أكدت ريهام حسن المديرة المشتركة للهيئة التنفيذية لمجلس الإدارة الذاتية بسنجار (شنكال) أن الإزيديين أضحوا ضحايا لجغرافيتهم التي تكثر المطامع بها، ولدينهم الذي هو من أقدم الأديان في تاريخ المنطقة والعالم، لافتة إلى أن كل ما مروا به من إبادات وأزمات أعطاهم دافعًا أكبر للاستمرار والمواجهة حتى لا يسمحوا لإبادة أخرى أن تقع بحقهم.
وقالت ريهام حسن في مقابلة خاصة مع وكالة فرات للأنباءANF، على هامش مشاركتها في أعمال المؤتمر النسائي الثاني، في الشرق الأوسط، والذي تنطلق فعالياته اليوم في العاصمة اللبنانية بيروت بمشاركة عربية واسعة، إن المرأة الإيزيدية باتت الآن تخوض حربًا أخرى سلاحها العقل والفكر في مواجهة كل ما يستهدف المنطقة بجغرافيتها المؤثرة ويستهدفهم كإيزيديين لغرض إبادتهم.
وشددت ريهام حسن على أنهم لن يقبلوا المساس بالمنجزات التي وصلوا إليها وأنهم مصرين على استكمال أهداف الإدارة الذاتية في شنكال وأنهم في الذكرى السابعة للإبادة على يد تنظيم داعش ماضون نحو تحقيق أهدافهم ونحو تعضيد دور المرأة الإيزيدية التي واجهت أعتى صور الإبادة والانتهاك لإنسانيتها ولحقوقها.
وقالت: "نحن كنساء إزيديات قد تعرضنا للآلام وللعنف، فما أن تقول "الإزيديين" يأتي على البال الإبادة، فنحن كمجتمع مررنا بـ٧٤ إبادة جماعية على مدار التاريخ وحتى يومنا هذا".
وأضافت "في ٣ آب ٢٠١٤ تعرضنا إلى إبادة كبيرة، فالدواعش أرادوا عبر النساء محو ديانة بالكامل من على وجه الأرض.. وعندما رأينا أنه دائما في الحروب
نحن كإيزيديات قررنا ألا نصبح الفئة الضعيفة في المجتمع وعلى هذا الأساس أقمنا مؤسسات كثيرة في سنجار (شنكال) خاصة للنساء، وذلك ردًا على ما تتعرض إليه النساء فقد قررنا أن يكون العلم هو ردنا على الإبادة، وبدأنا مرحلة لتطوير النساء وتنظيمهن وتوحيدهن ليصبحن صوتًا واحدًا لمداواة جرح النساء، فكل منهن لديها قصة وجرح، فآلام النساء وجروحهن كلها واحد".
وأردفت: "على هذا الأساس وبعد سبع سنوات من الإبادة أخذنا قرارنا بأن نسير في هذا الاتجاه التنظيمي للمرأة وليس مع النساء الإيزيديات فقط خاصة أن الشرق الأوسط معروف بالظلم والذهنية الذكورية والعنف ضد النساء.. وعلى هذا الأساس أردنا من خلال المؤتمرات أو الأعمال المشتركة أن ننسق مع النساء في كافة الجهات لفتح طريق جديد للنساء وحتى نتخلص من العنف سوية".
وحول دور الإدارة الذاتية وما تنوي تقديمه في الذكرى السابعة للإبادة والتي تحل في الثالث من أغسطس/ آب، قالت: نعم نحن كإدارة ذاتية في سنجار نرى أن أساس عملنا هو أن ندير أنفسنا من الناحية الثقافية والأمنية وكذلك كافة النواحي.. ونحن عندما نقول الإدارة الذاتية فنحن لا نقصد ذاتي كإقليم كردستان، أو نطالب بالدولة أو شيء آخر، لكننا نقول إنه ورغم أن الدستور العراقي يبقي الحق لكل ديانة أن يديروا أنفسهم ولهم الحق بفتح مدارسهم إلا أننا على أرض الواقع لا نرى شيئًا، رغم ما مررنا به من إبادة كبيرة اختطفت فيها سبعة آلاف من الإيزيديات وقتل الآلاف من الشيوخ والأطفال أيضا، ومنهم من مات من الجوع، كما أن هناك المقابر الجماعية فسنجار بها ٨٣ مقبرة جماعية وحتى الآن أكتر من ٢٨٠٠ من النساء لا زلن مختطفات ومصيرهن مجهول".
