكك المدلسون

لن تعرف هل هي امرأة وجدت حقيقة الأشياء، أو مقاتلة اخمينية، كانت أكثر من جيش بأكمله أو هي تلك العشبة المتنوعة والتي تتواجد بمشاهد مختلفة مع اختلاف الجغرافيا، إنها "أرتميسيا" تلك المرأة الأسطورة التي أطلت للعالم من جديد لتقول بأنها أصل الحكاية ومنبت حلها.

لن تعرف هل هي امرأة وجدت حقيقة الأشياء، أو مقاتلة اخمينية، كانت أكثر من جيش بأكمله أو هي تلك العشبة المتنوعة والتي تتواجد بمشاهد مختلفة مع اختلاف الجغرافيا، فمنها يكون العلاج والاستشفاء وحتى الترياق لأمراض الروح ولحالات الأسطورة التي تجتمع معها عوالم غير مرئية وغير معروف مدى حقيقتها من عدمه... إنها "أرتميسيا" تلك المرأة الأسطورة والاستثناء التي أطلت للعالم من جديد لتقول بأنها أصل الحكاية ومنبت حلها.

قبل حوالي خمس سنوات استوقفني مقال كاتبة كردية كنت قد تعرفت عليها للتو عبر الشبكة العنكبوتية وصديق كردي يعيش في القاهرة، رشحها لي للكتابة في تجربة موقع إخباري كنت قد بدأت تأسيسه، لن أنس لا عنوان المقال ولا كم التجارب التي رافقتني منذ هذا الوقت حتى تلك اللحظة التي فيها أتتبع أثر حكاية نسوية بحتة يرويها رجل لكن بعقلية مختلفة.. كان المقال عنوانه "المرأة هي الأصل".. ربما يتقارب في العنوان فحسب من عمل الراحلة نوال السعداوي "الأنثى هي الأصل"، رغم الاختلافات الكبرى.. كنت وقتها لم أتوقف عن البحث عني لكني أبدا لم أكن أبدا أتخيل أني في لحظة من اللحظات سأعايش تجربة القهر.. قهر الرجل للمرأة.. كنت أرى أن المرأة قادرة على الحصول على جل حقوقها وأنها هي الوحيدة التي يمكنها ذلك.. كان تصوري وقتها أن جل ما حصلنا عليه فيه مساواة واضحة رغم كل صور النقص المختلفة. كنت أرى العالم من عدسة أحادية ليس للاختلافات الجندرية أي ملمح فيها.. حتى غيرتني الحياة بانهزامات وانكسارات كبرى وفي المقابل كان لتلك المواطنة الكردية التي فتحت لي باب مميز على عالم المرأة الكردية التي تطمح لتأسيس علم أطلقن عليه "علم المرأة" -اتفقت معه أو اختلفت حتى تلك اللحظة-اليوم وفي لحظة هزيمة كبرى يخوضها الإنسان دونما أي حرب تُطل في الذكرى تلك المقولة من جديد، وكأن الحياة نفسها تُرسل رسائل الاستشفاء الكبرى لكل مهزوم، المرأة هي الأصل ولو كره المدلسون.

قبل قرابة شهرين تنامى إلى مسامعي من كاتب يعمل بهندسة القوى الكهربية اسم "أرتميسيا"، كنت أول مرة أنتبه لها وعبره فُتح الباب للاطلاع على كائن الأرتميسيا الذي ليس إلا حالة انثوية فريدة قادرة على إحداث استشفاءات عظيمة، بل إنها أيضا قادرة على فتح الباب لملايين من الأسئلة الوجودية الكبرى، بالبحث عن أرتميسيا كانت لوحاتها التي تضرب في أقصى نقاط الذاكرة لتذكرك بتلك المشاهد المصورة لنساء قويات، لن أقل بدينات رغم أنها الحقيقة، لوحات متلاحقة، جمعية نسوية تطلق جائزة إبداعية سنوية للنساء في هذا السياق، ثم أرتميسيا الأولى زوجة شاه إيران خشايا رشا الأول، تلك اليونانية الأصل التي قادت حربا للفرس على اليونان بقت تيمة قائمة في التاريخ.. ثم والأهم الأرتميسيا تلك النبت المتنوعة والمختلفة والمتعددة، نعرفها هنا في مصر باسم "الشيح" وبالطبع لا أحد يمكنه أن يغيب عن ذاكرته شيخ البابونج، تلك النبتة التي لا يمكن القول إلا أنها حالة من حالات الشفاء النفسي والجسماني.. الأهم أن المصريين القدماء جلّوا تلك النبتة أيما إجلال.. وكان لها طقوسها الاستشفائية خاصة للنساء.. يكفي القول إنهم قبل الميلاد بخمسة آلاف عام كانوا يعالجون بها الأورام النسائية في منطقة الرحم بطريقة لا تزال بعض القابلات في ريف مصر العزيم تستخدمنها رغم حالات التطور العلمي الحاصل، وكأنهن توارثنها أما عن أم عن جدة وصولا لأولى الجدات في مصر القديمة، والتي قد تكون تلقتها عن إيزيس في مشهد كهنوتي عظيم في غرفة الولادة غرفتها في دندرة.

