كان من المتوقع أن تشهد ساحة الشهيد عكيد في كوباني حفلين موسيقيين الأول تحييه الفنانة من شرق كردستان شادي غولامي، والثاني الفنانة التونسية "أمل مثلوثي" في إطار مهرجان الشهيدة برجم، ولكن فوجئ جمهور المهرجان بمنع سلطات جنوب كردستان دخول الفنانتين من معبر سيمالكا مما يثير التساؤلات حول تحول معبر سيمالكا إلى أداة في يد حكومة إقليم كردستان لقمع شمال وشرق سوريا ومحاولة عزله عن العالم.
ويعتبر مهرجان الشهيدة برجم من الأحداث الفنية النسائية الهامة في شمال وشرق سوريا، وأقيمت نسخة هذا العام من المهرجان المنظم من قبل حركة هلال زيرين لثقافة المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا، على مدار أربع أيام (6-7-8-9) أيلول، تحت شعار (بأشعة الشمس يزدهر فن المرأة)، وشارك فيه فرق فنية وثقافية من مدينة كوباني وقامشلو وعفرين وحلب والرقة والطبقة وديريك وعامودا ومنبج.
كواليس منع "آمال مثلوثي" و"شادي غولامي" من الدخول لشمال وشرق سوريا
تقول مزكين جولاق، عضوة اللجنة التحضيرية للمهرجان الشهيدة برجم في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء، إن حركة هلال زيرين لثقافة المرأة في شمال وشرق سوريا تنظم كل عامين مهرجان الثقافة والفن والأدب والهدف من هذا المهرجان هو إحياء فن المرأة في شمال وشرق سوريا وفي الشرق الأوسط، مبينة أن المهرجان استمر لمدة خلال أربعة ايام بتاريخ 6/9حتى9/9 وبحضور جميع الفنانات والفرق والموسيقى الدبكات الشعبية، مسرح، أعمال يدوية، معرض رسم، وعرض أفلام، ومحاضرات حول المرأة والأدب.
وأضافت، أنه لأجل هذا المهرجان وبرغبة الفنانة آمال مثلوثي وهي تونسية والفنانة شادى غولامي وهي فنانة كردية من شرق كردستان (روجهلات) تمت دعوتهن لحضور المهرجان وكانت المشاركة الأولى للفنانتين في المهرجان.
وأشارت "مزكين جولاق" إلى أن حكومة إقليم كردستان منعت حضورهم المهرجان وذلك لعدم اتحاد الفنانات من جميع أنحاء العالم في شمال وشرق سوريا، مبينة أن سبب المنع هو الخوف من شعار المرأة، الحياة، الحرة.
وتقول ليلى موسى ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية في مصر في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء، إن السبب الرئيسي في منع الفنانين هو أنهم عندما يدخلون إلى شمال وشرق سوريا سيتعرفون على التجربة، وسيرون الناس، وليس من مصلحة بارزاني أن يسمح لهذه التجربة أن تخرج إلى خارج إقليم شمال وشرق سوريا، ويتأثر الناس بها، أو يتعرفون عليها.
تعتبر الفنانة التونسية أمال مثلوثي أحد الأيقونات العالمية للفن التونسي، والتي اشتهرت عالميا بالأغنية الاحتجاجية "كلمتي حرة"، والتي أصبحت نشيداً للثورة التونسية والربيع العربي، وفي 11 ديسمبر\كانون الأول 2015، غنت آمال المثلوثي في حفل تقديم جائزة نوبل للسلام 2015 في أوسلو، والتي قدمت إلى الرباعي الراعي للحوار الوطني التونسي.
بينما تعد شادي غلامي هي فنانة شهيرة من شرق كردستان، من مدينة سنندج الكردية وهي مغنية ومعلمة موسيقى لدى فرقة موسيقية تضم عدداً من نساء وفتيات قريتها يعزفن على آلة الدف، وتتميز شادي بأن منزلها أصبح محطة فنية عالمية حيث تقام المهرجانات الثقافية في قريتهم سنوياً، ويزور السياح المحليين والأجانب قريتها ومنزلها للاستمتاع بما تقدمه من فن.
تحول سيمالكا من معبر واصل إلى أداة قمع
لم تتوقف حالات المنع على معبر سيمالكا على الفنانتين الزائرتين لمهرجان الشهيدة برجم، ولكنه تحول للأداة للتضييق على الإدارة الذاتية، حيث يغلق أحياناً إما كليّاً أو جزئياً، وذلك منذ أن قررت سلطات حكومة إقليم كردستان في 19 أيار 2013 إقفال المعبر الحدودي بالكامل لأول مرة، وتكررت عمليات الإغلاق بشكل مستمر وكان آخرها في أيار 2023، وذلك إلى جانب مئات الحالات من الممنوعين من السفر، والذي كان منهم الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي نفسه صالح مسلم والذي استخدم معبر ربيعة-اليعربية للدخول إلى العراق حتى يتمكّن من السفر جواً إلى بلجيكا عبر بغداد.
