باحثة مصرية في التاريخ: أفكار عبد الله أوجلان تجعل المرأة مفتاح الحياة

تجتذب أفكار القائد عبد الله أوجلان الكثير من المهتمين بالعمل النسوي أو بدور ومكانة المرأة، لا سيما إيمانه الراسخ بالتشارك بينها وبين الرجل في كافة المجالات الحياتية وأن حرية المجتمع تبدأ من حرية المرأة.

في هذا السياق، حاورت وكالة فرات للأنباء (ANF)، الدكتورة سحر حسن أحمد الباحثة في التاريخ الحديث والمعاصر بمركز تاريخ مصر الحديث والمعاصر بدار الكتب والوثائق القومية المصرية، والتي من خلال اتصالها بالتاريخ ومطالعتها لا سيما كتابات السيد عبد الله أوجلان ترى أن أفكاره جعلت المرأة مفتاح الحياة.

لا يتوفر وصف.

إلى نص الحوار:

*لك قراءات وأبحاث مؤخراً عن المرأة في فكر المفكر والقائد عبد الله أوجلان، كيف وجدت المرأة لدى أوجلان؟

- لا شك أن المفكر والقائد الوطني السيد عبد الله أوجلان يرى أن المرأة هى الحياة ونظرته للمرأة بأنها "مفتاح الحياة" إذ ربط المرأة الكردستانية الحرة بمعيشة الإنسان وتفاعله مع المجتمع سواء ذكراً أو أنثى، وكأنه يصف الحياة ومسيرتها وتفاعلاتها المجتمعية من خلال هذه المرأة التى تُمثل نصف المجتمع ولكنها فى الواقع بمسؤليتها عن النصف الآخر تُمثل المجتمع بأكمله، وفى تناوله لموضوع المرأة الحرة، فقد نجده يتحدث عن العائلة من خلال المرأة، وعن العشق والارتباط والزواج وتربية الأبناء وروابط العلاقات الأسرية من خلال المرأة أيضاً، ثم ينفتح على الحياة الخارجية ويتخطى إطار الأسرة ومسؤليتها إلى إطار المجتمع ودور المرأة فى الحياة بكافة مناحيها، فنجده يخرج من إطار العلاقات التقليدية إلى إطار الحياة بما تشمله من جهد ونضال وكفاح تحقق للمرأة فيه أشياءً خرجت عن المقاييس التقليدية للحياة العادية، وكأن المرأة قد خرجت من زي الأنوثة وروح الأمومة والاستسلام للحياة الاعتيادية إلى زي الندية للرجل واعتراك الحياة، فإن لكليهما كيانيته وحريته وذاته الخاص ومساحته من العمل والبناء، وهنا نتساءل كيف خطرت لأوجلان فكرة وجود المرأة وغياب الوطن، فهل تصح نظرية وجود الكيان الأنثوي فى وطن غير موجود، يؤكد هذا التعبير المجازي على النظرية التي طرحها أوجلان والتي تتعلق بالبحث عن حرية المرأة الكردستانية وتحقق من خلالها فكرة وجود الوطن الحر، يبدو أن القائد عبدالله أوجلان قد تناول قضية حرية المرأة بالتوازي والتداخل مع قضية التحرر الوطني، وهنا تتجلى لنا ظاهرة إنجاز "ثورة داخل ثورة"، ذلك أن تحرر المرأة من غبن العبودية وتداعياتها الثقيلة المتعششة فيها منذ آلاف السنين، يُشكل بحد ذاته ثورة، وهذا تحديداً هو ما ميّز حركة الحرية الكردستانية عموماً، وحركة حرية المرأة الكردستانية خصوصاً عن غيرها من جميع الحركات السابقة على صعيد مقاربتها الاستراتيجية والمحورية من قضية حرية المرأة، لقد كانت هذه الخطوة تدبيراً وقائياً تجاه إصابة الثورة بالهشاشة أو الرعونة، مثلما كانت خطوة استراتيجية على صعيد إبراز طاقات المرأة الدفينة وصقلها وتطويرها.