وتابعت: "كل هذه الأمور التي نراها وتحدث خاصة في سنجار (شنكال) تؤكد أن هناك مخططات سياسية من قِبل دولتنا ودول أخرى على سنجار لأنها على خط استراتيجي وكل من هب ودب يريد أن تكون له حصة فيها بينما يبقى الضحية هم نحن الإيزيديين، فعندما تقول سنجار (شنكال) يأتي في بال الجميع الإيزيديين وعندما يقال الإيزيديين يأتي في البال الإبادة".
وأضافت " لقد أصبحنا ضحايا لجغرافيتنا وديننا، وهذا ما يجعلنا نرفض الضعف، ومن هذه الآلام والمعاناة يعطينا دافعًا للمقاومة، والمطالبة بالحقوق كي نتوحد ولا نسمح للإبادات ولا الآلام التي نعايشها تُضعفنا، فكلما تزداد الآلام وكلما تتزايد المؤامرات علينا نقوى أكثر".
وأردفت: "رغم كل ما جرى من إبادة خاصة الإبادة الأخيرة فإن شنكال عرفت بمقاومة المرأة وحتى تشكل من النساء جيش لمواجهة الإبادة، وبدأت المرأة التي لا تحب أي مظاهر الحروب أو القسوة هي نفسها التي تحمل السلاح لتواجه العدوان، وللانتقام لما عاشته المرأة الإيزيدية".
وأكدت أن "سلاح النساء الإيزيديات لم يقتصر فقط على السلاح بمعناه المعروف فحسب، فسلاح المرأة الإيزيدية الأكبر كان هو العقل، فبه تكون المعركة الأهم في مواجهة كل المخططات التي يحاولون أن ينفذوها في سنجار. ومن خلال الإرادة التي تأسست تُقيم النساء فعاليات متنوعة لإفشال كل تلك المخططات وبالفعل فإن كافة المخططات فشلت بسبب هذه الإرادة وبسبب الأعمال التي يقومون بها".
وأشارت إلى أنهم أثبتوا أنهم أصحاب إرادة ولهم وطن هو المعبر عن الهوية التي لا يمكن أن نتنازل عنها، وأضافت "سنظل نحارب لحماية هذه الهوية لأن من تضيع منه هويته يبقى كتمثال بلا روح. لذا فإن نضالنا حتى اليوم مستمر، ولدينا أمل في المزيد بل ونقول دائمًا إن الإدارة الذاتية هي جسر إلى الحرية، وستكون هي الرادع في طريق الإبادات".
وحول مشكلة الإدارة مع الدولة العراقية وإقليم كردستان بعد توقيع الاتفاقية بشأن سنجار، قالت: هذا مرتبط بما قبل الإبادة.. كانت وقتها سنجار تحت حماية إقليم كردستان ضمن إدارة مشتركة بين الحكومة العراقية وحكومة الإقليم، لكن ما حصل أن سنجار تُركت وحدها لتواجه داعش.
وأوضحت: نعم تركوها لداعش، ولولا تركهم ولولا خيانتهم، فما حدث ليس سوى خيانة.. نحن نقول ذلك دون أي خوف.. فحتى الأطفال الصغار يرددوها في الشوارع ويقولون إن البيشمركة انهزمت وهربت، والحقيقة هم باعونا".
واستطردت: باعونا للمرة الثانية، والحكومة العراقية أيضا جيشها لم يقاوم وتركوا الساحة لداعش، نعرف ذلك، لكن المسؤولية كانت على البيشمركة.. كنت في سنجار وأبي وكل أهل المدينة قرروا أن ينخرطوا في الحرب وبالفعل ذهبوا الى قوات البيشمركة وطلبوا منهم اعطائهم أسلحة لينضموا لهم في الحرب ضد داعش، لكنهم خدعوهم.. قالوا لهم أنتم في أمان مادمنا هنا.. ثم في الصباح رأيناهم يهربون ويتركون السكان يواجهون مصريهم بصدر عاري.
وقالت: هم حتى الوقت الحالي يريدون العودة إلى سنجار كما كان قبل الإبادة، ونحن على قناعة بأن من خان مرة يخون ألف مرة.. وبعد ثلاث سنوات من الإبادة وفي ٢٠١٧ جاءوا من جديد إلى سنجار التي كانوا غادروها في خيانة واضحة للشعب في ٢٠١٤. والمفارقة ما الذي قاموا به في سنجار؟ كانوا يضعون كل من يتظاهر ويسألهم لم خنتمونا في السجن، وحتى الشعب في ٢٠١٧ أقام مظاهرة في سنجار ردوا عليها بعنف، وقتلوا امرأة.. كما قتلوا ١١ من أصدقائنا، منهم إعلاميين أيضًا، فاستهدفوا النساء بكافة السبل، استهدفوا ناشطة إيزيدية، وإعلاميات كن تنقلن الحقيقة.. وهذه الخيانة الثانية التي تقوم بها البيشمركة.