وأشارت ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية في مصر، إلى أنه لا يمكن فصل الحالة الاقتصادية التي يمثلها معبر سيمالكا عن الحالة السياسية مبينة أن أسباب منع دخول الفنانتين والتضييق على المعبر هي سياسية بالدرجة الأولى، مبينة أن الاحتلال التركي يضغط على الإقليم ويمنع الناس من دخول المعبر بين إقليم كردستان وشمال وشرق سوريا.
وسردت "ليلى موسى" عمليات التضييق والمنع على المعبر مبينة أنها بدأت منذ عام 2013، ولكن اتخذت شكل مكثف وخاصة للزائرين من الدول العربية منذ عام ٢٠١٨، وذلك حتى عام ٢٠١٩ عندما توقف استقبال أي زائر من الدول العربية، حيث يقتصر المعبر حالياً على الأغراض التجارية والمدنيين في شمال وشرق سوريا وبعض حالات المرضى.
وأوضحت السياسية الكردية، أنه بين كل فترة وأخرى يغلق المعبر بشكل كلي، وذلك على أثر بعض المواقف السياسية، وتتراوح مدد العلق ما بين أسبوع او ١٠ أو ١٥ يوم، بالإضافة إلى منع السياسيين الذين يعملون في الإدارة الذاتية من المرور عبره.
وقالت ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية، إن المنع اتخذ أشكال جديدة، حيث تحول الأمر من السياسة إلى الثقافة، وإلى التواصل الثقافي بين الشعب الكردي الواحد، وأرجعت ذلك إلى الامتعاض الشعبي من قبل الموجودين في إقليم كردستان من سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي، وأن هذا الشعب عندما سيرى تجربة ناجحة في شمال وشرق سوريا سيتأثر بالتجربة ويطالب بالتغيير بناءً على التجارب الناجحة الأكثر ديمقراطية، مشيرة إلى أنهم لا يريدون الناس أن يتعرفوا على هذه التجربة بأي شكل من الأشكال، ودائماً يستخدمون طرق مختلفة من أجل الوصول إلى قطيعة بين الشعب من الناحيتين الجنوبية والغربية.
ولم تغفل "ليلى موسى" التأثير التركي على قرار الإقليم، مبينة أنه مذن بداية الأزمة السورية القرار ليس قرار الإقليم وحده، ولكنه أيضا قرار لتركيا التي تضغط على الإقليم وتعمل على وأد التجربة والفضاء عليها، ومنع انتشارها، وتستخدم سلاح التعتيم كأحد الوسائل لمحاربة الإدارة الذاتية وذلك عبر فرض شروط قاسية على المعبر، وإخضاعه للمزاجية السياسية، وغلقه كل فترة والأخرى، وحزب البارزاني ينفذ الأجندة التركية المطلوبة منه في المنطقة.
وأشارت عضوة اللجنة التحضيرية لمهرجان الشهيدة برجم، إلى أنها ليست المرة الأولى التي تقوم حكومة إقليم كردستان بمنع فنانات وفنانين من الدخول إلى شمال وشرق سوريا، حيث تم منع فنانات من الحضور في نسخ سابقة من مهرجان الشهيدة برجم وعدة فعاليات فنية أخرى أيضا، مشيرة إلى أن الهدف من المنع هو عدم صلة الثقافة والفن بين جميع المكونات سواء كانت كردية أو عربية.
المشاركة رغم المنع
لم تكن الفنانتين المشاركتين مجرد أصوات عذبة تشدو ولكنهما مناضلتين يستخدمان الفن وسيلة لنضالهما وتضامنهم مع الشعوب، والدليل على ذلك أن الفنانة أمال المثلوثي غنت في احتفالات عيد النوروز الكردية في آمد ذات الأغلبية الكردية في تركيا في وقت سابق من هذا العام أمام ما يقرب من مليون شخص بباقة من الأغاني العربية والكردية على الرغم من القيود المختلفة التي فرضتها عليها السلطات التركية.
وحول تلك النقطة أوضحت "مزكين جولاق"، إن الفنانتين رغم منعهما من الحضور للمهرجان شاركن في فعالياته عبر سكايب، مشيرة إلى أن الفنانة التونسية أمل المثلوثي قامت بإرسال رسالتها التي تضمنت مباركة المهرجان وإهداؤه لجميع نساء العالم وخاصة النساء الكرديات، وقدمت عدد من الأغنيات باللغة الكردية.
وطالبت عضوة اللجنة التحضيرية للمهرجان من جميع فنانات العالم أن يرفعن صوتهن اتجاه منع دخول الفنانات إلى شمال وشرق سوريا، وخاصة أن الهدف من تنظيم المهرجان هو إحياء فن وثقافة المرأة والجهة المنظمة للمهرجان وهي حركة هلال زيرين لشمال وشرق سوريا التي تعمل بمجال الفن من أجل إيصال صوت المرأة لكافة أنحاء العالم.