*لقد قرأتِ عدة كتب للسيد أوجلان عن المرأة، وكونك باحثة ودكتورة ماذا تقولين عن هذه الكتب وأهميتها للمرأة؟

- أقول إن مؤلفات السيد أوجلان مهمة جداً، ولا غنى عنها لتاريخ القضية الكردية؛ إذ تطرح الكتب لرؤيته حول دور المرأة في المجتمع والعديد من القضايا المتعلقة بحقوق المرأة والمساواة والعدالة، كما طرح أوجلان في كتبه أيضاُ التحديات التي تواجه المرأة ورؤيته للحياة الحرة، وقد طرح من خلال مؤلفاته النظرية الثورية التي تُطالب بحقوق المرأة الكردستانية، ومن خلالها سعى إلى إعادة هيكلة البناء المجتمعي بما يشمله من قيم الحب والمساواة والحرية، والتي يُجسدها فى صورة المرأة، فهو يرى أن المجتمع بما فيه من تخلف ورجعية كان نتاجاً لسلب إرادة المرأة، فلا يرى أن الحب فى هذا المجتمع حباً حقيقياً ناتجاً عن مشاعر بين طرفين ووصفه بغريزة رخيصة يشبعها الرجل من المرأة دونما التفات لمشاعرها وكيانها الإنساني، وكونها في هذا الفكر، وإن وصفت بالأم فيرتبط هذا بخدمتها للرجل ولبيتها فقط، ومن الواضح أنّ قضية المرأة التي اهتم بها المفكر "عبد الله أوجلان" جاءت في سياق التطوّرات الاجتماعية والسياسية، وأيضاً في إطار السياق التاريخي للمنطقة عموماً وللكرد خصوصاً، وبدا أنّ قضية تحرّر المرأة مرتبط بتحرّر الرجل، والوطن وفي إطار حلّ المشكلة الوطنية للكرد، نظراً للارتباط العضوي بين القضيّتَين، كما يرى مفكرنا أن المرأة الحرة تُعني كردستان الحرة، فعندما تحصل المرأة على حريتها سوف تحرر كردستان وتحل القضية، ومن خلال تلك الكتب وضع القائد أوجلان يده على الجرح، وتعمق في التفاصيل، وبنظريته المجتمعية، شرح كيفية التخلص من العوائق التي تزيد العلاقات المجتمعية تعقيدا،. وعبّر من خلال كتبه هذه عن مدى حاجتنا إلى نظام كبير للعلاقات، وشدد على أن التكاتف الاجتماعي وتطوره من الجوانب كافة، وتحويل العلاقات إلى قواعد وقوانين، وتحويل العلاقات الفوقية إلى سياسية وعسكرية وقيادية، كل ذلك يتسبب في تقدم المجتمع، ويكسبه القوة،Top of Form وبصفتي باحثة ودكتورة، أشجع دائماً على قراءة ودراسة مختلف وجهات النظر والأفكار حول قضايا المرأة الكردستانية مع الفهم العميق لتجارب المرأة، حيث يُسهم هذا في تشكيل رؤى أفضل حول العدالة الاجتماعية والمساواة، إذا كانت هذه الكتب قد تحفزك على التفكير وتوسيع فهمك حول قضايا المرأة والقضية الكردية.

*يطرح أوجلان مفهوم الحياة التشاركية الندية الحرة، كيف رأيت هذه الفكرة والفلسفة؟

- لا شك أن فكرة الحياة التشاركية الندية الحرة هى فكرة مهمة؛ إذ تتعلق حياة "الشراكة النِدّيّة الحرّة" بفكرة العيش المشترك بحرية وتساوٍ في العلاقات الإنسانية والاجتماعية، كما يُشير مفهوم تلك الحياة إلى نموذج حياة يستند إلى المساواة وحرية التعبير عن الذات دون قيود، وكى تتحقق الحياة النِدّيّة الحرّة، يتم التأكيد على تحقيق مفاهيم من قبيل، المساواة وحرية الاختيار والتواصل الفعّال والاحترام المتبادل والدعم المتبادل في مختلف جوانب الحياة وتحقيق الأهداف المشتركة بين الشركاء، فتحقيق الحياة النِدّيّة الحرّة يتطلب التفاهم المتبادل، والالتزام بالمساواة وحرية الاختيار، والتواصل الفعّال، يتطلب أيضاً العمل المستمر على بناء علاقة قائمة على الاحترام والثقة، هذا المفهوم يمكن أن ينطبق على العلاقات الرومانسية، الصداقات، وحتى العلاقات الاجتماعية في المجتمعات بشكل عام، Top of Formوترى أفكار أوجلان الحياة التشاركية الندية كمفهوم شامل، يشمل العمل الثقافي والتعليمي والاقتصادي والعسكري، ويعتبر النضال الكردي نمط حياة يتطلب تفانياً وتضحيةً وإصراراً لتحقيق الحرية والعدالة، ويُشجع أوجلان أتباعه على أن يكونوا جزءاً من الحياة الندية وأن يعيشوا بروح النضال والمقاومة ضد الظلم والقهر، فالحياة الندية ترفض مفهوم التملك، وتُقيم الحرية الاجتماعية بين الجنسين، على أساس العدالة والمساواة، وهذا يخلق إرادة حرة ومتكافئة بينهما وهكذا تتحقق الحياة الندية الحرة التي تليق بالإنسان، ويجب أن لا تنحصر الحياة الندية للأفراد العاملين في حزب العمال الكردستاني فقط، بل يعتبرها أوجلان نمط حياة ينبغي أن يمتثل له الكرد جميعاً في سبيل تحقيق أهداف الحرية والعدالة لشعبهم، لتحقيق الشراكة الحرة مع المرأة وتغيير العقليات السلبية المتعلقة بها.