وتابعت: يقولون نريد مساعدتكم، ونقول إذا كنتم تريدون مساعدتنا فعلا فاتركونا لندير أنفسنا، ٧٤ إبادة ممرنا بها وإذا كنا بهذه الإبادة قد استسلمنا للعدو نصبح آلة بيده يحركها كما يشاء. هم يريدون تجميد عقولنا، ننفذ ما يقال لنا. لكن هذا لن يحدث، نحن أصحاب ديانة من أقدم الديانات على وجه الأرض وبقينا نقاوم كل هذه الإبادات بإرادتنا حتى أصبحنا أقليات، لم نكن أقلية من قبل لكن بعد كل الإبادات التي مررنا بها وصلنا إلى ذلك.. آلاف هاجروا إلى الدول الخارجية بحثًا عن مكان آمن، آلاف لازالوا موجودين لدى الدواعش، آلاف قتلوهم، بل يمكن القول إن نصف المجتمع راح ضحية هذه الإبادة. خسرنا شيوخنا وأطفالنا وبناتنا بل وخسرنا سنجار في هذه الفترة لكننا رغم ذلك لم نخسر الأمل الذي نعيش به دوما، هو الذي يكبر كلما زادت الحوادث وكلما تعاظمت الآلام.
ولفتت إلى أن "الاتفاقيات الأخيرة بين أربيل وبغداد تمت بدون علمنا، أهالي سنجار لهم الحق في تحديد مصيرهم بعد ما جرى من تغيير وبعد ٧ سنوات من الإبادة. فأين كان هؤلاء قبل تحريرنا لسنجار.. كانوا يستطيعون العودة إليها لتحريرها من الدواعش لكن هذا لم يحدث".
وتطرقت حسن إلى دور تركيا المشبوه في المنطقة، لافتة إلى أنه: "مررنا بـ ٧٤ إبادة كان في كل منها يد لتركيا فيها منذ الدولة العثمانية ووصولا للإبادة الأخيرة بل والعدوان المستمر على شنكال، وحتى الدواعش كانوا يرون تركيا المنطقة الأكثر أمانا لهم، وما أكثر الشواهد التي تلقي بقائمة الاتهام على تركيا بتنظيمها لهم واستخدامهم أيضا واذكر في ذلك فقط زعيم داعش أبو بكر البغدادي، أين قتل في الغارة الأمريكية عليه؟ الحقيقة أن الجميع مشترك في إبادة الايزيديين".
وتساءلت: لم كل هذا الإصرار من إقليم كردستان بالدخول إلى سنجار وهي ليست منطقة كبيرة يعيش بها ربما قرابة ٥٠ ألف نسمة فلم هذا الإصرار بدخولها؟ باعتقادي أن هذه أيضا استراتيجية تكفل للأتراك الدخول بها، فالاتراك قبل اتفاقية لوزان ١٩٢٣ كانت حلب، وسنجار والموصل تحت الاحتلال العثماني والآن ونحن على أبواب مرور مائة عام على الاتفاقية فهم يردون إعادة هذه المناطق تحت سيطرتهم من جديد، وفي سبيل ذلك يستخدم البيشمركة وإقليم كردستان كآلة لتحقيق هذا الغرض".
وأضافت "١٥ دولة وافقوا على الاعتراف بالابادة الإزيدية لكن شروطها للموافقة على ذلك ان الاتفاقية بين بغداد واربيل معترف بها وكأنهم يفتحون باب إبادة جديدة.. كل مطالبنا في الذكرى السابعة للإبادة هو أن تفتح محكمة دولية لمحاكمة هؤلاء الدواعش الذين لم يحاسبوا حتى الآن على ما نفذوه من جرائم.. الإزيديون قتلوا مثل الذبائح، النساء بعن في الأسواق، وهذه جرائم بشعة نأسف أن المجتمع الدولي يصم عنها أذنه ولا يتحرك تجاه محاكمة هؤلاء".
وحول ما تقوم به الإدارة الذاتية تجاه الناجيات من الدواعش وكسر الصدمة التي عايشوها تقول: نحن في الإدارة الذاتية أسسنا لجنة لتحرير الناجيات، وحتى ذهبنا إلى مخيم الهول، وبحثنا عن الناجيات وعبر طريقنا سلمنا ١٥٠٠ ناجية إلى أهاليهم من الهول فقط، ولازال عملنا مستمر والحقيقة أننا لم نعد نثق بأحد بل وحتى الحكومة التي نقول هي حكومتنا هي أكبر معرقل لنا رغم الدستور الذي يقولون بأنه ديمقراطي لا يتحقق منه شيء على أرض الواقع.