منذ سنوات والكاتب المهندس "أحمد محمود" يتتبع أثر تلك الفنانة الاستثناء ابنه عصر الباروك "أرتميسيا"، والتي تأخذه في رحلات من التتبع والاختلاف ويسير معها في مرحلة ورحلة الكتابة التي يقول إنه حتى اللحظة لا يعرف إن كان قد رضي عما كتبه عنها وإنه سيرى النور قريبا أو أنه سيواصل السعي حتى تتشكل التجربة بثورة يرضى عنها.. فقد أخذته أرتميسيا في رحاب عمل روائي لكنه على الهامش من ذلك يدون ما يشبه مشاهد لسيرة مبدعة يرى أنها هي بحق المرأة الاستثناء بكل ملامح تجربتها التي تُعبر عن ملحمية إنسانية بديعة تأخذه إلى عوالم مختلفة فيها من الإبهار والألم واليقين لما قد يذهب معها العقل إلى عوالم مغايرة، لا ينسى أيضا في الاطار أن يشير إلى عمل روائي لكاتبة بعنوان أرتميسيا، يتناول جانب من تلك الملامح التي ربما جعلته يتوقف طويلا في عمله رغم ملامح الاختلاف بين العملين رغم تيمة التحول من ظلمة اليأس إلى أبواب الأمل الواسعة.

يرى أحمد محمود والذي يقضي يومه في عمل علمي مليء بنظريات جامدة ومعادلات المنطق، أن أرتميسيا وهي رمز للمرأة في أبهى صورها هي القوة.. وهي العلاج لكل أزمات البشرية.. كورونا على سبيل المثال ومنذ بدأت الأبحاث العلمية وهناك حديث عن أهمية ودور نبتة الأرتميسيا في العلاج.. استخدمها العلماء الصينيون وخرجت التقارير العلمية التي تتحدث عن ذلك.. بالمقابل أيضا.. يستخدم الأفارقة منذ وقت تلك النبتة كوصفة شعبية في علاج الايبولا، ربما يكون قابل ذلك خلال رحلاته إلى بعض المدن الإفريقية في مسيرة عمله المهني.

تتوقف الاقتباسات هنا عن صاحب الفكرة الرئيسة الذي أتى الأرتميسيا إلى الواجهة، لكن تبقى سيرة أرتميسيا.. وكأنها حواء الأصل في إعمار الأرض.. فهي الرحم الذي منه خرجت البشرية ولم تكن تعرف أن النصف الآخر هو من سيقوم بعملية التخريب الكبرى.. ثلث البشر قُتلوا في أول جريمة بشرية على الأرض بيد الرجل.. قتل قابيل هابيل طمعاً في "المرأة".. نفسها الأزمات الراهنة.. كل الكرة الأرضية تعاني الدمار والحروب والخراب والتهجير بسبب تلك العقلية السادية التي لا تطمح إلا إلى السيطرة والتحكم.. خربوا شرقنا التليد بحروبهم، وصنعوا حتى من النساء الحالمات، الأمهات بالطبيعة، قتلى. كم من امرأة برزت في صورتهم الدموية الإجرامية.. كم دواعش وداعشيات بثوا الخراب في المنطقة.. وكم من حالمات في نفس الجغرافيا استبدلن الورود والزهور بكلاشينكوف للدفاع عن الأرض والعرض.. للدفاع عن شرف البشرية الذي اختزلوه في خانة ضيقة.

أرتميسيا هي حتى "ندى".. ذلك التحالف النسائي الوليد الذي تجتمع فيه نساء الشرق الأوسط ولديهن هدف وكلمة وحيدة وهي "حرية النساء"، لم يعد مقبولًا أن تستعبد المرأة في مشرقنا المتأزم.. لم يعد منطقي أن تقف بانتظار كلمة حق تعطيها جزء من حقوقها.. هي وحدها قادرة على رسم طريقها.. هي بذاتها قادرة على التخطيط لاستراتيجية الحياة.. سبق أن أطلقن وسنظل.. ماذا لو حكمت النساء العالم.. حقيقي أنهن حالمات.. لكن هذا الحلم هو الذي يزرع الأرض بعد جدبها هو الذي يُغير المناخ بعد تطرفه العظيم بفعل ثورتهم الصناعية الانتهازية الكبرى.. إن حلمن أمام انتهازيتهم.. هن قادرات على المواجهة والحرب لكنهن لا يلجأن إلى الحرب إلا مجبورات.. وإذا حاربن فإنهن لا يلبدن الأرض لا يفكرن في إنهاء البشرية لا بقنبلة نووية ولا جرثومية.. إنهن لا يمكنهن أبدا أن ينشرن الأوبئة ككورونا ومثيلاتها، لكن بالمقابل هن تلك النبتة الأرتميسيا، التي يقولون إنها قادرة على مواجهة كورونا بدرجة وإيبولا بدرجات والأهم أنهى تواجه أعتى أنواع السرطانات.

ربما أنا أيضا بصيغة أو بأخرى قد وجدت في تلك الأرتميسيا، بعيدا عن تلك المقاتلة الكردية التي كانت أول قائدة حربية تقاتل في صفوف الفرس، صورة من علاج في مرحلة استشفاء كبرى وأنا على باب منتصف العمر إلا قليل.. إن أرتميسيا ليست الحياة لكنها ذاك الباب الكبير المشرّع على مصراعيه وأمامه فضاء واسع وجبال شاهقة كجبال كردستان التي قال الكرد يوما إنهم ليس لهم سواها.. واليوم ربما ترن الكلمة كجرس يوقظ الحواس على أن حتى ورغم انتهازية البشر وانتهازية بعض أصحاب القضايا إلا أن هناك تجارب حياة لابد أن تظل شاهقة كما الجبال ولا ضير من انهيار جبل من بين تلك الجبال العالية، فجبل موسى الذي صرعه قدم له وللبشرية أهم دروس الحياة.. ولتبق الحياة كما الجبال دروس بحجم طرقها الوعرة التي تُرافق من يرافقها وتقسو على من لا يتعلم الدرس.