*كيف ترين تطور مسيرة المرأة الكردستانية ووصولها لمفاهيم الرئاسة المشتركة وعلم المرأة (الجنولوجيا) ووجودها في كافة مجالات الحياة في المجتمعات الكردية ووصولها لتنظيمات عسكرية خاصة بالمرأة ودورها المهم في هزيمة داعش في سوريا والعراق؟

- نجد أن مسيرة المرأة الكردستانية عبر التاريخ تُظهر تطوراً ملحوظاً على مر العقود، حيث شهدت مشاركتها في مجالات متنوعة وصعودها إلى مستويات قيادية، يُعزى ذلك جزئياً إلى التأثير القوي للحركة الكردية والظروف التاريخية التي شكلت مجتمعات الكرد، ومن بين المفاهيم المهمة التي نشأت وتطورت في هذا السياق هي "الرئاسة المشتركة" و"علم الجنولوجيا"، وهما مفهومان يرتبطان بالفلسفة السياسية والاجتماعية في حزب العمال الكردستاني (PKK) بقيادة عبد الله أوجلان، فالرئاسة المشتركة هي فكرة تعتمد على توزيع السلطة واتخاذ القرارات بشكل جماعي، وتشجع على المشاركة الفعّالة للمرأة في الحكم، ويُعتبر النهج الرئيسي في هذا السياق هو تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية بين الجنسين، أما علم الجنولوجية فيرتبط بفهم ودراسة النسل والجنسانية من منظور تحرري، ويسعى إلى تحقيق توازن بين الجنسين في المجتمع، ويسعى إلى إزالة الهيمنة الذكورية وتشجيع المساواة في جميع الميادين، وفيما يتعلق بالمرأة الكردستانية في المجتمعات الكردية، فإن الجهود المبذولة لتعزيز دور المرأة ومشاركتها أدت إلى تحقيق تقدم، فالمرأة تلعب دوراً في كافة المجالات بدءاً من المجال السياسي والاقتصادي إلى المجالات الاجتماعية والثقافية، كما تحظى المرأة بفرص للتعليم والمشاركة في صنع القرار، وهو ما يعكس التزاماً بتحقيق المساواة، فقد لعبت المرأة الكردستانية دور كبير في الأحداث التى حدثت في سوريا والعراق والمجتمع الكردي كونها جزءاً لا يتجزأ منها، وشاركت بجانب أخواتها الثائرات ضد الظلم، ونادت بالحرية بصورة عفويّة؛ لأنها كسرت قيود العادات والتقاليد والأعراف، وكانت تُعاني الاضطهاد والتجاهل، وهدمت جدار الخوف، ولا نُنكر للثورة السورية دورها البارز في تأسيس كثير من الجمعيات، المنظمات، التنسيقيات والهيئات الكردستانية النسائية، أما بالنسبة للتنظيمات العسكرية الخاصة بالمرأة، فقد شهدت تشكيل وحدات نسائية ضمن القوات الكردية في مناطق مختلفة، تأثرت هذه الوحدات بفهم الرئاسة المشتركة وعلم الجنولوجيا، حيث أسهمت المرأة في صفوف هذه الوحدات في مواجهة تنظيم داعش في سوريا والعراق، تبرز المشاركة النسائية في القوات المسلحة دوراً حاسماً في تحقيق الانتصارات وتعزيز الأمان والاستقرار في تلك المناطق.

وبفضل فكر وفلسفة المفكر عبد الله أوجلان تم تحرير منطقة شمال وشرق سوريا من رجس الإرهاب، وقد كانت المرأة السباقة والرائدة في تحرير هذه المنطقة، حيث كانت تُقاتل في الصفوف الأمامية، فيما قامت بتنظيم نفسها في جميع المجالات، حيث أصبحت صاحبة القرار السياسي ورئاسة مشتركة تُشارك الرجل في صنع القرار، بعدما كانت ضمن الحكم الديكتاتوري الذي همّش دورها في المجتمع، وخلال فترة سيطرة التنظيمات الإرهابية على مدينة الرقة تعرضت المرأة للظلم والتهميش، وتم كبت دورها في المجتمع؛ حيث لم تكن قادرة على ممارسة أعمالها في المجتمع، بهدف كسر إرادتها والنيل من عزيمتها، وقد عانت المرأة من أنواع الظلم و المعاناة الأليمة والمأساوية، وخاصة في مدينة الرقة التي كانت الخلافة المزعومة لمرتزقة داعش الإرهابي، وكانوا يقومون بسبي النساء وبيعهم في أسواق داعش؛ حتى القاصرات من العمر التي لا يتجاوز عمرهن أحد عشر عاماً لم تنجو منهم، وقد جاء هذه الانتصار رداً على ظلم داعش، المدعومة من دول تدّعي الديمقراطية والتي كانت تمدها بجميع أنواع الأسلحة لمحاربة الشعوب التواقة للحرية، فنساء شمال وشرق سوريا تعيش مع جميع المكونات بعدل ومساواة ضمن الإدارة الذاتية، ومشاركين في جميع مجالات الحياة.

*كيف يمكن للمرأة العربية والكردستانية تحقيق تفاهمات مشتركة ومجالات عمل وتدريب مناسبة للاستفادة من هذه التجربة؟

- تحقيق تفاهمات مشتركة وتعزيز فرص العمل والتدريب للمرأة العربية والكردية يتطلب جهوداً مشتركة من الفرد والمجتمع، بالإضافة إلى الدعم من الحكومات والمؤسسات، فيما يلي بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها لتحقيق هذه الأهداف، ففي مجال التعليم يمكن توفير فرص التعليم والتدريب المتساوية للمرأة في مختلف المجالات، وتطوير برامج تعليمية وتدريبية تستجيب لاحتياجات سوق العمل وتعزز المهارات المطلوبة، وفي إطار المجالات الاقتصادية، يمكن إطلاق حملات توعية حول أهمية مشاركة المرأة في الاقتصاد وتحفيزها على تحقيق ذلك، وتشجيع تأسيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يمكن للنساء تشغيلها أو المشاركة في إدارتها، أيضاً فيما يتعلق ببيئة العمل بتشجيع الشركات على تبني سياسات تكافؤ الفرص وخلق بيئة عمل تشجع على التنوع وتحترم الاحتياجات الخاصة بالمرأة، وتوفير برامج دعم للعمالة النسائية، مثل إجازات الأمومة ورعاية الأطفال، على صعيد المشاركة السياسية بتشجيع المشاركة النسائية في المجال السياسي وتعزيز وجودهن في المناصب القيادية، ودعم حملات التوعية حول حقوق المرأة ومشاركتها الفعّالة في صنع القرار، وعلى صعيد التواصل الثقافي بتعزيز التواصل والتفاهم الثقافي بين المجتمعات العربية والكردية من خلال فعاليات ثقافية ومبادرات تعليمية، والتشجيع على تبادل الخبرات والمعرفة بين النساء من مختلف الخلفيات، وعلى الصعيد الحكومي تبني سياسات حكومية تعزز حقوق المرأة وتكافؤ الفرص في مختلف القطاعات، والالتزام بتوفير بنية تحتية وقوانين داعمة للتمكين الاقتصادي للمرأة، إذ باستخدام هذه الإجراءات وتبني نهج شمولي، يُمكن تحقيق تقدم مستدام في تحقيق فرص متساوية وتعزيز التعاون والتفاهم بين المرأة العربية والكردية في مختلف الميادين.